فجأة ومن دون سابق إنذار عم النداء أرجاء حمص المدينة.. فاخترق مكبر الصوت الأسماع حتى وصل للريف القريب واستمر يتردد طوال الليل! حالة من الرعب والاندهاش سادت تلك الليلة الطويلة في اعتصام الساعة الشهير في حمص, الغريب وقتها أن أصوات الرصاص كانت كثيفة ورغم ذلك لم ينقطع صوت منادي الجهاد الذي ظهر فجأة وكأنه هبط (بالباراشوت) ليحث المسلمين على قتال الأعداء, والجهاد في سبيل اجتثاثهم!
صراحة استغربت كثيرا يومها من ذلك الشيخ المختل عقليا وكيف سنهب للجهاد؟ و نحن المعتصمون في الساحة نكوّن ذلك الجزء من المواطنين الذي كان مجرد حمل (الموس الكباس) أو السكين خارج حدود المطبخ.. يذهب بهم بحكم ستة أشهرعرفي في غياهب السجون؟! بل كيف – حتى إذا قررنا أن ننسى هذا كله- أن نقف بوجه شبيحة مدججين بما لذ وطاب من الروسيات والكلاشنكوفات والأسلحة التي يمكن أن تحيل الساحة بلحظات إلى ساحة حمراء.
في اليوم التالي وبعد فض بكارة الاعتصام بالقوة، وبعد أن جوبهت المطالب السلمية التي كان يحلم بها الشعب البسيط بأساليب لا تشبهها... علمنا أن سيارة الأمن الجهادية كانت تدخل أحياء حمص المختلطة والأحياء التي يسكنها أغلبية مسيحية وعلوية لبث الخوف والفرقة بين أطياف الشعب السوري وليمارس النظام لعبته التاريخية الوضيعة (فرق تسد) والتي مازال يظن أنه يمكن تكرارها بسيناريو وشائعات الثمانينات نفسها وما تلاها .. وكأننا نعيش عصر الترانستور والشلستون والقناة التلفزيونية الواحدة!
ما أعادني لقصة الإعتصام اليوم بعض من يمارس لعبة النظام نفسها ويحاول زرع مصطلح غريب على السوريين هو مصطلح (إسلامي) ذلك المصطلح الذي وصف به صديقنا كتهمة في إحدى الجلسات الخاصة صديقه الملتحي لأنه كان يدافع عن من ينادي بـ (لا إله إلا الله) و كأن الإسلام هبط علينا فجأة بعد أن قرأنا كتاباً، أو سمعنا خطبة تلفزيونية، أو قرأنا بوستاً على الفيسبوك... ولم يتجذر منذ أكثر من أربعة عشر قرناً في أرضنا وحياتنا وثقافتنا، وليس كذلك فحسب، بل إن أكبر دولة شهدها التاريخ الإسلامي والتي امتدت من غرب الصين إلى حدود فرنسا انطلقت جيوشها من دمشق وكانت تحكم من دمشق!
الإسلام غير متربط بحزب أو جبهة أو هيئة, الإسلام أمة عظيمة تضم أكثر من مليار مسلم لا تستطيع أكبر قوى الشر في العالم معاداتهم (علنا على الأقل).. لكنها للأسف تواجه أعداءها من الداخل، أعداء يجهلون ماذا يعتنق مجمتعهم ولماذا؟ فيصرون أن يجعلوا منه تهمة بدل أن تكون انتماء وثقافة!
التعليقات (4)