يؤشر مشروع الموازنة العامة لسوريا عام 2024، إلى تبني نظام ميليشيا أسد سياسات اقتصادية أشد قسوة عن السنوات الماضية، ومضيه بالاعتماد على التضخم النقدي لتغطية الإنفاق الحكومي، رغم وعوده بتعزيز الاقتصاد وإنعاش قطاع الاستثمار، ما ينذر باستمرار صداع السوريين الذين عانوا طويلاً.
وانخفضت اعتمادات الموازنة التي أعلنت عنها حكومة ميليشيا أسد وفقاً لقيمتها بالدولار الأمريكي، لتكون الأدنى في تاريخ سوريا، في ظل تصاعد معدلات التضخم جراء السياسات الحكومية والانحدار المستمر في قيمة العملة المحلية.
ووافق مجلس وزراء أسد على مقررات المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي، بتحديد الاعتماد الأولي لمشروع الموازنة العام للدولة عام 2024، بمبلغ 35 ألفاً و500 مليار ليرة سورية، الجزء الأكبر منها خصص لصالح النفقات الجارية بـ 26 ألفاً و500 مليار، و9 آلاف مليار ليرة للإنفاق الاستثماري.
الموازنة الأدنى
ورغم تجاوز حجم الموازنة الجديدة أكثر من ضعف موازنة عام 2023، التي بلغت 16 ألفاً و500 مليار ليرة، إلا أن قيمتها انخفضت بنسب تقدّر بنحو 45 في المئة، قياساً بسعر تصريف الدولار الرسمي والموازي، حيث بلغت قيمة موازنة 2023 نحو 5 مليارات و400 مليون دولار وفقاً لسعر الصرف الرسمي الذي كان 3015، بينما تبلغ قيمة موازنة عام 2024، نحو 3,76 مليار دولار بحسب سعر الصرف الرسمي، و2,59 مليار دولار بحسب سعر الصرف في السوق الموازي.
ويرى كثير من الاقتصاديين أن عرض الميزانية الجديدة على أساس قيمتها بالليرة السورية للتضليل على حالة الانهيار التي تشهدها الليرة، ونسب التضخم المرتفعة التي يعيشها الاقتصاد المحلي.
فيما اعتبر اقتصاديون موالون أن زيادة الاعتمادات بهذه النسبة في أي دولة من العالم يعد ضرباً من الخيال. حيث وصلت الزيادة في الموازنة 115 في المئة، بالنسبة إلى قيمتها بالليرة السورية مقارنة بالعام 2023، وهي زيادة مضللة إذا ما قورنت بالمستوى العام للإنفاق والتضخم وأسعار الصرف.
تأمين السيولة
وما تزال الأرقام الحالية للموازنة مشروعاً قد تتغير قبل إقرارها رسمياً من قبل مجلس الشعب، حيث يعتبر اقتصاديون أن الجزء الأهم يتمثل بطريقة تأمين سيولة نقدية لموازنة العام القادم في ظل التضخم والانهيار الاقتصادي وتراجع الواردات النقدية.
لكن الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر، يعتقد أن احتمالات التغيير أو التعديل تعد ضئيلة، فعلى الأغلب أن يتم إقرار الموازنة وفقاً للمشروع المقدم من قبل المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي.
وفيما يتعلق بمصادر تمويل الموازنة، يقول السيد عمر: إنها "غير واضحة، وفي هذا الشأن تعد المصادر ضبابية، وبشكل عام، لا تمتلك حكومة النظام موارد مالية قادرة على التمويل، فالموارد الحالية من ضرائب وتصدير وخدمات حكومية وإنتاج عام تعدُّ في حدودها الدنيا، وهذا ما يدفع باتجاه الاعتقاد بأن التمويل سيعتمد بشكل رئيس على التمويل بالعجز، وهو ما يعد ذا آثار سلبية على مختلف المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، ومن شأنه زيادة معدل التضخم وزيادة الضغط الاقتصادي على السوريين.
وبحسب اقتصاديين سوريين، فإن نظام مليشيا أسد ومنذ عام 2011 وحتى اليوم، يعتمد على سياسة التمويل بالعجز، من خلال طرح كميات إضافية من الأوراق النقدية، لتغطية نحو ثلث الإنفاق الحكومي، وهي الآلية المتوقعة لسد جزء من عجز موازنة عام 2024.
موازنة تقشفية
أما بالنسبة إلى تأثير الموازنة على الواقع الاقتصادي للسوريين، يضيف السيد عمر: "من المتوقع أن يزداد معدل الفقر، وتزداد البطالة وتتراجع القوة الشرائية لليرة السورية، فالمبالغ المرصودة للدعم الاجتماعي وللمحروقات تعد أقل من تلك المرصودة في موازنة عام 2023، وذلك وفقاً للقيمة بالدولار، على الرغم من ارتفاع قيمة الدعم بالليرة السورية، وبالتالي يمكن وصف مشروع الموازنة الحالية بأنها موازنة تقشفية".
ويشير إلى أنه ومنذ عام 2011 وحتى الآن، من الملاحظ أن الموازنة تشهد ارتفاعاً مستمراً في قيمتها بالليرة السورية، وانخفاضاً قياساً بالدولار، وهذا يعني أن الموازنة وبشكل دائم تعد انكماشية، وهو ما يعمق الأزمات الاقتصادية التي تشهدها حكومة نظام أسد، كما تتعمق الأزمة التي يشهدها السوريون من الناحية الاقتصادية.
استثمارات مضللة
وتبين أرقام الموازنة، عجز حكومة أسد عن تحفيز الاقتصاد واستقطاب الاستثمارات، فرغم الزيادة الملحوظة على مخصصات الإنفاق الاستثماري التي ارتفعت إلى 25 في المئة مقارنة بموازنة عام 2023 التي بلغت نحو 18 في المئة، إلا أنها تمثل انخفاضاً في قيمتها قياساً بسعر تصريف الليرة مقابل الدولار التي خسرت أكثر من 300 في المئة خلال أقل من عام.
وعن هذا الموضوع يوضح يحيى السيد عمر أن " المبلغ المرصود للإنفاق الاستثماري والبالغ 9000 مليار ليرة سورية، وهو أكبر من اعتمادات موازنة عام 2023، وذلك بالليرة السورية، بينما في قيمتها بالدولار، فهي أقل، وهذا يعني أن الإنفاق على الاستثمار سيكون في حدوده الدنيا، والرقم الحالي بالكاد يكفي صيانة بعض المرافق الاقتصادية، فالتوسع الاستثماري سيكون شبه معدوم وفقاً للأرقام الحالية".
بدوره يعتقد الخبير الاقتصادي يونس الكريم، أن أرقام الإنفاق الاستثماري أقرب إلى الاعتماد الطارئ لتمويل الاستثمارات السابقة، إذ أن ارتفاعها كان بمقدار تغير سعر صرف الدولار، ما يعني بقائها كنفقات طارئة.
ويشير إلى أن موافقة رئاسة وزراء أسد ما يزال إقراراً أولياً، وقد يطرأ عليها تغيرات كثيرة، خاصة وأن هذه الزيادة على الأرقام يقابلها ارتفاع في سعر صرف الدولار الذي قفز من 3150 ليرة إلى 11155 ليرة لكل دولار بحسب سعر الصرف الرسمي.
ويتفق كثير من الاقتصاديين على أن أرقام مشروع الموازنة تؤكد على استمرار سياسات نظام مليشيا أسد الاقتصادية التي تنذر بمزيد من العجز والتضخم الذي يدفعه إلى طباعة كميات إضافية من الليرة، وهو ما ينعكس على أوضاع السكان الذين ينتظرهم المزيد من التضييق بصرف النظر عن العملة التي يقيسون موازنتهم بها.
التعليقات (3)