حذّرت "الإدارة الذاتية" الجناح المدني لميليشيا قسد شمال شرق سوريا، الصحفيين في مناطقها من العمل مع أي جهة إعلامية غير مرخّصة لديها.
ونشرت دائرة الإعلام تعميماً جاء فيه أنه يوجد بعض الصحفيين يعملون لصالح وسائل إعلامية غير المسجلين فيها، ولم يصل الدائرة أي تفويض أو طلب سواء من المؤسسات الإعلامية أو من الصحفيين، ما يُعدّ تجاوزاً لقانون الإعلام في المنطقة.
كما زعمت أن أي صحفي يُعِدّ مواد إعلامية لصالح أي وسيلة إعلامية غير التي يعمل فيها بصفة رسمية، ودون تفويض وموافقة المؤسسة الإعلامية التي يعمل فيها، يُعَدّ مخالفاً للقانون، مضيفة أن الصحفيين أو الإعلاميين العاملين شمال وشرق سوريا يتوجب عليهم إرسال تقاريرهم لدائرة الإعلام التابعة للإدارة الذاتية قبل إعدادها، وإلا فسيكونون مخالفين للقانون ويعرّضون أنفسهم للمساءلة القانونية، وسيتم التعامل معهم وفق اللائحة التنفيذية لقانون الإعلام.
ويُعدّ القرار بحدّ ذاته تضييقاً مباشراً على عمل الصحفيين شمال شرق سوريا، وتحدّياً جديداً يواجه عملهم، يضاف إلى سلسلة الانتهاكات والتضييق الذي تمارسه الميليشيات على الصحفيين، فقد فرضت الميليشيا من قبل، الانتساب إلى "اتحاد الإعلام الحر" المقرّب منها كشرط لمزاولة المهنة، إضافة لسحب رخص مزاولة العمل من إعلاميين ومؤسسات إعلامية، فضلاً عن عمليات احتجاز صحفيين بشكل تعسفي وملاحقة آخرين.
صحفيون ينددون بالقرار
وفي تصريح لأورينت نت أكد "إبراهيم الحسين" أحد صحفيي دير الزور الذين سلّطوا الضوء على انتهاكات قسد أثناء انتفاضة العشائر، وجود تضييق واسع على الصحفيين بشكل عام تضاعف بعد الانتفاضة الأخيرة من العشائر ضد الميليشيات الكردية، موضحاً أنه أُجبر على الهجرة من مدينته بدير الزور بسبب الملاحقة الأمنية، وخوفه من الاعتقال.
وأضاف، أنه صدر قرار بمنع عمل شبكة "الشرقية بوست" التي يديرها بعد تصنيفها بأنها تابعة للمخابرات التركية، مشيراً إلى أن هذه التهمة جاهزة لإلصاقها بكثير من القنوات التي يُمنَع عملها ضمن مناطق شمال شرق سوريا كأورينت أيضاً.
ورأى "الحسين" أن التعميم الأخير يُراد عبره معرفة من يعمل لصالح القنوات المعارضة لسياستهم وبالتالي اعتقالهم، لافتاً إلى أن ميليشيا قسد بعد هذا التعميم سيجبرون القنوات والجهات الإعلامية على الترخيص وإلا الملاحقة، ثم الاطلاع على مواد المتعاونين معهم قبل العرض، وبذلك يمكنهم من أن يتحكموا بتوجيه الرأي العام والتستر على انتهاكاتهم وعرض ما يناسب منهجيتهم.
وتابع أن كثيراً من الصحفيين كانوا يلجؤون إلى بعض الحلول كالابتعاد عن كل الجهات والمؤسسات والشخصيات الموالية لقسد، ثم التأكيد على الجهات التي يتعامل معها الصحفي بضمان سرّيّة اسمه وأسماء الشخصيات ضمن تقريره، مؤكداً أنه كثيراً ما كان يطلب من الجهات الإعلامية تغطية الوجوه أو تمويهها وتغيير أصوات الشخصيات عند نشر أي مقابلة، وهذا بحدّ ذاته يقوّض عمل الصحفي ويجعل عمله أشبه بنحت على الصخر.
