دائرة الشيطان

دائرة الشيطان

بعد تنامي الغضب وارتفاع أصوات الاحتجاج الخافتة في اللاذقية ضد العصابة الحاكمة، وانفضاض من كان قبل عام يرى في بشار الأسد رئيسا وحاميا ويظهر دعمه له قولا و"دبكة" !! تبدل الحال وما من حال إلا تبدل.

وظهر ذلك في آخر زيارة لبشار الأسد إلى طرطوس، إذ إن خمسين شخصاً فقط من كانوا في استقباله، معظمهم عناصر أمن ومخابرات طبعا. وهذه سابقة خطيرة غير مسبوقة في المحافظة، وهي مؤشر فاقع الوضوح لانهيار شعبية النظام.

وزيارة بشار إلى طرطوس محاولة من النظام لترميم شعبيته التي انهارات فوصلت إلى أدنى درجاتها بعد انتفاضة السويداء التي يقف النظام عاجزا عن أي فعل تجاهها... لا شك أن الدوائر العليا في النظام أجهدت فكرها للخروج من هذا الوضع، وبحثت عن فعل ما تعيد بواسطته شعبية العصابة من جديد ويكون مدخلا لتحجيم حراك السويداء.

هذه الدوائر ما زالت منذ شهرين تنشر أخبارا كاذبة عن عمليات إرهابية ستضرب مناطق في الساحل، لكن نشطاء الساحل والسويداء كانوا لها بالمرصاد إذ فضحوا هذه الدعاية الرخيصة، الأمر الذي أسقط في يد النظام.

في الخامس من تشرين أول الجاري يتفتق عقل العصابة عن حلٍّ دامٍ، إذ يعمد إلى ارتكاب عمل إجرامي نوعي خارج الساحل بعد تحذير نشطاء من مخطط لارتكاب عمليات إجرامية في الساحل ينفذها النظام هناك ويتهم بها داعش أو المعارضة السورية.

وضربت العصابة ضربتها الكبرى في عملية ( الكلية الحربية في حمص) الإرهابية، لكن المستهدف فيها الأهالي الغاضبون من حوله من أهالي الساحل.. الأمر الذي أمل منه النظام إعادة عقارب الموقف السياسي والاصطفافات إلى مؤشرات بدائية جوهرها مبني على الخوف من الآخر، أو إلى اصطفاف طائفي مبني على عصبية جهوية أو مذهبية دينية، تنصر النظام أو المعارضة بفعل قوة العصب المذهبي أو العصب الوجودي، (عصبية النحن ونفي الآخر).

وردا على تفجير الكلية الحربية في حمص والذي راح ضحيته ما يقرب من أربعين شخصا سارع النظام والروس إلى قصف المدنيين في إدلب وريفها بعد مضي بضع ساعات على تفجير الكلية وقبل "معرفة" من قام بالقصف... وردا على قصف قوات النظام والروس لإدلب قامت قوات المعارضة بقصف ريف القرداحة الذي يبعد عنها أكثر من خمسين كيلو مترا في وقت لم تردّ هذه القوات على مواقع جيش النظام وحلفائه التي كانت تقصف إدلب، رغم أن مواقعه مع حلفائه لا تبعد عن مواقع قوات المعارضة أكثر من خمسة كيلو مترا... وهو ما دفع بعض أهالي إدلب لتوجيه رسائل مصورة على اليوتيوب يتهمون فيها الجولاني بالتخاذل عن مواجهة النظام والتفرغ لحرب المعابر بين أخوة السلاح لتقاسم غنائمها الجمركية.

والسؤال لماذا تقصف تلك القوات أو المجموعات ( ظهر فيديو لإعلاميين يرتديان سترة كتب عليها صحافة) مناطق مدنية لم يخرج منها القصف في وقت ترفض الرد على المواقع العسكرية التي يخرج منها القصف؟

إثر عملية حمص وقصف إدلب والرد في ريف اللاذقية تراجعت نغمة الاحتجاج في الساحل إذ ترافق ذلك بحملة إعلامية منظمة عبر صفحات فيسبوك مخابراتية تداولت أخبار قصف المعارضة لريف القرداحة، فارتفعت موجة الخوف من جديد... وكما هو متوقع ليسود الصمت المطبق ويتناسى الجائعون جوعهم وقهرهم أمام خطر يهدد وجودهم... وخطورة هذه الحملة الدعائية الفيسبوكية تأتي من العدد الضخم لمتابعي تلك الصفحات فبعضها يبلغ تعداد متابعيه مئة ألف وبعض البوستات ربما يتفاعل معها عشرون ألف متابع.

وبذلك تكتمل الدائرة دائرة الشيطان التي طالما أحسن النظام رسمها بدقة باهرة كلما حشر في الزاوية.. لكن المؤسف أن تغفل المعارضة العسكرية وإعلامها طوال هذه السنوات عنها، فتعود في كل مرة لتقع في ذات الحفرة .. والسؤال للمعارضة العسكرية في إدلب وللإعلام الحربي التابع لها:

ترى ما هو المغزى العسكري من قصف مناطق مدنية في ريف اللاذقية دوناً عن المواقع العسكرية للنظام المعتدي؟ ما هي الرسالة السياسية؟ إن لم تكن تتطابق مع الهدف السياسي للنظام؟ وهل يعقل أن النظام هو من من يتحكم في تفكير المعارضة ويدفعها لخيارات تخدم سياسته العامة أو تحقق أهدافه السياسية؟ 

الإجابة على هذه الأسئلة ستبقى معلقة ريثما يتضح رد فعل المعارضة في جولة ثانية نتمنى أن تكون الأخيرة في لعبة الشيطان هذه.

التعليقات (1)

    زاهر

    ·منذ سنة شهر
    مقال ذكي يفضح النظام
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات