تستمر ميليشيا أسد باستغلال عقود إزالة الأنقاض الأممية وعمليات تأهيل البنية التحتية المفترضة للإجهاز على ما تبقى من مبان سكنية في المناطق التي احتلتها، ضمن إستراتيجية العقاب الجماعي وتوفير الأموال لعناصرها من الدمار الذي خلفته.
وتظهر صور أقمار اصطناعية ملتقطة حديثاً نشرها موقع "سوريا على طول" مواصلة آليات شركات المقاولات تدمير الأبنية ونهب وهدم المنازل في مدينة الحجر الأسود، بذريعة إزالة الأنقاض، بعد مرور أكثر من خمس سنوات على سيطرة ميليشيا أسد على المنطقة، ما يُفسّر أسباب منعها عودة السكان إلى منازلهم.
متعهّدو الخراب
وبحسب مصادر محلية، فإن عمليات الهدم والنهب تتم على يد عناصر ميليشيا الفرقة الرابعة والميليشيات المتعاونة معها في المنطقة، حيث تخرج عشرات السيارات يومياً محمّلة بالحديد والنحاس ومواد قابلة للتدوير وتنقل إلى معمل حديد "محمد حمشو" في منطقة عدرا الصناعية.
وفي أيار/مايو عام 2018 استعادت ميليشيا أسد السيطرة على منطقة الحجر الأسود التابعة إدارياً لريف دمشق، بعد اتفاق يقضي بخروج عناصر تنظيم داعش باتجاه البادية السورية، وتتألف المنطقة من عدة أحياء منها الجزيرة والثورة والاستقلال وجزء من شارع ثلاثين المشترك مع مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين.
ويشكل المهجّرون من الجولان السوري المحتل والفلسطينيين غالبية سكان الحجر الأسود، الذين قُدّر تعدادهم بنحو 400 ألف نسمة قبل عام 2011، حيث تمنع ميليشيات أسد عودة الأهالي إلى المنطقة، رغم توقف العمليات العسكرية.
وتشير مصادر محلية إلى أن استمرار عمليات التهديم وتحوّل المنطقة إلى قطاعات تقدم لمتعهدي تلزيم المعادن المتعاونين مع الفرقة الرابعة يمنع عودة الأهالي، خاصة مع تعرّض عدد من الأحياء إلى التدمير شبه الكامل مثل حيي الجزيرة والاستقلال وشارع الثلاثين، على يد المتعهدين.
وبحسب أبو معروف من سكان الحجر الأسود، فإن ميليشيا أسد لم تكتفِ ببيع حطام المنازل التي قصفتها، لتقوم بتدمير ما تبقى من أبنية سليمة لاستخراج الحديد من أعمدتها وأسقفها بعد تعفيش أثاثها وسحب تمديداتها.
ويقول: دمار المنطقة مر بعدة مراحل بعد سيطرة ميليشيا أسد عليها، بداية من تعفيش الأثاث والملابس وكل ما يمكن حمله وبيعه، ثم سرقة خطوط تمديد الكهرباء وشبكات المياه المنزلي والاستفادة من حديدها، وصولاً إلى فك الرخام وحديد السلالم وسرقة عدادات المياه والكهرباء، حتى انتهى الأمر بهدم الأبنية كلياً لانتزاع "أسياخ البيتون وحديد الصب" من الأسقف وأعمدة المنازل.
ويؤكد أن ميليشيا الفرقة الرابعة والأمن العسكري المنتشرين في المنطقة يديرون العمل بتسهيل من قبل مجلس بلدية الحجر الأسود الذي يوفر آليات الهدم، مردفاً: "يمكن القول إن الجزء الأكبر من منازل الحجر الأسود التي نجت من القصف، صارت على العظم بانتظار أن يصلها دور الهدم لاستخراج هذا العظم ونقله".
قوانين تُشرّع الاستيلاء العقاري
ومع تنوع الانتهاكات بحق الملكية العقارية في المناطق التي استعادت ميليشيا أسد السيطرة عليها بعد عام 2016، فإن هدم المنازل لا يُنهي التهديد بخسارة العقار، خاصة في المناطق التي تدخل ضمن الدراسات التنظيمية بذريعة معالجة العشوائيات، كما هو الحال مع الكثير من المدن والأحياء السكنية.
ويعتبر عبد الناصر حوشان عضو مجلس نقابة محامين حماة الأحرار، أن منظومة القوانين العقارية التي تم سنها أو تعديلها بعد عام 2011، جميعها تصب في خانة الاستيلاء على أصل الملكيات العقارية للمدنيين.
ويعتقد أن القانون الناظم لمنطقة الحجر الأسود وغيرها من المناطق، مشمولة بالقانون رقم 10، أو ما يسمى بمشروع تنظيم جنوب دمشق، الذي وجد بديلاً لمرسوم 66 الممتد من منطقة المزة إلى كفر سوسة، قبل أن يضاف إليها أحياء ومناطق القدم والحجر الأسود.
ويوضح أن مشاريع إزالة الأنقاض فعلياً لاتمس الملكية العقارية، إنما ظهرت لتعفيش المنازل، إلا أن خطورتها أصبحت بتحولها إلى أداة لإزالة العقارات وفق قانون إزالة الأنقاض الذي ينص على أن المناطق التي تتعرض للزلازل أو الحرب أو دخولها في مشاريع التنظيم، يجبر مالك العقار على إزالة الأنقاض المادية أو الاعتبارية على نفقته وفي حال تخلّفه عن الدفع تصبح مؤسسات أسد صاحبة الصلاحية والمتحكمة بالأنقاض والملكية العقارية كاملة.
ويقول: سواء كان الاستناد على القانون رقم 10 أو مخطط التنظيم العقاري المعروف بالمرسوم رقم 5، فإن الخسارة واحدة بالنسبة إلى أصحاب الملكية الشائعة أو المالكين النظاميين (طابو أخضر) بسبب الشروط الملزمة على أصحاب الحقوق من الطعن بالقرارات أو تقديم الثبوتيات والمطالبة بتعويض، تواجه بنقطة عدم قابلية قرار اللجنة القضائية للاستئناف.
ويضيف: غالبية سكان المناطق التي استهدفتها ميليشيا أسد، إما قتلوا أو هجروا أو اعتقلوا، وبالتالي فإن كثيراً من الناس سقطت وثائقها الثبوتية بفقدانها أو تلفها، ما يزيد صعوبة تقديم هذه الأوراق للمحاكم، مع العراقيل التي أوجدها نظام أسد في القانون رقم 10 في مدة التقديم التي مددها إلى السنة بعد الضغط الدولي، إلا أن الخطورة تتمثل بسقوط حق المالك بالعقار أو المطالبة بتعويض بعد انقضاء المهلة دون تقديمه الأوراق الثبوتية.
أملاك السوريين مصدر ثراء الميليشيات
ويستأثر ماهر أسد الذي يقود ميليشيا الفرقة الرابعة، ومعه شريكه رجل الأعمال محمد حمشو، بعقود مشتريات أممية لنزع المعادن من المناطق التي سيطرت عليها ميليشيا أسد، وإعادة تدويرها وبيعها مجدداً في شركة "الحديد لتصنيع المعادن" التي يمتلكها حمشو.
واستطاع حمشو المدرج على قوائم العقوبات الغربية منذ عام 2011، كسب ثروة كبيرة من عقود استخراج الحديد من المناطق المدمرة، التي تحولت إلى مصدر مغذي لأحد أكبر الأسواق التجارية التي أنشأتها ميليشيا أسد، خلال السنوات العشر الماضية، متمثلاً بتجارة المعادن والخردة التي تستحوذ عليها ميليشيا الفرقة الرابعة.
وتحولت عمليات سرقة المعادن وهدم الأبنية السكنية وتفكيك المصانع والمنشآت في مناطق دمشق وريفها وحلب وريف إدلب وغيرها، إلى نهج منظّم وعلني، حيث برز دور "الشعبة الأمنية" التابعة لميليشيا الفرقة الرابعة عبر احتكارها تجارة الخردة والمعادن وتنظيمها، من خلال توقيع الاتفاقيات مع المتعهدين وتوفير كتب رسمية لتسهيل عملهم.
ويعتبر الخبير الاقتصادي في مجال المنظمات الأممية، أحمد عزوز، أن استيلاء ماهر أسد وشريكه حمشو على مشاريع إعادة تأهيل المناطق المدمرة الممولة أممياً، يجري عبر شخصيات ومنظمات تستخدم كواجهة لهذه الفئة، للتحايل على المنظمات الأممية وعدم إيقاعها في مشاكل ومساءلة قانونية.
ويقول: كل برامج الأمم المتحدة تمرّ عبر مؤسسة الأمانة السورية للتنمية التي تقودها أسماء الأخرس زوجة بشار أسد، أو من خلال الهلال الأحمر السوري، وهؤلاء يقدمون العقود للمؤسسات التابعة لميليشيا أسد أمثال ماهر وحمشو، باعتبار المشاريع الأممية قطعة حلوى توزع على الجميع.
بدوره، يوضّح مدير الأبحاث في مركز السياسات والبحوث، أن نحو 25 في المئة من تمويل الأمم المتحدة للمشتريات في سوريا، ممنوح لشخصيات أو شركات يملكها أفراد معاقبون من دول غربية.
وكان مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية قد أنجز دراسة اقتصادية بالتعاون مع البرنامج السوري للتطوير القانوني، عن تعاقدات الأمم المتحدة في سوريا، والتي أظهرت تعاونها مع شخصيات وكيانات تخضع لعقوبات غربية.
ويشير الشعار إلى أن جواب الأمم المتحدة عن تساؤلات فريق البحث، كان "أن الأمم المتحدة غير ملزمة بتطبيق العقوبات، باعتبارها أحادية الجانب ولم تفرض عبر الأمم المتحدة".
ودائماً ما يكون في مناطق الحروب مشاريع إعادة تأهيل المناطق المدمرة، وهو ما استفادت منه ميليشيا أسد من خلال الاستحواذ على هذه المشاريع وتحويلها إلى سوق تجارية ضخمة تدر ملايين الدولارات لجيبه الخاص.
وكان تقرير صادر عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) قد تحدّث عن تورط مؤسسات الأمم المتحدة مع ميليشيات أسد ورجال أعمال مدرجين على قوائم العقوبات الغربية، وتقديم عقود مشتريات ومشاريع لنافذين وفي مقدمتهم ماهر أسد ومحمد حمشو.
التعليقات (0)