تشير الإحصاءات أن 25 % من الصناعيين الحلبيين قد غادروا البلاد بحثاً عن عن فرص إستثمارية جديدة في مكان أخر, وكيف لا وجميع مقومات العمل الصناعي أصحبت مفقودة بشكل كامل فالمواد الأولية أضحت تعاني الندرة و الشح و كذلك السيولة النقدية بالإضافة إلى توقف حركة الإستيراد والتصدير ناهيك عن عن فقدان الأمن و الأمان حيث تعرض الكثير من التجار والصناعيين إلى عمليات الخطف والابتزاز كما أن العديد من المعامل تعرضت للتخريب المقصود أو دمرت بسبب القصف الجوي الذي تقوم به قوات النظام على المدينة.
ولعل أهم قطاع صناعي في سوريا هو قطاع صناعة النسيج التي تتركز أكثر من 70 % من مصانعها في مدينة حلب، وتتداول بقيمة أقطان أكثر من من 30 مليار ليرة سورية وهو ثاني أكبر مصدر بالنسبة للناتج القومي السوري من حيث القيمة الإنتاجية والحرفية.
كان هذا القطاع يسهم بنحو 4,5 بالمئة من العوائد التصديرية و 25 % من إجمالي الصادرات ويشكل إنتاج القطن 7% من الإنتاج العالمي فبعد الأزمة و تضرر الصناعة عامة و صناعة النسيج بشكل خاص فمعظم الصناعيين في هذا القطاع الذين قرروا المغادرة إتجهوا إلى مصر لمعاودة نشاطهم الصناعي والاستثماري.
البعض أخذ وجهات أخرى مثل روسيا و كردستان العراق و غيرها. فعلى سبيل المثال الصناعي الحلبي كامل صباغ شرباتي غادر إلى مصر بعدما تعرض للتهديد من قبل النظام بسبب رفضه دفع أموال بحجة دعم عملية الإصلاح، كما منع من الخروج من سورية وذلك بحسب صحيفة إلكترونية سورية و لكنه نجح في مغادرة سورية إلى مصر ليفتتح مصانعه و تبعه العديد من الصناعيين إلى هناك، أما خالد علبي الذين كان موالياً للنظزام، فتوجه إلى روسيا بعد تعرض معمل الغزل والنسيج الذي يملكه، للحريق وقيل أن شبيحة الأسد قاموا بإحراقه، وقد قدرت خسائره ب 20 مليون دولار.
ولكن السؤال لماذا مصر التي استقطبت استثمارات بقيمة تزيد عن ال 500 مليون دولار أغلبها من رؤوس أموال حلبية، باتت وجهة الصناعيين الحلبيين اليوم... وخصوصاً الذين يعملون في قطاع الغزل والنسيج؟
في لقاء لأورينت نت مع أحد كبار الصناعيين في مجال الخيط والغزل والنسيج (فضل عدم الكشف عن اسمه) فسر لنا السبب بالقول:
أولاً: بسبب البيئة البسيطة الشبيهة ببيئة حلب.
ثانياً: توفر الأيدي العاملة الماهرة و الرخيصة نسبياً.
ثالثاً: التسهيلات التي تقدمها الحكومة المصرية للمستثمرين.
وشرح لنا عن الصعوبات والمعوقات التي تواجه نقل الإستثمارات والمصانع إلى خارج سوريا حيث أن المعامل الموجودة بآلاتها ومعداتها و أبنيتها تقدر كلفتها بمئات الملايين وهي متوقفة عن العمل ومعرضة في أي لحظة لخطر السرقة أو التخريب أو حتى القصف, ومحاولة تفكيكيها ونقلها أمر غاية في الصعوبة والتعقيد والكلفة أيضاً، حيث إن تفكيك الآلات وشحنها وإعادة تركيبها ينقص من عمر الآلة والساعات التشغيلية لها إلى النصف تقريباً، وهذه الكلفة توازي تكلفة إنشاء معمل وشراء ألات جديدة... كما أن عملية الشحن ونقلها خارج حلب في ظل الظروف الأمنية وعمليات القتال الدائرة في معظم الأحياء حالياً تعد شبه مستحيلة. وأضاف أنه يشعر بحرقة شديدة بسبب تركه المعامل التي أسستها عائلته وبذلوا فيها الوقت و المال حتى أصبحت على ما هي عليه و أردف أنه لا يمكنه بدء يومه بدون سماع صوت ضجيج الماكينات وهي تعمل!.
ربما هذه ليست المرة الاولى التي يضطر فيها صناعيو حلب لمغادرتها لمكان أخر, ففي بداية الستينات وبعد قرار جمال عبد الناصر بتأميم المصانع ذهب العديد من الصناعيين ليعاودا نشاطهم الصناعي من جديد في أماكن أخرى ولعل أشهر هذه القصص قصة الصناعي الكبير سامي صائم الدهر الذي ذهب إلى لبنان بعد قرار التأميم و إفتتح معملاً للغزل والنسيج هناك.
يمكن اعتبار أن هجرة الصناعيين من سوريا عموماً وحلب خصوصاً أمر مؤلم لا ينفصل عن الألم الذي يعيشه السوريون في ظل الحرب الشاملة التي يشنها نظام بشار الأسد على ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم, لكن الأمل أن تعود هذه الإستثمارات والخبرات والأموال إلى سوريا حيث مكانها الصحيح والطبيعي لتساعد في بناء البلد وازدهاره ليعود أفضل مما كان بعد سقوط حكم الطغيان.
التعليقات (5)