في نقد ملتقى الفكر السوري بباريس: شيزوفرينيا المثقف!

في نقد ملتقى الفكر السوري بباريس: شيزوفرينيا المثقف!

المؤتمرون في ملتقى الفكر السوري, أسهبوا في الحديث عن لا واقع الثورة السورية وتحدياتها اللا المستقبلية, ولكن المجال, في نظري, لا يتسع لتناول هذا الملتقى بالرصد والتفسير من عدة زوايا تبدو لي جوهرية وحاسمة, ولن تحظ بالاهتمام والتحليل اللذين تستحقهما. وسأقتصر في هذه المقال على التلميح للمأزق الفكري الذي نعيشه بوصفه جزئية من مجموعة جزيئات تتضافر لتكون المشهد الكلي.

النقطة الأولى:

إن الراصد لتحليل المثقفين والمفكرين السوريين لأزمة العقل السوري أو تفسيرهم لها, يجد في أغلب الأحيان إن أولئك المفكرين أو المثقفين ينقسمون إلى طائفتين رئيستين.

طائفة تستخدم منهج غير علمي, لا يراعي أبجديات الاشتغال في ميدان الثقافة والفكر, ويقوم على أساليب ترقيعية تجمع شذرة من هنا, وأخرى من هناك, ليطالعنا المثقف أو المفكر بمقدمات تحيل لنتائج واستنتاجات عرجاء في أحسن الظروف لدى البعض, وإن لم أقل حمقاء أو بلهاء تثير الضحك لدى البعض الآخر.

طائفة تستخدم منهجاً علمياً, ولكن هذه المنهجية يعوزها تشريح الواقع بواقعية, تراعي خصوصية كل بيئة وثقافتها,حتى لا يتحول المثقف أو المفكر,لمترجم أو شارح أو ناقل,لنتاج قد يبدو سليماً من وجهة النظر الكلامية, ولكن هناك بون شاسع, نجده حينما نحاول تحويل الكلام من حيزه النظري إلى التطبيق العملي, مما يجعله غير قابل للتطبيق العلمي. أو غير قادة على تفسيره.

النقطة الثانية:

هناك شيزوفرنيا تعيشها النخبة الثقافية ككل, فنظرية الأب الأول والمهندس الأول والطبيب الأول, هذه النظرية الجمعية والشاملة والموروثة من النظام الساقط, نجدها عالقة لدى كثيرين لا يحسمون أمرهم بينما هم نخبة ثقافية أو مشتغلين في السياسية, حيث يحصل الخلط حينما يرحل السياسي للثقافي, ويغدو المثقف مثقفاً وسياسياً في ذات الوقت, والمثقف هو نخبة يجب أن تتمتع بمصداقية رفيعة المستوى,لا يمكن حيازتها حينما يشتغل في الحقل السياسي, الحقل السياسي الذي يستدعي ويستحضر أدوات لا تتوافق مع روح الحقل الثقافي.

النقطة الثالثة:

الأزمة الأخلاقية التي تتطلب من النخبة الثقافية أن تتحلى بالحد الأدنى من منظومة خلقية, تسترعي حب البعض, والتثاقف المبني على وقائع وحيثيات منطقية, تتوخى لغة نموذجية في النقل, ويبتعد عن الفجاجة, وكمثال يساق هنا, أن الكثير من المثقفين أو المفكرين خلال المؤتمرات والملتقيات,يبقون هواتفهم على النمط العام,ويخرجون بمعدل رنينه للإجابة على المكالمات, وحينما لا يكون هناك مكالمات يثرثرون مع جلسائهم المجاورين, ولا يكلفون نفسهم عناء الاستماع إلى زملائهم الذين استمعوا إلى مداخلاتهم, وأحياناً تصل الأمور إلى درجة تجزية الوقت, كل الوقت,وهو يطالع صفحته الشخصية على الفيس بوك... هذا الشيء ما حدا بالمخرج السوري أسامة محمد للانسحاب من الملتقى احتجاجاً على عدم مراعاة هذه البروتوكولات والتي تعتبر جوهر التثاقف.

النقطة الرابعة:

مازالت عقلية تنظيم الملتقيات الفكرية, يعوزها الكثير من الاحترافية, وتبدأ من لحظة الإعداد لإدارة هذه الملتقيات والتنسيق لها, وصولاً لعملية انتقاء الأوراق لا على أسس الشخوص, وإنما النتاج والتقيد به احتراماً لعقول الناس ووقتهم, ماراً بالاستفادة من هذه الملتقيات حينما تعلن لحظة انتهاء المؤتمر, التي غالباً ما تكون لحظة موات كل مر به سالفاً.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات