شهادات من الداخل: كيف عاش التلفزيون السوري أصعب مراحله؟

شهادات من الداخل: كيف عاش التلفزيون السوري أصعب مراحله؟
يعيش التلفزيون السوري اليوم حالة حرجة بالمقارنة مع الشهور الأولى من عمر الثورة، فالمتابع للبرامج التي يبثها التلفزيون السوري، يلاحظ حالة من تكرارالأفكار، واستنساخها، وأغلب هذه البرامج تعتمد في معظمها على مواد أرشيفية. عامان من عمرالثورة السورية مرّا، وسوريا اليوم ليست كما هي قبل هذين العامين، ومايزال التلفزيون السوري يواصل بثه وكأن شيئاً لم يكن، لا أعداد الشهداء يسمع بها، ولاهذا الدمار الشامل الذي أصاب الحياة بكل مقوماتها يراه، والانهيار الاقتصادي الخطير وتردي الوضع الإنساني إلى درجة غير مسبوقة، ومازالت الحياة على شاشته طبيعية، ومازال مذيعوه يرددون أسطوانة: خلصت.

وليس هناك أي شك في أن سيمفونية الإعلام السوري يقودها الآن عمران الزعبي عبر مجموعة من إعلاميي الصف الثالث وصحفيين مغمورين يعملون في التلفزيون السوري، بعد الفرز الأمني للإعلاميين والذي أبعد الكثيرين من أصحاب الكفاءات عن المركزالإخباري والقناة الفضائية خلال الثورة. وزير الإعلام ضرب عرض الحائط بتاريخ التلفزيون، وفي سبيل التجديد الذي تسعى إليه، قرّر أن يلغي القناتين التلفزيونيتين الأقدم في تاريخ البث السوري، ليطلق نيابة عنهما قناتي «العروبة» و«التلاقي»، كردّ فعل على الثورة السورية، والموقف العربي والدولي منها، مع العلم أننا نعرف أن قناة العروبة لم تنطلق أصلاً على الرغم من وجود المكاتب والتجهيزات، أما قناة التلاقي فهي تبث بشكل تجريبي.

أخطاء وزير الاعلام لن تتوقف عند ذلك بل أن التلفزيون السوري العريق وإذاعة دمشق الآن بدون مدراء بعد أن تم إحداث مناصب معاون أومعاوني مديرالهيئة العامة وإلغاء منصبي: مدير الإذاعة، ومديرالتلفزيون. وبالنسبة للقناتين اللتين أنشأهما وزير الإعلام السوري (التلاقي و عروبة) فهما عبارة عن كذبة كبيرة انطلت على العاملين في التلفزيون في البداية، إذ ليس ضمن استراتيجية إعلاميّة تنشد التطوير والتجديد، حين قيل لهم أنهما ممولتان بشكل مستقل وأن العاملين فيهما سيتقاضون أجوراً إضافية مجزية، ليتبين فيما بعد أنهم سيتقاضون أجورهم وفق نظام البونات حسب السقف المقرر سلفاً، بمعنى أنهم سيعملون مجاناً، وذلك لأن السبب الحقيقي هو إفلاس التلفزيون وعدم وجود موازنة خاصة لهاتين القناتين، وتأتي هذه الخطوة أصلاً بعد تراجع الوزير عن قرار إغلاق القناة الأرضية السورية ( الأولى ) والتي انطلقت قبل نصف قرن، في 23 تموزالعام 1960 في ظلال الوحدة السورية المصرية، تحت اسم تلفزيون «الإقليم الشمالي»، بإدارة صباح قباني.

فمنذ اللحظة الأولى لم تتوقف المحطات الرسمية (الفضائية - الإخبارية، وشقيقتهما "الدنيا")، وثابرت القنوات الثلاث على استضافة محللين سياسيين أو إعلاميين لبنانيين، وكان تركيزهم في تلك الفترة على الضيوف المؤيدين للنظام وسياسته الإعلامية من أبواق سوريين ولبنانيين، ولكنهم الآن باتوا يعانون من صعوبات عديدة على مستوى إحضار الضيوف ومشاكل عديدة أخرى، فصار لزاماً عليهم البحث عن بديل لملء ساعات البث.

 كيف يملؤون فترات البث؟!

العاملون في التلفزيون يتنفسون الصعداء عندما يتم استبدال بعض الحلقات بموضوع البث المباشر, وفي برنامج (صباح الخير) على سبيل المثال لا الحصر أصبح الاعتماد يزداد على مراكز اللاذقية وطرطوس والسويداء باعتبار باقي المراكز في المحافظات خارج الخدمة، طبعا إضافة إلى مركز دمشق، وهم يكررون الضيوف والمواضيع. بالنسبة للأخبار الميدانية فهي غالباً بدون صور فيديو، وتكرار في الضيوف والمواضيع، رغم أن وزير الإعلام قد وضع منذ فترة قريبة خطة عمل وفريق لتطوير القناة الفضائية السورية.

دون أن ننسى بالطبع الصعوبات داخل التلفزيون المتمثلة بعدم قدرة العاملين فيه بالوصول من وإلى بيوتهم في المناطق الساخنة، مما يضطر كثيرين منهم للبقاء أوقاتاً طويلة داخل التلفزيون والمبيت فيه، بسبب المناوبات المتواصلة على مدار الساعة.

كما يلاحظ خلال عامين من بدء الثورة هجرة العديد من العاملين في التلفزيون سواء بعمليات الانشقاق المتلاحقة أو الإجازات بلا راتب، أو العودة إلى مراكز محافظاتهم بسبب الخوف من الأوضاع الأمنية. وإعلام الشبيحة أنعش التلفزيون بمواد رديئة لا تثير أحداً ولا تهم المشاهدين، وهذه الخطة تنطبق أيضاً على قناة الدنيا وصحيفة الوطن الخاصتين لمواجهة الحرب الإعلامية التي تتعرض لها سوريا حسب أقوالهم.

 أجواء تفجير خلية الأزمة!

هناك خطط للعمل تعرف بالخطة ( أ – ب – ج ) وهي مخصصة للتعامل حسب تطورات الأوضاع الميدانية والسياسية، الآن هم بمرحلة العمل وفق الخطة ( ب ) وهذا يدل على ارتباكهم واعترافهم بخطورة الأوضاع وهم يعانون من حالة إفلاس، ومن مؤشرات الانتقال إلى العمل بهذه الخطة هو بث التلفزيون السوري للمسلسلات حيث كان مثل هذا الأمر في المراحل السابقة ممنوعاً ومن الخطوط الحمر، وكانت الإجابة الجاهزة: أي مسلسلات ونحن في حالة حرب؟! كانت أصعب مرحلة شهدتها وقت تفجير مكتب الأمن القومي ومقتل أفراد خلية الأزمة، كان من المستحيل تأمين ضيوف للبرامج، لذلك كان الحل لديهم هو إعادة حلقات سابقة والاعتماد على المواد الأرشيفية القديمة، وكان المخرجون ينوبون عن المعدين غير القادرين على الوصول إلى التلفزيون. وكان لافتاً تلك الفترة الاعتماد على ظاهرة الضيف على الهاتف لمدة نصف ساعة وهو أمر غير معتاد إطلاقاً في تاريخ التلفزيون السوري.

وكانوا لا يتوقعون الوصول بمثل هذه السرعة إلى مثل هذه الحالة، على الرغم من أنها كانت متوقعة لديهم منذ زمن، ولكن غير المتوقع هو أن يصلوا إليها بمثل هذه السرعة.

 مؤشرات داخلية أخرى!

يرتبط اسم الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في سوريا بالفساد الإداري والترهل و(تطفيش) الخبرات والكفاءات الجيدة، وليس أدل على ذلك من سبعة آلاف موظف الذين تنوء بهم الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون وبالمليارات الكثيرة التي صرفت عليها طيلة السنوات السابقة، وبالتعيينات المستمرة القائمة على مبدأ التنفيعة والمحسوبيات...وعن مظاهر الفساد أن هناك عاملين في الهيئة كانوا يحصلون على أربع رواتب من مؤسسة واحدة، فمثلا البعض يأخذ سقف التعويضات من الإذاعة، والإخبارية، والتربوية، ومن ثم الفضائية وقد عمدت إدارة التلفزيون إلى إصدار قرار يتم بموجبه توحيد سقف التعويضات للعامل، الأمر الذي أثار انزعاج البعض من المستفيدين، كما أن العاملين في القطاع الإداري كانوا يحصلون على تعويضات إشراف على إنتاج بعض البرامج رغم عدم امتلاكهم الخبرة المهنية أومشاركتهم في الإعداد والإنتاج، وهناك أيضاً أشخاص تسلموا مناصب في المراكز لسنوات طويلة تجاوزت العشر سنوات وفي النهاية لم يكن هناك أي بنية تحتية مناسبة للعمل في هذه الظروف..

 مظاهر الهدر!

مظاهر الهدر في الهيئة كانت كثيرة الأمر الذي أضاع على الخزينة العامة والهيئة عشرات الملايين من الليرات، سواء عبر شراء تجهيزات ودفنها في المستودعات دون استغلالها أو أن جدواها الاقتصادية والفنية كانت منخفضة، هذا إضافة إلى الأغاني التي كانت تسجل وينفق عليها ملايين الليرات ثم ترمى في المستودعات دون استثمار نظراً لأن معظمها غير قابل للتسويق لجهة الكلمات والألحان والأصوات. وقد تم كشف هدر بعشرات الملايين من الليرات، فمثلاً أحد عقود الصيانة كانت قيمته تبلغ نحو 10 ملايين ليرة وبعد إعادة التفاوض مع الطرف الثاني تم تخفيض القيمة إلى نحو 2.5 مليون ليرة!!

*صحفي ومعد برامج سوري

التعليقات (1)

    شامي حر

    ·منذ 11 سنة شهر
    شعار النظام ( الرجل الغير مناسب في المكان الغير مناسب)
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات