منذ اندلاع عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول الفائت، لم ينخرط نظام أسد بصورة مباشرة في أي عمل من شأنه أن يوجه أنظار الإسرائيليين نحوه، إذ تعدّ الجبهة السورية هي الأهدأ من باقي الجبهات المحيطة بإسرائيل حتى قبل الحرب على غزة، على عكس التصعيد المدروس والمتفاوت بين ميليشيا حزب الله وإسرائيل في الجبهة الجنوبية اللبنانية والتي لم ترقَ لجرّ إسرائيل لحرب استنزاف مفتوحة تشتت قوى الأخيرة وتخفف الضغط على غزة.
تجاوز الخطوط الحمراء
وبالنظر إلى موقف أسد الراغب بعدم توسعة الحرب الجارية والحفاظ على جبهته كجبهة محايدة، وتجنبه الملاحظ لشرر نار المعركة وما ينتج عنها من نتائج قد تكون كارثية على نظامه، يدفعنا ذلك للتساؤل عن استفادة ميليشيا أسد من الاكتفاء بالمراقبة، ومدى إثباته بأنه قوة براغماتية تقدّم مصالحها على مصالح أي حليف, وغير مستعد لتجاوز الخطوط الحمراء المرسومة له، أو إنه بالأصل غير قادر على الدخول في حرب استنزاف تطلق رصاصة الرحمة على نظامه المتهالك، وخاصة بعد أن غيّر الغرب وأمريكا موقفهم من فكرة تغيير النظام في سوريا -الذي وضعها على الرف- وعليه فإن مغامرة النظام بدخول هذه الحرب سيؤدي للتفكير بمشروع إسقاطه، هذا غير أن حليفه الروسي لا يريد أن تصل الحرب لسوريا، فالأمور الحالية تسير وفق ما يريده.
في حديثه لأورينت يرى الباحث في مركز عمران للدراسات، نادر الخليل، أن نظام الأسد قرأ جيداً ما يحدث في المنطقة وشعر بخطورة الوضع فيما يتعلق بغزة، وأدرك أن أي تصرف أو إرسال أية إشارات خاطئة منه ستُفهم بشكل يرتدّ عليه وبالاً من الجانب الأمريكي والإسرائيلي، وخاصة بعد قدوم حاملة الطائرات والقطع العسكرية البحرية إلى شرق المتوسط، ورسائل التحذير التي تمّ تسليمها له، وكذلك بعد الغارات المتكررة على مطارَي حلب ودمشق، وبالتالي لن يجرؤ على القيام بأي تحرك سيتسبب بجلب المزيد من الإجراءات ضده، فهو غير معني مطلقاً بالانخراط بمواجهة في المنطقة من أجل حماس في غزة، إذ ما اعتبرنا أن ليس لديه القدرة على المشاركة والتورط في حرب غزة بأي شكل من الأشكال.
رسائل ميليشيا أسد
يمكننا القول إن ميليشيا أسد تريد إيصال رسائل غير مباشرة للأطراف الدولية الفاعلة بالملف السوري، تتلخص بأن أسد ملتزم بضبط المناطق الواقعة تحت سيطرته ومنع استخدامها ضد "إسرائيل"، ما يعني تحصيله مكافأة لقاء موقفه، وخاصة أن الإمارات تلعب دور الضامن له وتقود إعادة تأهيله عربياً، فهو ينتظر تلقي تلك المكاسب على دوره في ضبط المخيمات والفصائل الفلسطينية في سوريا ومنع انخراطها في المواجهة انطلاقاً من الأراضي السورية وحتى من لبنان نوعاً ما.
يقلّل الباحث الخليل من فكرة انتظار أسد للمكافأة وأن سلاح الفصائل الفلسطينية ليس موجهاً ضد إسرائيل ومرتبط فقط بمصالحه الأمنية والسياسية، بالقول "إن ذلك ليس واقعياً كثيراً، لأن دور أسد هامشي أكثر بكثير من أن يؤثر بشكل حاسم بالمشهد الميداني في سوريا، فحينما تقرّر إيران فتح جبهة من سوريا، ستكون قدرة النظام على منع ذلك محدودة".
مضيفاً، "نفوذ أسد على المخيمات الفلسطينية في لبنان، مبالغ فيه أيضاً، فهو يملك نفوذاً وسيطرة على فلسطينيي سوريا، أما في لبنان فالنفوذ غير كافٍ مقارنة بحزب الله وإيران وحماس والجهاد، وإلى حدٍ ما حركة فتح".
يختم الخليل حديثه بالإشارة إلى وجود تعقيد كبير في المشهد الحالي، إلا أن الواضح هو حالة أسد المأزومة، فالقرار بشكل مطلق في يد طهران، وفي حال أرادت جرّه للصراع، فلن يستطيع منع ذلك، لكن دون شكّ إيران لا تريد تعريض نظام أسد الهشّ لضربات قاسمة، تجعلها تخسر جهود سنوات طويلة في جعله يقف على قدميه.
هل عمّقت إيران معاداة الغرب للسُنة؟
من المعلوم أن إيران لا تتفق مع حركة حماس مذهبياً، رغم أن الأخيرة تتلقى دعماً سياسياً ومالياً كبيراً من إيران، وتعتبر التنظيمَ السنيَّ الوحيد في البلدان التي تديرها إيران ضمن مشروعها التوسعي الإقليمي القائم على مبدأ تصدير الثورة الخمينية، معتمدة على رصيد حماس الجماهيري في الملف الفلسطيني، إضافة لمحاولة إيران إظهار نفسها على أنها مشروع مقاومة إسلامية تحريري غير مختص بمذهب معين، مشتركةً في هذه النقطة مع أنظمة تدّعي انتماءها لهذا المحور، كميليشيا أسد، والنظام الجزائري، ومن قبله نظام القذافي في ليبيا، وحركتي حماس والجهاد الإسلامي داخل الأراضي الفلسطينية.
ورغم أن الحرب العراقية ومن بعدها الحرب السورية استطاعت تعرية الرواية الإيرانية، من خلال ضرب الفصائل السورية المعتدلة المعارضة ذات المكوّن السُّني، ثم إحداثها تغييراً ديمغرافياً واسعاً بحق المكوّن الأكبر، وتسويقها أن هذا المكوّن تمثّله الجماعات الجهادية المتطرّفة.
ومع اشتداد وتيرة الحرب في غزة والمقاومة التي تبديها حماس مع حالة السكوت والتهديدات الفارغة التي تعتري الحالة الإيرانية منذ بدء العملية، بات من الممكن ترسيخ الرواية المزعومة في أن (الإيرانيين يحاولون إكمال رواية حليفهم أسد في أن مشكلة الغرب في المنطقة العربية مع العرب السُنة وليس مع المحور الشيعي أو الموالي له).
"محمد سالم"، مدير وحدة تحليل السياسات في مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية، يرى أن الدول الغربية بخلفيتها الاستعمارية والولايات المتحدة على رأسها تحاول اللعب على التناقضات السياسية والطائفية في المنطقة، فتقوم بتوظيف فكرة "فرّق تَسُدْ" وتمكين الأقليات، وهذه سياسة استعمارية قديمة مستمرة، تتقاطع في كثير من الأحيان مع المصالح الإيرانية وتختلف معها أحياناً.
مضيفاً في حديثه لأورينت، أن إيران تعتبر نفسها وريثة الإمبراطورية الفارسية التي نازعت الروم لقرون، فهي ترى نفسها نداً للغرب وللولايات المتحدة، لكن الطرفين يتجنبان الصراع الصفري، ويفضلان الصراع الذي ينتهي بصفقات تقاسمية للمصالح وهو ما تكرّر كثيراً ويكون غالباً على حساب شعوب المنطقة ولا سيما السُنة.
إيران على المحك
لدى سؤالنا الباحث في الشأن الإيراني، عمار جلو، عن نجاح إيران في تصدير دعاية تحمّل العرب السُنة تأزم الوضع في المنطقة عكس المحور الشيعي الذي تمثله إيران وأذرعها والذي يحاول ضبط انزلاق المنطقة لأتون حرب تهدد مصالح الغرب.
اعتبر جلو أن إيران لم تكن في يوم من أيام إيران الثورة في مثل هذا الخطر المتهدد كما هي عليه اليوم، بالنظر إلى كمّ الحشد العسكري الأمريكي المتمركز سابقاً وحالياً من الخليج العربي إلى شرق المتوسط مروراً ببحرَي العرب والأحمر.
مشيراً إلى فشلها في إيهام الغرب بأن الخطر نابع من حركات التحرر السُني، والدليل أنها اليوم مستهدفة فعلياً، لذا نفت وتكرر النفي في الخطاب الواحد لأي علاقة لها بعملية "طوفان الأقصى"، وإلى ذلك يذهب أذرعها، وآخرهم خطاب حسن نصر الله، الذي انصبّ على نفي علاقة إيران أكثر من أي مضمون آخر، كما يمكن ملاحظة ذلك من غياب أي تصريح لقائد "فيلق القدس"، إسماعيل قاآني، حول ما يجري في غزة، وهو المعني الأول إيرانياً بالشؤون العسكرية الخارجية، أو قيادة "محور المقاومة"، وهو غياب مفروض، لضبط الخطاب الإيراني وتفادي أيّ ردّ فعل غربي تجاه إيران.
وفي النهاية يمكن القول إن عكس ما تم طرحه في السؤال هو الحاصل، -حسب الباحث جلوـ مضيفاً، "فعلى عكس نظرة الغرب بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2000، يُنظر حالياً لإيران أنها عامل عدم استقرار في المنطقة والعالم، سواء لجهة مسيّراتها في أوكرانيا أو أذرعها في العراق واليمن ولبنان وسوريا، أو بتحالفاتها التي ينعتها الغرب بتحالف الديكتاتوريين أو الطغاة، (روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية)".
التعليقات (0)