وعلى ما يبدو فإن ميليشيا قسد تريد اعتماد جهات إعلامية محددة موالية لها، حيث إنها عبر هذه الجهات الموالية لها تأخذ باقي القنوات والوكالات العالمية كل الأخبار التي تريد قسد إيصالها فقط.
وبالمثل رأى الصحفي "مهند العزيزي" (اسم مستعار) أن التراخيص لمزاولة المهنة الإعلامية والصحفية هي مخصصة فقط للمؤسسات التي تتبع لقسد أو التي توافق هواها، وبالتالي فهذا القرار سيكون ذريعة لحملات اعتقال لاحقة بدير الزور والرقة ومنبج بحق الكثير من الصحفيين والناشطين الرافضين لمثل هذه الإجراءات.
وأضاف أن القرار لا يُطبّق إلا على ناشطين وإعلاميين من الرقة ودير الزور، كون احتكار الوسائل الإعلامية المهمة والدولية هي لصحفيين وصحفيات من القامشلي والحسكة وكوباني من المكوّن الكردي والموالين في أغلبهم لسياسة قسد، فالوسائل الإعلامية المهمة لا تسنح الفرصة للناشطين والإعلاميين من أبناء الرقة ودير الزور ومنبج للعمل بها.
انتهاكات بالجملة
وفي تقريرها الأخير الصادر في 14 أيلول/سبتمبر 2022، والذي يغطي الفترة الواقعة بين 1 كانون الثاني/ يناير إلى 30 حزيران/ يونيو، كانت "لجنة التحقيق الدولية المستقلة حول سوريا"، قد أكدت تورّط الإدارة الذاتية بتقييد الحريات الأساسية بما في ذلك تعريض الفعاليات الصحفية ووسائل الإعلام للتوقيف أو الاعتداء، دون أي مبرّر لتلك التجاوزات.
كما استنكرت منظمة "مراسلون بلا حدود" منتصف العام الفائت، إجراءات الإدارة الذاتية الرامية إلى تعزيز سيطرتها على الحقل الإعلامي شمال شرق سوريا، لافتة إلى أنها لاحظت تدهور ظروف عمل الصحفيين في تلك المناطق منذ شهر آذار 2022 بعد أن فُرض عليهم أن يكونوا أعضاءً في "اتحاد الإعلام الحر" المقرّب من الإدارة.
من ناحيته أكد "محمد الصطوف" مدير قسم الرصد والتوثيق بمركز الحريات في رابطة الصحفيين السوريين، أن قرار ميليشيا قسد واضح للعيان من حيث مخالفته لأبسط مبادئ العمل الصحفي، فهو يأتي ضمن سلسلة من القرارات السابقة التي تحدّ من حرية العمل الصحفي سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات، ولا سيما أنه من المعروف أن قطاع الصحافة واسع جداً ومن الممكن أن يعمل الصحفي في أكثر من جهة.
ولفت "الصطوف" إلى أن القرار يحمل عدة مخالفات ضمنية، حيث فرض إرسال المادة الإعلامية إلى مكتب الإعلام في الإدارة الذاتية للاطلاع عليها قبل بثها من الجهة الإعلامية التي أُنجزت لها، فهذا فيه نوع من الرقابة المطلقة على العمل الصحفي، ما يُعَدّ انتهاكاً واضحاً، ويناقض ادعاء الإدارة الذاتية في حرية العمل الصحفي ضمن المناطق التي تسيطر عليها.
وحول فرض الترخيص على المؤسسات الإعلامية شمال شرق سوريا، أجاب الصطوف أن الإدارة الذاتية بالعموم لا تعطي الترخيص إلا للمؤسسات التي توافق سياستها، وهذا يمس باقي المؤسسات الإعلامية الأخرى ويحدّ من وصولها إلى الأخبار والمعلومات وحقيقة ما يجري على الأرض.
وأشار إلى أن القرار برمّته يلخّص رغبة ميليشيا قسد في أدلجة خروج الأخبار والتقارير والمعلومات بما يخدم سياستها وبما تريد توجيهه للرأي العام الداخلي والخارجي.
التعليقات (0)