الجنايات الدولية ساحة جديدة للصراع.. وخطوات نحو السلام!

الجنايات الدولية ساحة جديدة للصراع.. وخطوات نحو السلام!

في الخامس من شباط 2021 أصدرت الدائرة التمهيدية لمحكمة الجنايات الدولية قرارها التي أعلنت فيه الولاية القضائية لتلك المحكمة على دولة فلسطين التي تشمل (الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية)  باعتبارها طرفاً في ميثاق روما الأساسي المنشىء لتلك المحكمة. 

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد منحت دولة فلسطين -التي أعلن عن قيامها المرحوم ياسر عرفات خلال مؤتمر المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1988- وضع "دولة مراقب غير عضو "ما مهد الطريق لها للانضمام إلى مؤسسات واتفاقيات دولية مختلفة ومنها (ميثاق روما) وهو ما يجعل لتلك المحكمة ولاية قضائية على إقليم الدولة الفلسطينية كما أشرنا آنفاً.  

وعلى الرغم من أن إسرائيل لم توقّع ولم تصادق على ميثاق روما الأساسي المنشىء لمحكمة الجنايات الدولية، وهي بالتالي ليست ملزمة بأحكام هذا الميثاق، لكن ذلك لا يحول دون إمكانية مساءلة قادتها على ما ارتكبوه من الجرائم المدرجة ضمن الاختصاص القضائي للمحكمة بحق الفلسطينيين ضمن أراضي الدولة الفلسطينية كجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم العدوان والإبادة الجماعية، والعديد من الجرائم الأخرى التي تندرج في التصنيف تحت هذه العناوين. 

لقد نصت الفقرة (أ) من المادة 13 من نظام روما على أن للمحكمة أن تمارس اختصاصها إذا أحالت دولة طرف إلى المدعي العام حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من تلك الجرائم قد ارتكبت. 

وكذلك نصت المادة 15 من النظام أن (للمدعي العام أن يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة).  

يستفاد مما سبق التأكيد أولاً على ولاية المحكمة الجنائية الدولية للنظر بالجرائم الداخلة في اختصاصها والمرتكبة على أراضي الدولة الفلسطينية.. وأن لتلك المحكمة ثانياً صلاحية التحرك ممثلة بالمدعي العام لديها لمباشرة التحقيقات اللازمة للتثبت من وقوع جرائم داخلة باختصاص المحكمة على أراضي إقليم الدولة العضو.. ويستفاد ثالثاً أنه في حال لم يقم المدعي العام بذلك من تلقاء نفسه وفق المادة 15 المذكورة أعلاه فإن القيادة الفلسطينية تملك الحق والإمكانية القانونية لإلزام المحكمة باتخاذ الإجراءات المنوطة بها إذا ماأحالت لها السلطات الفلسطينية المختصة ملفاً بحالة أو حالات لجريمة أو أكثر ارتكبت بحق مواطنيها على إقليمها وهذه الحالة أو الحالات تندرج ضمن اختصاص المحكمة وطلبت التحقيق فيها ومحاكمة مرتكبيها. 

إذا فالإمكانية القانونية متوفرة، وتبقى الإمكانية السياسية لفعل ذلك.. وهل تستطيع السلطة الفلسطينية تحمل التبعات السياسية أو الاقتصادية لمثل هذا الاجراء إذا ما لجأت إليه أو اتبعته؟ وهل تملك الزخم والدعم العربي والإسلامي الذي يساعدها على تدعيم قدرتها على خوض هذا الصراع، في ظل انصياع دول وحكومات وكيانات إقليمية ودولية للابتزاز الإسرائيلي والأمريكي للحؤول دون خطوة من هذا النوع(!). 

أعتقد أن خطوة من هذا القبيل يجب بدء العمل عليها وحشد الدعم وكوامن القوة لها ليس فقط لغاية الوصول إلى العدالة فحسب وإنما لكونها واحدة من أدوات الضغط المهمة في إدارة هذا الصراع المديد الذي لاتريد إسرائيل ودول عديدة داعمة لها وضع حل نهائي له –فضلاً عن الالتزام به– يلبي طموحات وحقوق الشعب الفلسطيني ويؤسس لفرصة بناء سلام مستدام في المنطقة والذي يجب العمل عليه بدأب كأحد سياقات ومسارب هذا الصراع ووضع نهايات له. 

هل نقايض العدل بالسلام؟ وهل نساوم على حقوق الضحايا ودمائهم؟؟.. أسئلة سيشهرها بعض من يقرؤون تلك السطور من أصحاب السيوف الصدئة.. وحتى لا يطيلوا انتظار الرد والتفسير أقول نعم (!!!). 

نعم إن أتيح لهذا الشعب المكلوم فرصة بناء سلام يلبي طموحاته ويستجيب لحقوقه المشروعة فنعم يمكن مقايضة هذا السلام بالعدل الذي يسعى إليه لكن ربما لن يتحصل عليه في ظل تلك الموازين العربية والإسلامية المختلة وفي ظل هذا العوار والعهر الدولي العاري.. 

وهل يساوم على دماء وحقوق الضحايا؟.. أيضاً نعم فلطالما كانت تلك الدماء واحدة من أدوات الصراع نفسه، ولطالما أهرقت ضمن هذا الصراع ولغرض تحقيق غايات سياسية في التخلص من الاحتلال وبناء الدولة الوطنية المستقلة وتعزيز فرص السلام المستدام مدخلاً للنماء والرخاء.

فإن تحققت تلك الأهداف والغايات عندها لا يمكن الزعم أننا ساومنا على دماء الضحايا بل عرفنا كيف نستفيد من تضحيات أصحابها ونستثمر تلك التضحيات التي قدمها أصحابها لتحقيق تلك الغايات بدلاً من تركها تضحيات مجانية بلا ثمن لطالما أدمنت الشعوب العربية تقديمها استجابة لطهرانية متخيلة أو مرتجاة تلوثها الكثير من الشعارات الجوفاء والحمق السياسي. 

بطبيعة الحال ليست تلك الورقة وحدها التي قد تسهم بدفع إسرائيل للاستجابة لمتطلبات السلام فثمة دروس وخلاصات سيخرج بها المجتمع الإسرائيلي أو بعضه على الأقل بعد الحرب الأخيرة وأهمها أن أمن الدولة الصهيونية وأمان شعبها لا يتحقق بالاستمرار بهضم حقوق الآخرين ولا بالقوة العارية التي لن تثني الفلسطينيين عن الاستمرار في مختلف أشكال المواجهة بما فيها المواجهة العسكرية لتحرير أرضهم وبناء دولتهم الحرة، وأن نظرية الدولة الصهيونية الآمنة قد سقطت تماماً وهذا ما سيدفع الكثيرين لإجراء مراجعات أيديولوجية وسياسية في العمق بهذا الشأن. 

وثمة الكثير أيضاً مما يجب الاشتغال عليه على المستويين الداخليين الفلسطيني والآخر الإسرائيلي، وكذلك على الصعيدين الإقليمي والدولي.. فتعزيز الروابط والعلاقات مع الجهات والحركات الإسرائيلية الرافضة للاحتلال والداعية للسلام وتشجيعها برسالة السلام على إعلاء صوتها، وتشجيع تأسيس روابط ومنظمات مشابهة على الطرف الفلسطيني من الخطوات المهمة في هذا المجال والتي تساعد في خلق نطاق للحوار الرصين والهادىء بعيداً عن قعقعة السلاح والشعارات، وتسهم إلى حد بعيد في عزل وتعرية المتطرفين على الجانبين.. كما إن توسيع نطاق التواصل مع المحيطين العربي والإسلامي والغربي أيضاً وحشد الدعم لخطاب جدي وواضح من أجل سلام تاريخي من الممكنات التي تسهم في خلق بيئة أفضل لصناعة شكل أكثر توازناً للسلام في المنطقة من تلك الجائحة التي اعترت المنطقة بالهرولة نحو تطبيع مجاني مع كيان ما يزال يمانع الفلسطينيين ويحول دون تحصلهم على حقوقهم التي تحظى باعتراف أممي، والأهم أنه يسحب من أولئك المتاجرين بالفلسطينيين ودمائهم وحقوقهم والذين تعيّشوا عقوداً طويلة من خلال الاستثمار بها، ورقة المساومات والمقايضات عليها. 

آن للفلسطينيين أن تكون لهم أرض ميعادهم بعد أن شردهم صهاينة العرب والفرس أكثر مما شردهم الصهاينة أنفسهم.. وآن لهم أن ينعموا بدولتهم وقدسهم وسلامهم.. نعم هو هدف دونه صعوبات ومصاعب كثيرة لكنه يستحق، ولابد من الاشتغال عليه. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات