أهداف كبيرة وعالية أطلقتها إسرائيل قبل بدء حملتها البرية على غزة، من سحق "حماس" إلى إعادة الأسرى...، سقّفت بعضها وتخفّض سقف البعض الآخر مع بدئها الاجتياح البري لغزة، ما يؤشر لمصاعب وتحديات قد تقلب الاجتياح الإسرائيلي إلى مستنقع تغوص فيه قواتها، رغم وحشيتها الظاهرة والمعهودة منها.
حول إمكانية تحقيق إسرائيل لأهداف هذه العملية ونجاحها
مؤخراً، صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، أن المرحلة الثانية من الحرب في قطاع غزة قد تستمر "لأشهر"، وفي مواجهة البنية التحتية الراسخة لحماس، فإن "عملنا لن يكتمل" بعد المناورة البرية الإسرائيلية.
بعد المرحلة الثالثة، المتمثلة باستئصال "جيوب المقاومة"، ستنتقل إسرائيل، حسب غالانت، إلى المرحلة النهائية، الانفصال عن قطاع غزة، التي "ستتطلب إزالة مسؤولية إسرائيل عن الحياة في قطاع غزة، وإقامة واقع أمني جديد لمواطني إسرائيل".
وقد حددت إسرائيل أهدافها الحربية بالقضاء على القوة العسكرية والسياسية لحماس، وتحرير ما لا يقل عن 239 رهينة احتجزتهم الحركة كجزء من عملية "طوفان الأقصى"، حيث خاضت إسرائيل حروباً سابقة مع حماس باءت بالفشل، لناحية وقف الهجمات الصاروخية على إسرائيل. وقد قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن الهدف الرئيسي هو ألا يكون لدى حماس بعد الآن القدرة العسكرية على "تهديد أو قتل المدنيين الإسرائيليين".
الاجتياح البري لم يبدأ بعد
"لا يمكنك ترك حفرة في ظهرك"، هكذا وصف "جون سبنسر" رئيس دراسات حرب المدن في معهد الحرب الحديثة في ويست بوينت، مضيفاً: "لا يمكنك عدم تطهير نفق إذا كان هناك احتمال لوجود رهينة هناك".
يقول جندي سابق في الجيش الأمريكي: "ستواجه القوات الإسرائيلية بيئة حضرية معقدة وخطيرة، تمكّن حماس (المسلحة تسليحاً جيداً والمعدّة جيداً أن تختبئ في الأنفاق)، ونصب الفخاخ، وشن هجمات مفاجئة، ما يرجح دوران أصعب المعارك تحت الأرض، في متاهة تشبه مدينة من الأنفاق، ويحيط الغموض حول تعامل الجيش الإسرائيلي مع التحديات التي تفرضها الأنفاق، والتي تشكل تهديداً معروفاً ليس مستعداً له الجيش الإسرائيلي، و"سيزيد الوقت للقيام بعملية في غزة".
تقول الباحثة في الشؤون الإسرائيلية "سارة شريف" في حديث لـ أورينت نت: "العملية البرية تنتج احتكاكات على الأرض، مما يسبّب خسائر كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي، والسياسة الإسرائيلية طالما استبعدت فكرة العملية البرية وتصنفها كحلّ أخير، طالما حقّقت أهداف معاركها من القصف الجوي أو التوغلات البرية المحدودة، منوهةً لارتفاع الأهداف الإسرائيلية بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر عن الأهداف السابقة، بالإعلان عن إسقاط حماس، وهو هدف غير قابل للتحقيق دون اجتياح بري مقترن بالقصف الجوي الكبير والمكثف، للقضاء على قادة حماس وبنيتها العسكرية.
تضيف: "في الأسبوع الثالث للحرب بدأت إسرائيل بتنفيذ توغلات برية محدودة جداً، على مسافة واحد أو اثنين كيلو متر من القطاع، بدأ توسيعها خلال الأسبوع الفائت، لكنها لم تصل مرحلة الاجتياح. فالاجتياح يتطلب دخول القوات والسيطرة على القطاع لفترة طويلة، وهو ما لم يتم الذهاب إليه حتى الآن، رغم التوغلات الأكبر حجماً لناحية الجنود والمعدات العسكرية، والأطول زمناً لناحية بقاء القوات الإسرائيلية لساعات أطول من السابق، وقرار الاجتياح لم يتم اتخاذه لغاية اليوم في تل أبيب والذي يتلاطم فيها اتجاهين، المستوى العسكري، الراغب بالاجتياح، والمستوى السياسي، الذي يراه خطراً على إسرائيل، ولن يؤدي إلى أي نتيجة، وأن فكرة احتلال القطاع بقيت مستبعدة واردة في السياسة الإسرائيلية خلال السنوات الماضية.
من سيتولى مسؤولية القطاع بعد إسقاط حماس؟
وهو سؤال تطرقت إليه صحيفة الغارديان، معتبرة أن على إسرائيل التفكير في الإجابة عليه، وسط حجم الدمار الهائل إلى حدٍ لا يمكن تخيله، مشيرةً إلى أنه ليس لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ما يمكّنه من إنهاء هذه الحرب، رغم العمليات العسكرية البرية الحالية في غزّة، وأن استمرار إسرائيل في مواجهة التطورات الحالية في غياب خطة واضحة لما تكون عليه الأمور بعد الحرب قد يؤدي إلى نفاد صبر واشنطن.
فراغ السلطة في غزة من شأنه أن يخلق مخاطر جسيمة للغاية، حسب رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في جامعة تل أبيب، مايكل مليشتاين، محذراً من أن خطر حل مشكلة واحدة قد يؤدي لإيجاد عشر مشاكل جديدة.
الحرب امتداد للسياسة بوسائل أخرى
من غير الواضح كيفية القضاء على حماس، والقتال من منزل إلى منزل ومن شارع إلى شارع، بينما تأمل إسرائيل في إعادة الأسرى أحياء، فالأمر صعب للغاية، إن لم يكن مستحيلاً، يضع إسرائيل في وضع معقد، حسب "ميدل إيست آي". كما إن هجوماً برياً واسع النطاق يهدد بزعزعة استقرار حكومتي مصر والأردن، وهذا مصدر قلق كبير لواشنطن، التي تهتم بمصير حلفائها الإستراتيجيين في القاهرة وعمان أكثر من اهتمامها بسكان غزة، مع ترجيح مقتل معظم الأسرى، نتيجة الغزو البري، ما سيشكل صدمة جماعية للإسرائيليين.
هذا بالإضافة إلى أن حرب غزة الحالية ستشكل إلى حدّ ما نوعاً من الصراع الدولي، وهو ما كان غائباً عن الصراعات السابقة في القطاع، وعليه، قد نرى نوعاً من القوات العربية والدولية في غزة، مقبولة لجميع الأطراف بما فيها حماس، كوسيلة للخروج من هذا الصراع. أو قد يكون هناك طريق آخر أكثر شراً بكثير، القتال المطول، ومحاولة طرد جميع الفلسطينيين من غزة، وعشرات الآلاف من القتلى. وقد يؤدي ذلك إلى صراع إقليمي يشمل حتى الأردن ومصر، وربما يخاطر بوجود إسرائيل ذاتها.
إلى جانب خسائر الجيش الإسرائيلي، يشكل المخطوفون تحدياً آخر لإسرائيل وهو الأهم، حسب شريف، وفي حال دخول قوات برية مقرونة بتصعيد الهجمات الجوية، قد يؤدي لمقتل مخطوفين. كما إن العملية البرية ستؤدي لتعطيل مباحثات تحرير الرهائن الدائرة مع كل من قطر ومصر.
لو كان بمقدور الطبقة السياسية الإسرائيلية الوصول إلى صفقة "منصفة" لتحرير الرهائن "لا تفرض عليها تحرير عدد كبير من أسرى حماس والفلسطينيين عموماً"، سيشكل ذلك إنجازاً يُعفيها من العملية البرية التي ستُعطّل الصفقة، إذ إن صفقة تحرير الرهائن والعملية البرية تسيران إلى جانب بعضهما البعض في تل أبيب، مشيرة لوجود تغيّر واضح لدى حكومة إسرائيل في الأيام الأخيرة، بتغليب هدف القضاء على حماس بمعزل عن الأهداف الأخرى، من خلال خطاب نتنياهو مؤخراً عن خوضهم لمعركة يعرفون مسبقاً الثمن الكبير من الضحايا وقبول دفعه، والذي فسره البعض بتوسيع العملية البرية بهدف إسقاط حماس، متقدماً على هدف تحرير المخطوفين. وبرأي شريف، إسقاط حماس قد يؤثر فعلاً على حياة المخطوفين.
إلا أن المحلل العسكري في إذاعة الجيش الإسرائيلي، أمير بار شالوم، يعتقد "أن إسرائيل غير قادرة على تفكيك كل أجزاء حركة حماس، لأنها مبنيّة على فكرة "الإسلام المتطرف"، بحسب زعمه، لكن يمكنها إضعاف الحركة بقدر كاف بحيث لا تستطيع تنفيذ أي عمليات هجومية على الأرض".
يتفق معه في ذلك "ميلشتاين" بالقول: "إنه أمر طموح أن تعتقد بأنه بإمكانك اقتلاع الفكرة التي تجسد حماس، التي هي فرع من جماعة الإخوان المسلمين التي أثرت على الحركات الإسلامية في جميع أنحاء العالم".
كابوس تحت الأرض
فكرة تقدم إسرائيل بسرعة في غزة هي فكرة مضللة، حسب مصدر تركي في ميدل إيست آي، فـ "هذا التقدم يتشكل من تفضيلات الجماعات المسلحة في غزة بدلاً من قدرات إسرائيل وتخطيطها". و"من الواضح أن الجماعات الفلسطينية تفضل الصدام السكني الذي يمكنها فيه استخدام السكان لصالحها، بدلاً من معركة مفتوحة. وبعبارة أخرى، فإن تقدم الجيش الإسرائيلي هو خيار فصائل غزة، وليس خيار إسرائيل. إسرائيل تتجنب حالياً حرب المدن". وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الإسرائيليون يتكبدون خسائر، حسب الموقع.
ووفقاً للبي بي سي، تحيط بالعملية العسكرية عدة عوامل يمكن أن تُخرجها عن مسارها، فكتائب "عز الدين القسام" غالباً ما يكون قد استعدت للغزو الإسرائيلي بإعداد العبوات الناسفة والتخطيط لنصب الكمائن، مع إمكانية استخدام شبكة الأنفاق المعقدة والواسعة لمهاجمة القوات الإسرائيلية، ويشير الموقع، إلى تكبّد المشاة الإسرائيلية خسائر فادحة بسبب الألغام المضادة للدبابات والقناصة والكمائن التي نصبتها حماس، عام 2014.
بدأ الهجوم البري الإسرائيلي على قطاع غزة، رغم كلفته على إسرائيل حسب ما أثبتته الأيام الماضية، لأن الأهداف التي وضعتها قيادتها، العسكرية والسياسية، لا يمكن تحقيقه بالنيران البعيدة من الطيران أو المدفعية، حسب المحلل العسكري والإستراتيجي، العقيد أحمد الحمادة. فبعد فشل تحرك مصحوب بعمليات استطلاع بالقوة النارية من الدبابات والمدرعات، بدأ التحرك الإسرائيلي من عدة محاور، من منطقة بيت حانون، ومن منطقة زِيكيم، ومنطقة جحر الديك، والمناطق الزراعية "الرخوة" القليلة السكان وقليلة الأبنية.
يضيف الحمادة، خلال حديثه لموقع أورينت، سيطرت القوات الإسرائيلية على بعض المواقع الفارغة الرخوة، لكنها اصطدمت وتصطدم بمقاومة عنيفة كل ما اقتربت من الأبنية السكنية والمناطق المحصنة، مع خسائر كبيرة وفادحة في صفوف القوات الإسرائيلية. وحتى الآن لم تستطع القوات الإسرائيلية تحقيق هدفها بمحاصرة غزة، فالمحور الشمالي يصطدم في منطقة تل الهواء ومنطقة مخيم الشاطئ، والمحور الشرقي الجنوبي متعثر بسبب المقاومة العنيفة، وفي الأمس، أعلن أبو عبيدة، الناطق الرسمي لحركة حماس، تكبد القوات الإسرائيلية ما يعادل كتيبة مدرعات وعدداً كبيراً من العناصر، يقدر بـ 30 ما بين ضابط وصف ضابط. وعليه يذهب الحمادة إلى أن إسرائيل تستعيض عن تعثر عمليتها البرية بالقصف الجوي المشدد والإبادة الجماعية في غزة.
تسلب الأنفاق قدرة إسرائيل على الرؤية القصوى، "لأنها لا تستطيع أن تصل إلى هذا الحد في الأرض"، حسب سبنسر، ورغم القصف الشديد لغزة إلا أن هذه الأنفاق من الصعوبة تدميرها. ومع المعارك، تمنح الأنفاق حماس القدرة على شن هجمات مفاجئة على قوات الجيش الإسرائيلي لأن الأنفاق متصلة بنقاط إطلاق الصواريخ. ما يمكّن حماس من استخدام الأنفاق بأسلوب حرب العصابات، الذي يأتي كمفاجأة كاملة والتراجع بسرعة قبل أن يتمكن الإسرائيليون من الرد على النيران بشكل فعال، "يطفو على السطح، يهاجم، يقفز مرة أخرى في الأرض، يعيش للقتال في يوم آخر، ينتقل إلى موقع مختلف، ويضربهم على الجانب الآخر".
كما إن قضية الأنفاق، ليست التحدي الوحيد الذي سيواجه الاجتياح البري لغزة، ففي الجيوب (المرحلة الثالثة حسب غالانت) ستكون المعركة صعبة وسيئة، تتميز بهجمات التسلل والفخاخ وتكتيكات حرب العصابات الأخرى. وهو شيء لا يسعى إليه أي جيش، حسب موقع إنسايدر.
التعليقات (0)