الحرب على غزة.. إيران الرابح الأكبر

الحرب على غزة.. إيران الرابح الأكبر

بعد مرور شهر على الحرب بدت أولى نتائجها تظهر، ليس على صعيد حسم ما ستؤول إليه الأوضاع في قطاع غزة التي تواصل إسرائيل عقاباً جماعياً لسكانه الفلسطينيين إبادةً وتدميراً تهجيراً، إنما إقليمياً إذ تقدمت إيران من خلال ميليشياتها خطوات إضافية مستغلة الكارثة لتعزيز مواقعها في المنطقة العربية تحت ذريعة استنفار الحشود لمواجهة إسرائيل. 

 


وخلافاً لتوقعات بُنيت على خطابات شعبوية بينها وحدة الساحات ومواجهة الشيطان الأكبر ومحو إسرائيل، ولا سيما من قبل السواد الأعظم من ميليشيات إيران التي عبأتها عقائدياً، أو أولئك الذين انساقوا وراء شعارات ما يسمى بمحور المقاومة والممانعة، فإن البراغماتية الانتهازية جاءت عنواناً لتفاهمات بين الولايات المتحدة وإيران، كتلك التي حكمت علاقة الجانبين منذ غزو العراق، وبدأت من رسائل الخامنئي مع بداية حرب غزة بأن لا علاقة لإيران بعملية طوفان الأقصى وسرعان ما تلقفتها الولايات المتحدة مؤكدة ما قاله الخامنئي، وهو ما تريده أيضاً. 

 


وليس أكثر دلالة على تفاهمات أمريكية إيرانية من رسالة حسن نصر الله في خطابه الذي جاء بعد نحو شهر من بدء طوفان الأقصى، بالنأي عنها وعدم الذهاب أبعد من التضامن ضمن قواعد الاشتباك المعمول في الجنوب اللبناني، مع بعض التجاوزات للتغطية على تلك التفاهمات، على غرار ما تقوم به ميليشيات عراقية ضد قواعد أمريكية من أعمال استعراضية، استناداً إلى ما كان يحدث في مرحلة سابقة كشف عنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قبل أيام، والهدف هو أن ينفس العقائديون من خلالها احتقانهم ضمن قواعد تضبطها المصلحة العليا لجمهورية الولي الفقيه من جهة، وتعزز حضور إيران على حافة الحرب الهمجية التي تشنّها إسرائيل على المدنيين في قطاع غزة. 

 


وخلافاً للبنان والعراق واليمن لم يظهر دور يذكر باسم سوريين في الصراع، ويعود ذلك إلى قرار إيراني بعدم تعريض بشار الأسد لمخاطر باعتبار حمايته أولوية لها، مع جعل سوريا ساحة حشد لميليشياتها ليس للانطلاق نحو إسرائيل بل للتمدد في البلاد والضغط في مرحلة لاحقة على العرب من بوابة الأردن، ويرجح أن يكون ذلك أيضاً ضمن تفاهمات بين الجانبين إذ إن إيران تلقت رسائل إسرائيل من خلال قصفها مطاري دمشق وحلب مع بدء الحرب على غزة بأن هدفها التذكير بأن عليها ضبط ميليشياتها التي قد تنفلت لدوافع عقائدية.

 


بحسب المعطيات المرافقة لحرب غزة إقليميا اتضحت أكثر تفاصيل الاختلاف بين حسن نصر الله وبشار الأسد بالنسبة لعلاقة كل منهما مع إيران، فزعيم ميليشيا حزب الله تحدث بصفته وكيلا لإيران بينما هو تابع، وأقل شأناً من نصر الله، وعليه أن يتمثل به ويثبت ولاءه في كل موقف لكي تبقي إيران على حمايتها له، وهذا يفسر إقصائه أخيراً عشرات ضباط وعناصر أمنية مسؤولة عن حواجز في القنيطرة أخيراً، على خلفية رفضهم التعاون مع الميليشيات الإيرانية التي تنتشر في المنطقة، دون أن توكل إليها مهمة التدخل لأنه الظروف بحسب تقارير إعلامية غير مناسبة ومرتبطة بتطورات الأوضاع في غزة وهذا ما تضمنه خطاب نصر الله.

 


ليس انصياع بشار الأسد لأوامر إيران استثناءً، بل بات هو القاعدة، وهذا بدا مؤكداً من خلال تنفيذه أمر عملياتها بالانقلاب على المبادرة العربية قبل عدة أشهر، وإهداره فرصة تحقيق السلام في سوريا، وغدره بالعرب بعد أن وافق عليها من أجل إعادته للجامعة العربية، والاستثناءُ الذي سيصبح قاعدة، هو تلقيه مباشرة أوامر من حسن نصرالله في ظل انشغال إيران بملفاتها مع الغرب ولا سيما الولايات المتحدة، في إطار التداعيات المتسارعة للحرب على غزة، وعليه فإن قيادة ما يسمى بمحور الممانعة التي كانت في دمشق في زمن حافظ الأسد انتقلت إلى الضاحية الجنوبية.

 


بدت إيران الآن أقرب إلى حجز مقعد لها في إطار أية تسوية مقبلة بحكم تفاهماتها مع الولايات المتحدة، وإمساكها بالساحات السورية العراقية واليمنية بقيادة وكيلها حسن نصر الله، وبعد وحديث وزير خارجيتها عن إمكانية مساهمة بلاده في ملف أسرى حماس، وعدم انخراطها في الحرب، والأهم علاقتها مع بعض قادة حماس في الخارج بينهم إسماعيل هنية رئيس مكتبها السياسي، الذي التقى الخامنئي في طهران قبل أيام، وتعمدت وسائل إعلام إيرانية التأكيد بأنه قدم له تقريراً عن آخر التطورات في غزة.  

