ضمن نطاق أمن الحدود ومكافحة الهجرة غير النظامية، انتهت الحكومة التركية من أعمال بناء الجدران الخرسانية على الحدود الجنوبية مع سوريا، التي تبلغ 911 كيلومتراً.
وخلال عرض قدّمه رئيس قسم التنسيق في المديرية العامة للدفاع والأمن، سيركان بيرجان، في ولاية أنطاليا حول أمن الحدود، الثلاثاء الماضي، قال بيرجان إن بلاده "تتخذ إجراءات عدة لضمان أمن الحدود على مدار الساعة طيلة أيام الأسبوع، وتتمثل هذه الإجراءات بـ 7 ألوية و6 أفواج حدودية ونحو 9 آلاف عنصر تعزيز"، مضيفاً أن "الجدران بنيت على مساحة 837 كيلو متراً من الجزء البري البالغ طوله 911 كيلو متراً من الحدود مع سوريا.
وبالإضافة إلى الجدران الخرسانية، فقد تمّ استخدام سياج الأسلاك الأمنية الشائكة المشدّدة في الأماكن التي تمرّ فيها خطوط الأنهار عبر الحدود، والتي تمتدّ حوالي 74 كيلومتراً في مجرى عفرين ونهر العاصي على الحدود السورية ونهر دجلة في محافظة شرناق التركية قبالة الزاوية الشمالية السورية.
وتابع بيرجان: "في سوريا، بالإضافة إلى الجدار الخرساني والسياج السلكي شديد الحراسة، تم الانتهاء من 317 كيلومتراً من الخنادق المخطط لها والبالغ طولها 657 كيلومترًا".
أسباب بناء الجدار الحدودي
منذ العام 2015 تغيّرت سياسة الحدود المفتوحة التركية، إذ تمّ فرض قيود مشدّدة مع الهاربين من سوريا عبر الحدود، لا سيما بعد اشتداد همجية النظام ضد المدنيين والتي اتخذت شكلاً جديداً مع الدعم من الطيران الروسي، ما أدى إلى تضييق الخناق على السكان، وارتفاع وتيرة الاجتياح والمجازر، بالإضافة إلى اقتراب العمليات العسكرية التي شنّها التحالف الدولي للقضاء على تنظيم داعش من مراكز مدن رئيسية كالرقة ومنبج، وهو ما أدى آنذاك إلى تدفق موجات هائلة من اللاجئين باتجاه الحدود التركية، تفوق كل الموجات منذ بداية أزمة اللاجئين، فضلاً عن المخاوف الأمنية التركية، إذ باتت الحدود الشمالية مقسّمة إلى شمال شرقي خاضع لميليشيات قسد أحد فروع حزب العمال الكردستاني المصنّف تركيًا على لائحة الإرهاب، وشمال غربي يخضع لتحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) المصنّفة على لائحة الإرهاب، وما بينهما مناطق متداخلة النفوذ بين تنظيم داعش الإرهابي والمعارضة السورية، قبل أن تخضع برمتها للمعارضة تحت إدارة تركيا.
ويبدو أن الاتفاق الذي وقّعته تركيا مع الاتحاد الأوروبي آذار/ مارس 2016 هو السبب الآخر لسياسة التشديد التركي على حدودها مع سوريا، والحدّ من تدفق اللاجئين إلى أوروبا، مقابل تعويضات مادية لتركيا تساعدها على تحمّل عبء استقبال اللاجئين.
ومنذ تلك الفترة شرعت الحكومة التركية ببناء الجدار الإسمنتي لتسهيل مراقبة الحدود، فحسب صحيفة ديلي صباح التركية، التي أشارت حينها، أن الجدار سيكون بارتفاع أربعة أمتار وفوقه متر من الأسلاك الشائكة، وستنتشر خلفه أبراج مراقبة يبلغ ارتفاعها ثمانية أمتار، مزوّدة بنظام تكنولوجي متقدم، من أنظمة مراقبة عالية الدقة وكاميرات حرارية ورادارات لعمليات الرصد البري.
يؤكد بيرجان أنه منذ مطلع عام 2023 تمّ منع مرور ما يقرب من 183 ألفاً و207 مهاجرين غير نظاميين، وتم القبض على 10 آلاف و601 منهم، إضافة إلى 563 إرهابياً. مشيراً إلى أن هناك انخفاضاً كبيرًا خاصة في عدد حالات التهريب وتهريب السجائر والأسلحة المحتملة والمواد الإلكترونية والأدوية.
السوريون بين فكّي كماشة
يعدّ الجدار الحدودي التركي مع سوريا ثالث أطول جدار حدودي في العالم، بعد سور الصين العظيم، وجدار الفصل بين المكسيك والولايات المتحدة، وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن الجزم بنجاح سياسة جدران العزل، وأن تكون سببًا شديد الفعالية في وقف الأعمال المسلحة من التنظيمات التي تشكل قلقاً بالنسبة للحكومة التركية أو من علميات تهريب اللاجئين السوريين الهاربين من الموت، لا سيما في ظل استمرار ميليشيا أسد والاحتلال الروسي بشنّ حملات عسكرية عنيفة ضد المدنيين وما يتبع ذلك من موجات نزوح داخلي تقترب أكثر من المناطق الحدودية.
ويعيش السوريون في المناطق الشمالية المحررة بين فكّي كمّاشة، فهم بين عمليات القتل الجماعي التي تتعمدها ميليشيا أسد منذ سنوات، والسياسة التركية الأخيرة في منعهم دخول أراضيها، وقيامها بترحيل المخالفين منهم داخل جغرافيتها، في محاولة منها لكسب الحاضنة التركية الشعبية التي ترى في الوجود السوري على أراضيها استمرارًا لتدهور الوضع المعيشي.
وكان الرئيس التركي "أردوغان"، قد أشار يوليو/ تموز الفائت، إلى أنه "من المهم أن يتمّ منع المهاجرين من دخول تركيا، وأن ينقل من يلقى القبض عليهم إلى ملاجئ أو مخيمات المهاجرين، كما إنه من المهم أيضًا إيقاف الهجرة من منبعها خاصة من شمال سوريا".
في حديثه لأورينت، يرى المحامي السوري والناشط في مناصرة السوريين بتركيا، "غزوان قرنفل"، أن سعي الدولة التركية -من حيث المبدأ- لتسوير حدودها اتقاءً لموجات هجرة أو خوفاً من عمليات إرهابية أو اختراقات أمنية، أو بسبب الوضع الداخلي والاقتصادي حسب حديثها، هو حقٌّ سياديٌّ لها ضمن حدودها السياسية المعترف بها، رغم أن هذا التسوير له أثر سلبي كبير في نفوس السوريين في تجاوز الحدود هربًا من الموت فيما لو اضطروا لذلك.
هل السوريون بحاجة لأسوار تركيا؟
وليست تركيا وحدها من رفع الأسوار فهناك دول كثيرة رفعت أسوارها الإجرائية والقانونية، كألمانيا التي زنّرت حدودها بدوريات لمحاربة الهجرة، وغيرها مَن فرض شروطًا معقدةً للفيزا، ولا ننسى الاتفاق الأوروبي مع تركيا واليونان لمحاربة تدفق اللاجئين غير الشرعي، وهذا كله يؤدي لاستحالة خروج السوريين من المقتلة التي يعيشونها، حسب قرنفل.
ويشير قرنفل، إلى أنه ما لم تطرح مقاربات جدية لحلّ سياسيّ نهائيّ وعاجل، فالمجتمع السوري مقبلٌ على كوارث أكبر مما مرّ عليه بكثير، كما إن الحلّ لا يكمن بسماح تركيا للمدنيين شمال سوريا بمغادرة أوطانهم، لتجنيبهم القتل رغم حرصنا على حياتهم، وحقهم في البحث عن ملجأ آمن، ولكن الموضوع يحتاج لحلّ نهائيّ يوقف هذه الموجات، مستدركاً حديثه، بأن "الحالة العسكرية والسياسية فيما يتعلق بالصراع السوري تعاني من حالة سكون، فالمعارضة عمومًا عاجزة عن تقديم بدائل، ولا أحد يريد تحريك خطوط المواجهة".
ويمكن القول إن الجدار الحدودي سيزيد من التكلفة المالية والبشرية للهجرة مع ارتفاع أسعار المهربين وزيادة عدد الوفيات، لا سيما مع التشديد الحاصل من حرس الحدود التركي (الجندرما). فوفق تقرير نشرته منظمة "هيومن رايتس ووتش"، آذار/ مارس الفائت، أنها حصلت على بيانات غير شاملة من منظمة تراقب الأعمال العدائية في سوريا والتي وثقت 277 حادثة فردية بين أكتوبر/تشرين الأول 2015 وأبريل/نيسان 2023، سجّل المراقبون ما لا يقلّ عن 234 وفاة و231 إصابة، وقعت الغالبيّة العظمى منها بينما كان الضحايا يحاولون عبور الحدود، شملت 26 حادثة أطفالًا.
"الجدار الحدودي بالتأكيد سيمنع موجات هجرة جديدة بنسبة كبيرة جدًا، وسيخفّف تسلّل عناصر إرهابية للداخل التركي، لكن رغم ذلك سنلاحظ استمرار محاولات قطع الجدار مع ما يرافق ذلك من رفع تجّار الدمّ والحروب أسعار التهريب،" يقول قرنفل، مشيراً إلى أن المدنيين سيصلون لمرحلة لن يستطيعون فيها لا دفع القليل ولا الكثير، فحتى الداخلُ لتركيا سواء دفع 100 دولار أو 5000 دولار لن يكون له وضع قانوني في تركيا بعدما أغلقت الأخيرة منذ سنة كلَّ ما يتعلق بقوننة أوضاع السوريين ضمن أراضيها.
التعليقات (0)