تشهد مناطق سورية عدة تحركات متصاعدة للميليشيات التابعة لإيران، تتمثّل بتغيير مواقع ونقل سلاح وذخيرة من مكان لآخر. تحركاتٌ زادت مع عملية "طوفان الأقصى" في غزة، إذ تشير المعلومات المتقاطعة إلى إرسال إيران تعزيزات نحو الجنوب السوري (درعا والقنيطرة)، تمثّلت بوصول قوات من فرقة "الإمام الحسين" المعروف بحزب الله السوري إلى قاعدة عسكرية في درعا البلد، وإلى مقر اللواء 82 دفاع جوي في الشيخ مسكين بريف درعا، إضافة لوصول عدد من مقاتلي "قوات الرضوان النخبوية" التابعة لحزب الله والمختصة في عمليات التسلل باتجاه إسرائيل إلى معسكر طلائع البعث ببلدة الفوار في ريف القنيطرة، إلى جانب دفعات من لواء القدس الفلسطيني ولواء أبو الفضل العباس.
ونقل موقع "صوت العاصمة" (المهتم برصد أخبار العاصمة دمشق وريفها) عن مصادر أمنية، عن انتشار وحدات خاصة تابعة لميليشيا حزب الله اللبناني على خط الحدود جنوب سوريا مع الأراضي السورية التي تحتلها إسرائيل، إلى جانب وصول الضابط في الحرس الثوري الإيراني الحاج محمد أسد الله، مع مجموعات من الحرس الثوري، من بلدة السيدة زينب جنوب دمشق إلى محافظة القنيطرة، مشيراً إلى أن أسد الله أشرف مع مجموعته على نقل طائرات مسيرة من مقرات تابعة للحرس الثوري في محافظة درعا، إلى مواقع عسكرية قريبة من هضبة الجولان والأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي الوقت الذي توحي فيه هذه التحركات والتهديدات الإيرانية بأنها تنوي جدياً التدخّل لمساندة حماس، خففت طهران من حدة خطابها وتهديداتها "المستهلكة"، مؤكدة على لسان وزير خارجيتها "أمير عبد اللهيان" أنها تدعم حماس سياسياً وإعلامياً، وأنها ليست بوارد توسيع الحرب، فلماذا إذاً كل هذه الحشود وما هو المتوقع من إيران أن تفعله على حدود الجولان المحتل وجنوب دمشق؟، خاصة أن إسرائيل تقصف أماكن وجودهم هناك قبل الحرب على غزة وبعدها، ولم يحدث أن فعلت إيران عبر ميليشياتها أي رد حقيقي، فضلاً عن صمت نظام الأسد عن كل ذلك، وكأن الأراضي المقصوفة والمواقع ليست لميليشياته في الأصل.
أهمية الجولان السوري
يمثّل الجنوب السوري أهمية استراتيجية بالنسبة لإيران، من منطلقات ثلاث: القرب من العاصمة دمشق، والأهمية العقائدية، والقرب من مرتفعات الجولان القابع تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، إذ تمتلك إيران في الجنوب مواقع عسكرية مهمة متوزعة في درعا بـ 44 موقعاً، و33 بالقنيطرة و15 في السويداء، بالمقابل فإن الجولان يمثّل موقعاً دفاعياً مهماً في الجليل الأعلى بالنسبة لإسرائيل.
خلال الأيام الفائتة لوحظ تبادل قصف متفاوت بين الميليشيات التابعة لإيران والاحتلال الإسرائيلي بالقرب من مرتفعات الجولان وريف القنيطرة الجنوبي وريف درعا، لم يتعد هذا القصف عن كونه محاولة استفزازية من كلا الطرفين ورسائل محدودة، دون أن يرتقِ لتطورات مواجهة مباشرة أو تصعيد أشمل، رغم تأكيد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لقناة "إن بي سي نيوز" 22 تشرين الأول/ أكتوبر، أن "الولايات المتحدة تتوقع تصعيد التوترات ضد قواتها، من قبل القوات التابعة للنظام الإيراني".
وقال الباحث في الشؤون الإيرانية "مصطفى النعيمي" في حديث لـ أورينت نت، إن "الجولان بالنسبة لمشروع إيران هو أهم النقاط العسكرية المتقدمة، وتعتبر المصدّ الأبرز له في المنطقة العربية، لأن طهران تستثمر جهود الميليشيات الولائية متعددة الجنسيات وعلى رأسها فيلق القدس الإيراني من أجل رفع أو خفض التصعيد على الجبهات بناء على التفاهمات والحاجة الإيرانية لتلك التفاهمات، فعندما يكون هنالك تعثر في الملفات التفاوضية سواء كان من خلال ملف النووي أو حتى البالستي وصولاً إلى المسيّرات يتم التصعيد المتدرج في هذه الجبهة باتجاه الجانب الإسرائيلي".
وأضاف: "استثمار طهران هذه الزاوية يمنحها أهمية استراتيجية كبيرة بحيث أنها تتشبث بها كثيراً، فرغم وجود اتفاقية مدراء الأمن القومي الثلاثة التي أبرمت إبان التسوية القسرية في المنطقة الجنوبية من سوريا في عام 2018 والتي نصّت على إبعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود السورية الإسرائيلية والسورية الأردنية بعمق 50 كم، إلا أنها لم تنفذ نتيجة غياب الرادع الحقيقي تجاه هذا التموضع".
وتابع: "أدى ذلك إلى مزيد من التموضع في المنطقة الجنوبية وبأعلام النظام السوري لتجنيبهم الضربات الإسرائيلية وأصبحت النقاط العسكرية مشتركة ما بين كل من ميليشيا إيران وحزب الله اللبناني إضافة إلى بعض الضباط من ميليشيا أسد".
من جهته اعتبر الباحث في مركز "عمران للدراسات" نادر الخليل في حديثه لـ أورينت نت، أن إيران تعيد تموضع ميليشيات ومقاتلين مدعومين منها، ليكونوا جاهزين للتحرك على تخوم الجولان المحتل، في حال قررت طهران استخدام هذه الجبهة للضغط على إسرائيل، مستبعداً في الوقت نفسه مشاركة إيران بحرب مباشرة ضد إسرائيل، نظراً لسعيها لتحقيق مكاسب تضمن استمرار مشروعها في المنطقة.
من وحدة الساحات إلى وحدة المقاومة الفلسطينية
بدوره، يقول الدكتور نبيل العتوم المتخصص بالشأن الإيران، إنه من المؤكد أن طهران لن تتدخل بشكل مباشر في الحرب، وستعتمد على الولاء، فكلام وزير خارجيتها ومندوبها في الأمم المتحدة واضح في هذا الشأن، لكنها ستعتمد على الوكلاء.
وعزز العتوم ما ذهب إليه من خلال الاتصال الذي جرى بين رئيس إيران إبراهيم رئيسي، ورئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية، حيث لم يتحدث رئيسي عن وحدة الساحات التي سبق وأن أطلقوها ودندنوا بها، بل شدد على ما أسماه وحدة المقاومة الفلسطينية فقط، وهو ما يعني رسالة واضحة أيضاً للنأي حتى بحزب الله اللبناني عن الحرب، إلا من خلال مناوشات بسيطة وقذائف معظمها عشوائي على مناطق محتلة ومزارع شبعا أي ضمن ما يتيح وتسمح به القرارات الدولية وضمن أسطوانة وجود أرض لبنانية محتلة.
وفي سبيل ذلك، أعطت إيران هامشاً لحماس وللجهاد الإسلامي وبعض الفصائل الفلسطينية المسلحة أن ينفذوا من خلال جبهة الجولان حتى يشغلوا إسرائيل ضمن قواعد محددة، بمعنى - والكلام للعتوم- ألا تكون العمليات نوعية وألا يكون هناك سلاح يصل لعمق إسرائيل.
أما عن هدف إيران من وراء كل هذه التحركات والتصريحات، فيستشهد العتوم بمقال من إحدى الجرائد الإيرانية، وتقول فيه إنه على طهران استغلال أزمة غزة لإحداث انفتاح مع الاتحاد الأوروبي بما يخدم الملف النووي الإيراني ومطالب إيران واحتياجاتها الاقتصادية.
ويتفق الخليل مع العتوم بأن إيران لن تتدخل وسيقتصر الأمر على الوكلاء، فهي لن تغامر بمشروعها الأكبر من أجل حماس وغزة اللتين هما جزء منه، مستشهداً على كلامه بظهور ما أطلق عليها اسم المقاومة الإسلامية في العراق، وتبنّيها هجوماً بطائرات مسيّرة على قاعدتي التنف والركبان، وبالجنوب اللبناني كان هناك قتلى لما يعرف بالسرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، ويوجد أيضاً تشكيل "قوات الفجر" التابع للجماعة الإسلامية (الفرع اللبناني) لتنظيم الإخوان المسلمين الناشط بالجنوب اللبناني، وكل أولئك وكلاء.
ميليشيا أسد تنأى بنفسها
منعت ميليشيا أسد مؤخراً الفصائل الفلسطينية الموجودة على الأراضي السورية من تنظيم أي مظاهرات قرب الجولان، وسط تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة، إذ نقلت "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا" عن مصادر مطلعة في حزب البعث: "أن تعليمات النظام جاءت بناء على تقديرات أمنية وسياسية تشير إلى أن أي خطوة من هذا القبيل قد تثير غضب الجانب الإسرائيلي والأمريكي، وتعرض سوريا لخطر التدخل العسكري من قبلهما".
كما أن المصادر أشارت إلى أن النظام يحاول تجنب أي مواجهة مباشرة مع إسرائيل في هذه المرحلة، خصوصاً بعد أن هدّدت إسرائيل بقصف دمشق وإسقاط النظام، في حال سمح النظام بتحركات قرب الجولان.
ويبدو واضحاً أن ميليشيا أسد تحاول الابتعاد عن الانخراط في مواجهة إسرائيل والاكتفاء بمراقبة الوضع على الأرض، فيما تسير إيران على أشبه بخيط رفيع في تعاملها، فإمّا التدخل ومواجهة الردّ الأمريكي، أو الامتناع وما يعقبه من سيناريوهات لن تكون في صالح المشروع الإيراني مستقبلاً، أولُها خسارة قاعدة قوة أسّستها طهران في غزة عبر "حماس" وجماعة "الجهاد" على مدى ثلاثة عقود.
ووفقاً لـ النعيمي، فإن نظام أسد غير معنيّ بكامل التصعيد الحاصل في غزة، رغم أنه يواصل عبر أقنيته بأنه ماض في عملية دعم المقاومة والممانعة في الجنوب السوري، لكن هذا الدعم منضبط التصعيد بحيث يبقى ضمن نطاق سيطرة النظام وأن لا يتفلت منه نظراً للتداعيات التي ستحصل في حال إقدام بعض المكونات الميليشاوية على الصدام المباشر مع القوات الإسرائيلية على الحدود مع الجولان المحتل تنفيذاً للتوجيهات الإيرانية.
ولا يبدو أن النظام سيقدم للميليشيات أي دعم يذكر في حال انخراط إيران في الحرب، وقد علّل "النعيمي" ذلك بأن النظام فهم رسائل التحذير المتعددة عبر لسان المسؤولين الإسرائيليين والتي نصّت صراحة على أنه في حال تقديم أي دعم لوجستي من قبل النظام للميليشيات في سوريا أو لبنان فإنه سيكون الهدف القادم للجانب الإسرائيلي، والذي ربما يقود إلى إسقاطه، الأمر نفسه الذي يراه "الخليل"، والذي اعتبر أن النظام ليس لديه الرغبة أو القدرة على التصعيد من جبهة الجولان، وهو الذي كان وما يزال يتلقى الضربات الإسرائيلية لمواقع عسكرية تابعة له ولميليشيات ايران.
التعليقات (4)