 


أوراق القوة التي باتت تملكها إيران تجعلها تقدم نفسها مفاوضاً على حساب دماء أهل قطاع غزة ليس عن نفسها فقط بل عن تلك الساحات التي تملكها وتتحكم بتوجيهها، ومن المستبعد أن لا تقبل الولايات المتحدة بها على هذا الأساس، ليس نيابة عن نفسها فقط بل وأيضاً عن مجمل القوى الغربية، أبرزها إسرائيل، التي تنظر إلى حماس بوصفها تنظيماً "سنيّاً" لا يختلف عن تنظيم داعش، في حين أن إيران وميليشياتها من لون آخر، لم تستهدف مصالحها الإستراتيجية في المنطقة منذ حتى ما قبل أحداث 11 أيلول / سبتمر 2001.

 


ليست إيران وحدها من سيتمدد ويتجذر في المنطقة، بل وإسرائيل أيضا فالغرب لن يقبل بإضعافها وتهشيم صورتها وافتقادها قوة الردع، لأنه سيتحمل تبعات خسائر مصالحه من خلالها باعتبارها مجمع الشركات والقاعدة المتقدمه له لحماية تلك المصالح، وهذا يفسر اندفاع معظم زعمائه إلى دعمها وإرسال سفن وحاملات طائرات، على الرغم من أنه صمت طيلة عقود عن مساعي إسرائيل إنهاء القضية الفلسطينية، وتحويلها إلى مسألة إنسانية تتعلق بمساعدات إغاثية من خلال منظمات الأمم المتحدة وليست قضية شعب يريد إقامة دولته في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعاصمتها القدس الشرقية، وهو ما دعت إليه المبادرة العربية وأيدها المجتمع الدولي بمن فيه الغرب.

 


العرب خسروا الحرب دون أن يخوضوها ولا سيما مصر والأردن إذ تسعى إسرائيل إلى تهجير أصحاب الأرض في الضفة والقطاع إليها في إطار التغيير الديمغرافي وإنهاء قضيتهم، والفلسطينيون خسروا بفعل الدمار والقتل، والقوى الغربية وخاصة إسرائيل تضررت بشكل مؤقت بنسب متفاوتة، وحدها إيران الرابح الأكبر كما في العراق، بعد الغزو الأمريكي، فما استثمرته من عداء إعلامي مصطنع كالموت لأميركا وإسرائيل وغير ذلك استجلبت من خلاله عائدات بأن أصبحت لاعباً ذا أذرع منتشرة في المنطقة تعمل من خلالها على إنهاء الدول الوطنية كما في لبنان وسوريا والعراق واليمن وإقامة دول الميليشيات، التي تهدد الوجود العربي ليس في هذه الدول فحسب بل وفي الأردن والخليج وغيرهم.

 


وبهذا الإطار يندرج قرار إيران حشد فصائلها سواء في سوريا أو على الحدود مع الأردن واتهامه بإسقاط صواريخ ميليشياتها الحوثية المتجهة إلى إسرائيل لمساندة غزة، وهجوم المسؤولين الإيرانيين بينهم الخامنئي على الدول الإسلامية والطلب من حكوماتهم أن تصر على وقف قصف غزة فوراً وإغلاق طرق تصدير النفط والسلع لإسرائيل، وهو كلام حق يراد به باطل، وهدفه التغطية على انكشاف ادعاءاته بالعداء لإسرائيل وبأنه درج على مدى عقود على رفع شعارات إبادتها ويصفها بأنها أوهن من بيت العنكبوت.

 


المُضلَلَون وحدهم من يعتقدون أن هناك عداء إستراتيجياً بين إيران وإسرائيل، فالخمينية لا تقل خطورة من الصهيونية، فكلاهما يتمدد في المنطقة بغطاء عقائدي وبالنواح واللطم المسلح، على ما يسمونه زوراً أرض الأجداد والمقامات، والمحرك الرئيس لاستراتيجيتهما هو المطامع الاقتصادية والسياسية، والتغيير الديمغرافي، والشعارات التي رفعتها إيران ضد إسرائيل ورثتها عن أنظمة عربية كانت استخدمتها بالمعلن فقط لضمان حصول على شرعية خارجية، واحتمت إيران بدورها بتلك الشعارات للتغلغل في المنطقة وقتل طموحات شعوبها.

 


بغض النظر عن حجم دور إيران في طوفان الأقصى إلا أن الثابت هو استثمارها لكارثة الفلسطينيين والسيطرة من خلال ميليشيات عراقية وغيرها، على الأرض في سوريا ولا سيما في الجنوب السوري بذريعة مواجهة إسرائيل، إذ ستحوله في مرحلة لاحقة إلى شبيه للجنوب اللبناني الذي أقصت فيه من خلال ميليشيات حزب الله القوى الوطنية اللبنانية والفلسطينية التي هي من أطلقت المقاومة ضد إسرائيل واستولت تلك الميليشيات عليها واحتكرتها خدمة لمصالح إيران وانتهى بها الأمر إلى تفاهمات مع إسرائيل والولايات المتحدة، والسيطرة على قرار لبنان بتهديد السلاح وعشرات آلاف الصواريخ الدقيقة وبعيدة المدى التي تمتلكها ولم تستخدمها ضد إسرائيل.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات