كشفت نهاية الحرب العالمية الثانية عن صعود التيار الصهيوني المسيحي في الولايات المتحدة وأمريكا، الذي وجد في تأسيس إسرائيل تحقيقاً للوعد الإلهي لإبراهيم وأولاده بمنحهم أرضاً ًفي فلسطين، وبعيداً عن السجال العلمي التاريخي والآثاري فيما إذا كانت الأرض الموعودة هي فلسطين الحالية أم أرضاُ تنتمي إلى بلاد اليمن أو الحجاز كما يكشف عدد من الباحثين العرب في طليعتهم فاضل الربيعي وزياد منى أو كمال صليبي، بناء على وثائق وآثار وبناء على أسماء القرى والمناطق والعائلات التي ما زالت متداولة حتى الآن في اليمن كما يقول الربيعي... بعيداً عن كل ذلك يقول دون فاغنر المناضل اليهودي ضد الصهيونية مبيناً الخلط الذي يقع فيه الصهاينة المسيحيون بخصوص إسرائيل:
"يتم في الكتاب المقدس الخلط بين إسرائيل والدولة الحديثة. إنهما ليستا الشيء نفسه. هناك أربع إشارات إلى مَن تكون إسرائيل في الكتاب المقدس، ولا تتحدث أي منها عن دولة يهودية مستقلة في المستقبل. هذا شيء. ثانياً، إن سرد الكتب المقدسة يدور حول محبة الله ومحبة جارك كنفسك. إنه قائم على المساواة الأساسية.
نحن مدعوون لأن نكون متضامنين مع الفقراء، والمضطهدين، والذين يتألمون. ليس رفع دولة لتكون دولة قبَلية فوق غيرها بالحلول العسكرية، وإنما علينا أن نكون في الخنادق مع أولئك الذين يعانون ويناضلون. والآن هؤلاء هم الفلسطينيون. علينا أن نحارب العنصرية لأن هذا مشروع عنصري للغاية".
ليس دون فاغنر وحده من يكشف خطأ الصهاينة المسيحيين بل إن "ناطوري كارتا" أيضاً الحركة اليهودية الإسرائيلية المضادة لإسرائيل تعلن صراحة أن إسرائيل خطيئة ووجودها يُغضب الله وتدعو لنسفها من الجذور.
بينما تصر تنظيمات إنجيلية أمريكية على دعم إسرائيل من منطلق ديني وتلقي بكامل وزنها في الانتخابات الأمريكية لتعطي أصواتها ودعمها للمرشح الرئاسي الأكثر تطرفاً في دعم إسرائيل.. مع ذلك فإن دعم أمريكا لإسرائيل لا يعدو أن يكون " أفضل استثمار لأمريكا في التاريخ " كما يقول بايدن، فمقابل أربعة مليارات دولار سنوياً هي المساعدة الرسمية الأمريكية لإسرائيل فإن الأخيرة تؤمّن لأمريكا حضوراً مركزياً في العالم العربي والشرق الأوسط يضمن لها التحكم غير المباشر في توجهات وخيارات وتحالفات وصراعات الأنظمة العربية وبالتالي الشعوب العربية التي لا يمكن السيطرة عليها أبداً إلا عبر هذه الأنظمة والتي تبطن الكراهية الشديدة لأمريكا وإسرائيل.
فالنظام الإقليمي الحالي مبني على تعالقات متينة بين أعضائه، إن كان على مستوى الأنظمة ذاتها أو على مستوى الأدوار التي تقوم بها الأنظمة والتي تبدو متناغمة، وكذا على مستوى المصالح المشتركة أو حتى على مستوى أجهزة الأمن والقادة الكبار.
وإسرائيل باعتبارها ولاية وقاعدة أوروبية أمريكية في المشرق مهمتها إدارة إضعافه وتفتيته إن أمكن عبر إشعال حروب وصراعات أيديولوجية ومصلحية وسوى ذلك.. ليس كراهية بالإسلام أو العرب، وإنما إدارة للصراع التاريخي، تستخدم في ذلك سلاحي الكراهية أو السلام عند الحاجة بطريقة مبرمجة لا تخطىء. فها هي إسرائيل تستقبل عبر قمر عاموس خمس قنوات مذهبية إيرانية تبث للمشاهدين العرب برامج دينية طائفية تثير الفتنة وتشعل الكراهية.
إن من تقف في صف الاستعمار الإسرائيلي الأوروبي الأمريكي هي الأنظمة الديكتاتورية في المشرق ورجال الدين التابعون للأنظمة والأكاديميون والمثقفون والناشطون السياسيون ورجال الأعمال المتأوربون أو المتأمركون، وهؤلاء سيجدون أنفسهم في ظروف عديدة ربما أقرب إلى الموقف الأمريكي من الصراع.
وهؤلاء يتجاهلون أو هم لا يعرفون شيئاً عن الصراع الحاصل الآن ومنذ وقت طويل داخل إسرائيل وفي أمريكا، بل داخل المجتمع الديني اليهودي عبر العالم بين تيار عقلاني وتيار عنصري عصبوي ظهر بقوة بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر إذ اقتحم عشرات اليهود الأمريكيين مبنى الكونغرس واعتصموا داخله منددين بسياسات إسرائيل ومطالبين بإيقاف قصف غزة، وكان عشرة آلاف يهودي أمريكي تظاهروا في نفس اليوم في واشنطن ضد الحرب على غزة.
كذلك فإن أغلبية اليهود المشرقيين العرب والأتراك والكرد الأصلاء لا يمكن أن يكونوا في حلف غربي ضد العالم العربي الذي عاشوا فيه منذ ألفين وثلاثمئة سنة على الأقل.
بعد ذلك كيف يمكن لبعض ساسة ومثقفين عرب ومسلمون وكذلك مثقفون وساسة ينحدرون من أقليات دينية ومذهبية وقومية في هذا العالم العربي أن يقفوا في صف هذا الحلف.. إذاً؟
التعليقات (3)