كما أعطى الاتفاق المشترك بين أمريكا وروسيا على جمع المعارضة السياسية وممثلي نظام بشار الأسد للتفاوض من أجل انتقال سلمي دفعاً جديداً لعمل هذا الفريق.
وفي مقابلة استثنائية مع الاقتصادي عبدالله الدردري الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة قال للأسوشيتد برس إن أكثر من سنتين من الاقتتال كلفت سوريا 60 مليار دولار على الأقل وتسببت في انهيار صناعة النفط الحيوية, كما تم تدمير ربع المنازل في سوريا أو تعرضت لضرر بالغ بالإضافة إلى تخريب جزء كبير من بنية النظام الطبي.
وأضاف أن على السوريين الآن الاستعداد لإعادة البناء بعد انتهاء القتال, كما أنه والفريق يعملون بجد لتكون خطتهم الاقتصادية داعمة للمبادرة الروسية الأمريكية في حال نجاحها.
"أرى بصيصاً من الأمل" يقول الدردري الذي يعمل الآن لحساب وكالة التنمية في بيروت " كما يبدو أن هنالك استعداداً أكبر لتسوية سياسية من قبل مجموعات مختلفة في المعارضة والمسؤولين في الحكومة".
في وقت سابق من هذا الشهر اتقفت الولايات المتحدة وروسيا على دفع مشترك لجمع المعارضة السياسية وممثلي نظام بشار الأسد للتفاوض من أجل انتقال سياسي بعقد مؤتمر دولي أوائل شهر حزيران للمساعدة في انطلاق المحادثات.
رغم الشكوك حول نجاح هذه المبادرة التي أعلنها جون كيري وزير الخارجية الأمريكي وسيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي الأسبوع الماضي في موسكو إلا أنها المحاولة الجدية الأولى منذ سنة لإنهاء الحرب في سوريا التي أدت إلى مقتل أكثر من 70 ألف إنسان وشردت أكثر من خمسة ملايين.
لايزال الجانبان غير متفقين حول شروط المفاوضات, فالمعارضة تصر على تنحي الأسد أولاً والنظام يرفض وقف إطلاق النار وكلا الطرفين يريدان معلومات أكثر عن أعمال المؤتمر والمشاركين فيه قبل الموافقة على المحادثات.
خطة الدردري والتي أسماها "الأجندة الوطنية من أجل مستقبل سوريا" تفترض أن الصراع سينتهي عام 2015 وأن سوريا ستبقى موحدة تحت حكومة مركزية بغض النظر عن المنتصر.
ويقول الدردري إن هذا الافتراض غير ممكن لو نظرنا إلى واقع البلاد الآن ولكني أرى أن الخسائر البشرية والدمار الكارثي لابد أن يخلق ضغوطاً معنوية على جميع أطراف الصراع الداخلية والخارجية للتفكير جدياً في تسوية سياسية لأنها أصبحت حرباً بالوكالة.
فالحرب البغيضة في سوريا والتي اعتمد فيها النظام بشكل كبير على قواته الجوية لسحق الثوار قد دمرت بلدات وتجمعات سكنية بأكملها. كما التهمت النيران في حمص وحلب الأسواق والكنوز الأثرية التي كانت مصدراً سياحياً رئيسياً للدخل ما أدى إلى إزالة صفحة من تاريخ سوريا في ساعات قليلة من القتال. وأيضاً المصانع وخطوط أنابيب النفط والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس تم تدميرها بشكل منهجي.
القتال في سوريا دمر الاقتصاد وأوقف صادرات البلاد من النفط بتدمير جزء كبير من صناعاته التحويلية وبناه التحتية.
فالانقسامات العميقة بين جماعات المعارضة ربما تعقد أي جهد دولي للمساعدة في الإعمار. كما يعتقد السوريون أن المساعدات الخارجية ستكون ضعيفة.
يبدو أن الدردري هو الشخصية الأبرز للمشركة في خطط إعادة الإعمار ما بعد الحرب, وهو وزير سني سابق للتخطيط في سوريا لمدة عامين قبل أن يعينه الأسد نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية عام 2005.
كان الدردري العقل المدبر وراء انفتاح الاقتصادي السوري وانتقاله من الشكل الاقتصادي الاشتراكي إلى اقتصاد السوق الحر عن طريق استهداف المستثمرين الأجانب والدفع باتجاه الإصلاحات الاقتصادية المرافقة للتحول الاقتصادي.
ترك الدردري منصبه في الحكومة بهدوء في صيف عام 2011 وبعد أشهر قليلة اندلعت الانتفاضة ضد نظام الأسد الذي تسيطر عليه الأقلية العلوية وهم فرع من الإسلام الشيعي.
انضم إلى الأمم المتحدة بعد فترة وجيزة ولايزال شخصية محايدة يلتقي بالمعارضة وبمسؤولين حكوميين.
بدء عمله في آب كبيراً للاقتصاديين في الإسكوا (اللجنة الاقتصادية والاجتماعية للأمم المتحدة في غرب آسيا) التي تتخذ مقرها في بيروت, على رأس ستة اقتصاديين و30 خبيراً من داخل سوريا وخارجها.
يعلم الدردري أنه يواجه مهمة هائلة في أي جهود لإعادة الإعمار ويقدر الضرر الكلي في الاقتصاد السوري خلال ثلاث سنين من الصراع بما يتراوح من 60 إلى 80 مليار دولار وتقلص الاقتصاد بنسة 35 بالمئة مقارنة بالنمو السنوي الذي ميز الاقتصاد سوريا خلال خمس سنوات والذي يقدر بستة بالمائة قبل بدء الصراع في آذار 2011.
كما خسر الاقتصاد حوالي 40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وتم استنزاف احتياطي النقد الأجنبي على نطاق واسع وقفزت البطالة من 500 ألف إلى مليونين ونصف.
وقال الدردري إن الصراع دمر وخرب حوالي مليون ومائتي ألف منزل في البلاد وهو ربع المنازل في سوريا بالإضافة إلى تدمير ثلاثة آلاف مدرسة وألفي معمل ونصف البنى الطبية تقريباً بما فيها من مستشفيات ومراكز صحية.
من أجل إعادة بناء مليون مائتي ألف منزل تحتاج سوريا إلى 22 مليار دولار بالإضافة إلى ستة مليارات لتزويد الكهرباء والماء والغاز والبنى التحتية.
يقول الدردري "تبدو التوقعات تشاؤمية إن لم تكن مخيفة" وأضاف أن على القتال أن يتوقف لتقوى فرص سوريا في البقاء موحدة وليس مجموعة من الكيانات ذات الحكم الذاتي القائمة على الطائفة.
"يجب أن يتوقف القتال بأسرع وقت وأن ينتهي بحل سياسي من شأنه الحفاظ على السيادة والوحدة الوطنية وإلا لن يكون هناك إعادة بناء اقتصادي وجميعاً سنخسر سوريا"
يعتبر الفريق الاقتصادي خطة إعادة إعمار سوريا أولوية قصوى لتزويد سوريا بالنقد الذي تفقده الآن.
قبل الانتفاضة كان النفط أحد الأعمدة الرئيسية للاقتصاد السوري بإنتاج يقدر ب 380 ألف برميل يومياً –معظمه إلى أوروبا- وجلب أكثر من ثلاثة مليارات دولار في 2010. ولكن هذه الصناعة الحيوية انهارت بعد استيلاء الثوار على العديد من آبار النفط وتعرض بعضها للاشتعال أو سرقة النفط الخام فتوقف التصدير عملياً وتضاءل الانتاج.
يقول الدردي إن الأولوية لأي حكومة ما بعد الحرب هو إصلاح خطوط نقل النفط والآبار التي دمرت وإعادة الطاقة التكريرية إلى مستواها قبل الحرب والذي يقدر بمائتي ألف برميل يومياً وصادرات تتراوح ما بين 160 إلى 170 ألف برميل.
كما أن فريقه على اتصال مع الصناعيين ورجال الأعمال السوريين الذين سيشكلون جوهر أي جهود لإعادة الإعمار.
وأضاف إن احتمال تنفيذ أي خطة إعادة بناء يتوقف على قدرة الأطراف المتحاربة في البلاد للعمل معاً وهو عمل شاق في مواجهة الحقد الطائفي وعمليات القتل الانتقامية الوحشية التي شابت الانتفاضة.
ولكن وحدة سوريا والسلطة المركزية القوية والإدارة المدنية الفعالة في جميع المحافظات هي شرط عودة المستثمرين السوريين الذين سيوفرون الجزء الأكبر من الأموال اللازمة لإعادة البناء.
يقول الدردري : لو كنت رجل أو سيدة أعمال وأردت العودة إلى سوريا فأنا أريد أن أرى قوات جمرك سورية وشرطة سورية لا كيانات أخرى.
إن مشروع الدردري لا يتطرق إلى البنية السياسية لحكومة ما بعد الحرب في سوريا ولكن:
"نحن نخطط لإعادة بناء سوريا بعد أن ينقشع الغبار ولا نتدخل في من يجب أن يحكم سوريا".
التعليقات (7)