أخطار على الثورة: تنميط صورة الذات والآخر

أخطار على الثورة: تنميط صورة الذات والآخر
يحرص المتحكمون باتجاهات الرأي العام في الأنظمة الشمولية على خلاف وبتنوع ايديولوجياتها، على صناعة صورة الآخر عدواً أو حليفاً وفق مقولات جاهزة مسبقة، لا احتمالات فيها ولا إمكانيات، بل وفق حتمية تشبه الحتمية الإلهية، ووفق هذه النمطية الثابتة المقدّسة في التفكير والتوصيف يحرصون على صناعة صورة الذات وتنميطها، وفق معايير يتحكمون بها بما يناسب ويضمن القبض على تفكير الرأي العام والتحكم بتفكيره وسلوكه وتوجهاته .

في حال الأنظمة القعمية تصل درجات التحكّم إلى السيطرة على أقوال المجموعة الاجتماعية، فالتحكم بالرأي العام ضرورة حيوية وجوهرية لاستتباب النظام واستقراره بعيداً عن الشك المعرفي والسياسي... الذي يرقى إلى الهرطقة قي حال الأنظمة الثيوقراطية ودرجة الخيانة الوطنية في أنظمة الحزب الواحد..

هكذا تصبح صناعة صورة الذات والآخر جزءاً من مهمات النظام الأمني "الوطنية"وأساس استمراره، فالصورة الثابتة للذات والآخر بغضّ النظر عن القيمة أو المعيار هو ما يريد النظام أن يرسخه في ذهن مواطنيه وفي عقل الأمة، صورة بسيطة جيدة مثالية للنظام وما يتعلق به، صورة بسيطة سيئة منحطة لكل من هو ضد النظام ولكل ما يتعلق بالمعارضين له. الصورة الثابتة هي ما يمكن تسميتها أيضاً الصورة النمطية.

ترقى الصورة النمطية إلى مستوى الفكرة الثابتة، أو القناعة الراسخة، التي هي في جوهرها "اعتقاد"، يتحوّل مع الزمن إلى "عقيدة" مستحكمة، لا براء منها ولا شفاء. تحرص وسائل الاعلام على إغلاق حواس وعقل الإنسان بفصله عما يجري في الواقع، بعزله عن الخارج، عن الحوادث الفيزيائية، وبتحويل الإنسان لاحقاً إلى كيس أو شرنقة ممتنعة عن التأثّر، لربما من هذه الحال الممتنعة عن التأثّر جاءت كلمة "ممانعة" أو إحدى معانيها على الأقل؟

ولو بحثنا لوجدنا أمثلة عديدة لهذا التشرنق في صف النظام ومؤيديه، الذي وقف مستوى تطوره الذهني عند الاجتياح الاسرائيلي إلى لبنان، وعند مجيء بشار الأسد إلى الحكم بمشروع إصلاح استمر ستة أشهر، توقّف الحدث والزمن هناك بالنسبة لهؤلاء، وما أتى من بعد هذين الحدثين هو "لاشيء"، فراغ وعبث في أفضل الأحوال لا يرقى إلى مستوى " الحدث التاريخي".

 تنميط صورة الشبيح كعلوي والثائر كسني:

في المقلب الآخر، في مقلب الثورة ووسائلها الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي (فيس بوك على الخصوص) لايجري الأمر على نحو مغاير، فالبنية الذهنية للسوريين في هذا الخصوص: أي بناء صورة الآخر، وفق رؤية مغلقة مشابهة، إن لم تكن متطابقة.

لهذا سيكون تنميط صورة الثورة والمعارضة، أو تنميط صورة النظام والشبيحة، وفق رؤية واحد ومستوى واحد خطّي، أحد أهم الأخطار، الذي إن استمر فهو سيؤدي إلى سقوط الثورة في فخ الفوضى، وعدم التمييز أحياناً بين الصديق والعدو.

كي لا يبقى كلامنا في مستوى التنظير، فلنتحدّث صراحة، ولنقدم مثالاً عمّ نتحدث، ولتكن صورة الشبيحة في صفحات الفيس بوك الثورية أو الموالية للثورة:

صورة الشبيحة مثلا ً وفق هذه الآلية، بنيت على فكرة جوهرية، هي : الشبيحة دائماً و"بالضرورة" علويون، وفي أفضل الأحوال شيعة !.. صورة "الشبيحة" هذه بنيت على أساس صورة قبلية هي "العلويون موالون وهم مع النظام".

من بنى هذه الصورة في وسائل إعلام الثورة وبالأخص صفحات الفيس بوك، تناسى أو هو لا يعرف عن دور المعارضين والناشطين العلويين قبل الثورة - في ربيع دمشق على الأقل- ومشاركة معارضين وناشطين علويين منذ 16 آذار 2011 واستمرارهم بالتواجد والعمل الثوري سواء كان إغاثياً أو سياسياً، أو عسكرياً – على محدودية هذا الأخير- ضمن الثورة، وإلى جانبها.

في المقابل بنيت في وسائل إعلام الثورة صورة عن الذات الجماعية، شبيهة بمعظم الصور التي يبنيها الإنسان الشرقي عن الجماعة التي ينتمي إليها، صورة قدسية معزّزة بالقيم الإيجابية، صورة الثوار مثلاً، هم دائماً محقون و"أتقياء" لا يخطؤون أبداً؛ وهم غالباً ودائماً من طائفة واحدة – السنّة- وحينما يذكر اسم ناشط أو معارض علوي أو حينما يذكر نشاط ثوري قامت به مجموعة من بيئة علوية يذكر إلى جانبه اسم "شرفاء الطائفة" أو"من شرفاء الطائفة"، فهنا استثناء من تعميم، لا ينفي التعميم بل يؤكده وهو إدانة الطائفة العلوية بمجملها.

تكفي هذه الطريقة في التفكير والترويج الإعلامي لتكون مرجعاً في التأسيس الذهني والنفسي لفكرة ونفسية التقسيم، تقسيم سورية مستقبلاً، وكما أن النظام يجنّ جنونه من وجود معارضين علويين، لأنه "نمّط" موقف العلويين، على أنه موقف التابع والموالي له، أصبح هذا الشعور مشتركاً مع عديد من الناشطين وجزء ليس قليل من جمهور الفيس بوك المؤيد للثورة!..

من هم في الخارج لا يمكن أن يشعروا بما يجري في الداخل، لذا لن يكون انطباعهم "كاملاً" عن الداخل، وستصلهم الحقيقة متأخرة، يساعد على ذلك وقوع وسائل إعلام الثورة في فخ الصورة المنمّطة، المقدّسة غير القابلة للاهتزاز.

التعليقات (1)

    زكي

    ·منذ 11 سنة 3 أسابيع
    تحليل نفسي واعلامي مهم لكن لا احد يسمع يا ريت يهتمو
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات