أماطت معركة "طوفان الأقصى" التي شنّتها الفصائل الفلسطينية بقيادة حركة حماس، اللثام عن تطور الأدوات الهجومية والدفاعية والتكتيكات العسكرية للحركة بما تحوي من عنصر المفاجأة، سواء في المجال الجوي أو البري أو البحري.
ومنذ الأيام الأولى للعملية سارعت إسرائيل للتلويح بغزو برّي تجاه القطاع، قوبل برفض قادة عسكريين حاليين وسابقين، متذرّعين بأن الغزو ما زال مبكراً وأنه يحتاج لتطهير جوي أكبر، وتحويل غزة لرماد ثم الهجوم، فضلاً عن عدم وجود استعدادات من وحدات الجيش، وغياب أهداف إسرائيلية بعينها، وما ستؤول إليه العملية من نتائج.
رفضُ القادة تبعه رغبة أمريكية بتأجيل الاجتياح البري، لا سيما في ظل تنفيذ خلية من حماس عملية تسلل عبر نفق بحري إلى موقع زيكيم، وهو ما وضع احتمالات امتلاك حماس مفاتيح مفاجئة وخيارات صمود أوسع.
وتؤكد إسرائيل أن الاجتياح البرّي قادم لا محالة دون أن تحدد موعده، إذ قال رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو": إنه لن يتطرق إلى موعد توقيت العملية البرية ضد حماس، وهي حاصلة لا محالة، بانتظار الظروف السانحة لضمان سلامة جنوده، كما سيتم التوصل لموعد العملية البرية في غزة عبر كلمة واحدة في مجلس وزراء الحرب.
الاستفادة من حرب الموصل والرقة
وكان نتنياهو قد طلب مؤخرًا من سكان شمال قطاع غزة الخروج إلى الجنوب، داعياً العالم لدعم إسرائيل في معركتها، في حين كان قد سبق ذلك مطالب أمريكية بتأجيل العملية البرّية في غزة حتى حماية القوات الأمريكية في المنطقة، تبعها تقديم القادة العسكريين الأمريكيين نصائح للاستفادة من دروس معركة الفلوجة عام 2004.
وبحسب شبكة "سي إن إن" فإن مسؤولين عسكريين أمريكيين يحاولون ثني إسرائيل عن التورّط في قتال دموي من منزل إلى منزل في غزة، من ذلك النوع الذي شاركت فيه الولايات المتحدة خلال حرب العراق.
كما يعتمد المستشارون الأمريكيون على الإستراتيجيات التي تم تطويرها خلال المعركة التي شنتها قوات التحالف لاستعادة مدينة الموصل من تنظيم "داعش"، والتي اعتمدت بشكل أكبر على قوات العمليات الخاصة، حيث كان القتال من أجل استعادة المدينة أصعب وأطول ممّا كان متوقعاً.
من جهتها أشارت وكالة "أسوشيتد برس" أن القادة العسكريين الأمريكيين الكبار يتحدثون إلى نظرائهم الإسرائيليين بشكل يومي تقريباً، ويتبادلون النصائح حول تحديات حرب المدن التي خاضوها في قتالهم ضد تنظيم داعش في الموصل بالعراق والرقة بسوريا، وتهديدات الأفخاخ المتفجرة والقنابل المزروعة على الطرق.
وتتصاعد وتيرة المخاوف الإسرائيلية من تحوّل ساحة غزة الميدانية إلى مستنقع للجيش الإسرائيلي، ولا سيما أن الطبيعة الجغرافية وحرب الشوارع هو ما تتميز به حماس، عكس وحدات إسرائيل القتالية، وقد ظهر ذلك جلياً أمام محاولات تسلّل دورية إسرائيلية قبل أيام في خان يونس وما نتج عنها من إصابة مجند واستهداف مدرّعة.
وفي تصريحات لوزير من حزب "الليكود" يواف كيش، قال فيها: "لا داعي للإسراع في بدء المناورة البرية داخل غزة.. علينا الاستمرار في دكّ القطاع من الجو وهناك دعم دولي لإسرائيل".
بالمقابل قالت هيئة البث الإسرائيلية في تقرير لها إن جنود وحدات خاصة في الجيش يتدربون منذ أيام على كيفية اقتحام الأنفاق، استعداداً للعملية البرية في غزة والتي تتضمن مواجهات ومطاردة لعناصر حماس فيما يعرف بتسمية "المترو" وهي شبكة أنفاق تحت الأرض في المدينة والمتوقع أن تدور فيها أشرس المواجهات".
وتتوقّع الفصائل الفلسطينية أن تستخدم إسرائيل أسلحة كيماوية وغاز أعصاب بإشراف من قوات خاصة أمريكية، بحسب تقرير نشره موقع "ميدل إيست آي" الذي نسب إلى مصادر خاصة من المقاومة بأنها تلقت تسريبات وردت من الولايات المتحدة، تفيد برغبة إسرائيل وواشنطن بتحقيق عنصر المفاجأة.
وأضاف أن ذلك سيتم من خلال استخدام غاز الأعصاب في الأنفاق التي تحتجز فيها الفصائل الفلسطينية الأسرى الإسرائليين، إذ سيتم شلّ حركة القاطنين بالأنفاق لمدة تتراوح بين 6 إلى 12 ساعة، ومن ثم استعادة الأسرى الإسرائيليين وقتل عناصر الفصائل الفلسطينية.
حروب الأنفاق.. "جوبر قرب دمشق" مثالاً
وداخل شبكة طويلة من الأنفاق والغرف تحت الأرض في جوبر قرب العاصمة دمشق، كانت تتمركز قوات المعارضة السورية لسنوات قبل انسحابها منها آذار/ مارس 2018.
إذ شكّلت هذه الأنفاق مصدّاً منع ميليشيا أسد من التقدم في جوبر، وكبّدها خسائر فادحة في العناصر والعتاد، وذلك من خلال تجهيز كمائن واستدراج ميليشيا أسد إليها، ثم إحداث تفجير ضمن أماكن تجمع العناصر.
وقد أحدثت هذه الشبكة المعقدة فارقاً كبيراً في نوعية العمليات كونها تتضمن عدداً من فتحات الدخول والخروج المخفية في مكان غير متوقع كمنزل مهجور أو كنيسة أو مسجد، ما جعل الحرب ضمنها أشبه بالدخول إلى جحيم، إلا أن استخدام الميليشيا الغازات السامة عدة مرات داخل الأنفاق ساهم بشكل كبير في تراجع القوات المعارضة وخسارتها الكثير من أنفاقها.
وفي غزة التي يبدو أنها متجهة لحرب أفخاخ واسعة النطاق وقتال شوارع دموي، ولا سيما في ظل وجود 200 رهينة في حوزة حماس قد تتعرض لخطر، إضافة لوجود مدنيين عالقين دون أي مخرج، فإن الأنفاق داخلها هي لعبة حماس التي تجيدها، لأنها تستخدمها بشكل منتظم، وخاصة أنها مجهّزة بشكل أكبر لوجود مقاتلي حماس فيها والتمركز لأوقات طويلة.
ما يعني أن حماس لن تتهاون في ضرب القوات الإسرائيلية المقتحمة، ولاسيما أنها تتحصن ضمن هياكل خرسانية توفر لها نقاط قوة دفاعية آنية، فضلاً عن توزعها العنكبوتي في أبنية سكنية وركام، وهو ما يمكن معاينته خلال محاولة اجتياح إسرائيل للقطاع في العام 2014.
إذ استطاعت حماس تنفيذ عدة تكتيكات في ساحة المعركة بدقة عبر نشر العبوات الناسفة والألغام ضد دروع، وتحويل بعض المناطق المدنيّة لمناطق دفاعية، وجرّ الوحدات الإسرائيلية إلى كمائن معدة مسبقاً.
ووفق تقرير لموقع "بي بي سي"، فإن إسرائيل تعتقد أن حماس لديها ما لا يقل عن عشرين ألف جندي، مدرّبين على استخدام البنادق الآلية والقذائف الصاروخية والصواريخ المضادة للدبابات، كما إن جماعات أخرى مثل حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية وفصائل إسلامية أصغر، يمكن أن تعزّز من عدد هؤلاء الجنود.
الاستفادة من تجارب السوريين
ويُعدّ الغزيون مهندسي إنشاء الأنفاق في الشرق الأوسط، والأبرع في هذا المجال الذي اكتسبوا فيه الكثير من الخبرات وساعدوا على تعليم هذه المهارة وتقديمها للثوار بسوريا وفق ما يقول العقيد السوري المنشق "مالك الكردي".
وأضاف "الكردي" في تصريح لأورينت، أن تلك الأنفاق ربطت الكثير من الأحياء ببعضها حين كانت ميليشيا أسد تفصل بينها محاولة قطع كل أسباب الحياة عنها، ولعل أبرزها ما كان في جوبر والقابون بالقرب من دمشق، إذ سمحت بوصول مقاتلي المعارضة إلى نقاط عميقة تحت أرض مواقع الميليشيات.
وأشار الكردي بأن التجربة العملية أكسبت الغزيين خبرات في حفر وإنشاء الأنفاق عبر عقدين من الزمن جعلتهم الأقدر في هذا العمل وتطويره، إذ إنهم بهذه التقنية استطاعوا بناء المشافي الميدانية والعديد من أعشاش الذخيرة وغرف الإعاشة المتباعدة،
وأشار إلى أنهم لا شك استفادوا كثيراً من بعض الأخطاء التي وقع بها الثوار السوريون كالتفجير الذي حدث في "رام حمدان" وأودى بكوادر أحرار الشام، نتيجة وضع الذخائر بجوار قاعات التدريب والاجتماع دون منافذ احتياطية تسمح بتجدد الهواء ونفث الغازات، أو تلك المنافذ التي تسمح بالحركة باتجاهات مختلفة.
ولعل الأنفاق المتواصلة دون أبواب فصل محكمة لمنع تسرّب هجمات الغاز، كانت إحدى السلبيات التي حدثت في الغوطة، فهي أيضاً من الدروس المستفادة للغزيين التي يُفترض بهم ألا يتغافلوا عنها بحسب الكردي، معللاً السبب بأن الغزيين يعرفون تماماً أن الإسرائيليين متقنون لدروسهم من تجارب الأسد في قمع الشعوب التوّاقة للحرية، وأنه من المحتمل جداً أن يستخدموا الغازات السامة.
التعليقات (4)