سوريو الشمال بمواجهة إجرام الأسد.. تكافل تجلى بـ4 مظاهر

سوريو الشمال بمواجهة إجرام الأسد.. تكافل تجلى بـ4 مظاهر

في ظل حملة القصف الشرسة التي يشنها النظام السوري والميليشيات المتحالفة معه على المدنيين في شمال غرب سوريا، منذ الخامس من شهر تشرين الأول/أكتوبر الجاري، وما نتج عنها من موجات نزوح هائلة لم تشهدها المنطقة منذ أكثر من ثلاث سنوات، ورغم تفاقم المعاناة التي يعيشها الأهالي في إدلب، ولاسيما أن غالبيتهم من ذوي الدخل المحدود، إلا أن مظاهر التكافل الاجتماعي وخاصة "الإيثار" بين الأهالي بدت واضحة عليهم متجلية بأبهى صورة لها.

فعلى الرغم من المأساة التي خلفتها الحرب على السوريين جراء إجرام الأسد منذ أكثر من 12 عاماً، لكنها ساهمت بشكل كبير في تقريب وتكاتف الناس والأهالي بين بعضهم البعض نتيجة توحد المأساة والألم، إذ تتجلى أبرز تلك المواقف بأن يُقدّم السكان الأصليون في بلداتهم يد العون للنازحين، ثم يتحولون جميعهم إلى نازحين ويجدون من يساعدهم في بلدات مجاورة، ما أعطى صورة لا يوجد أجمل منها ولا أحلى عن "التكافل الاجتماعي" الذي نما عبر السنوات وبات يساعدهم في مجابهة ما يرتكبه نظام الأسد ويُخفف من آلامهم.

ولم يغب عن الناس في إدلب قول الرسول الكريم "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، حيث مثّل لهم أفضل تعبير للتكاتف الاجتماعي بين الأهالي.

المنازل والنقل بالمجان

ووفق ما رواه الناشط الإعلامي "جميل عفان" لـ"أورينت نت" فإن عائلات كثيرة من بلدات "الجينة، أبين، وباتبو" بريف حلب الغربي، عرضوا على جميع غرف التواصل الاجتماعي ومنها منصة "واتساب" استقبال جميع النازحين والمتضررين في مناطق "الأتارب، الأبزمو، القصر، وكفر عمة" في منازلهم، كما قدّم البعض منازل دون ثمن، وبعض العائلات استقبلت نازحين من القصف في منازلهم التي لا تملك غيرها يشاركونهم فيها الطعام والشراب.

ويؤكد "عفان" أن القصف العنيف الذي تركّز مطلع الأسبوع الماضي براجمات الصواريخ والمدفعية من قبل ميليشيا أسد على ريف حلب الغربي، جعل حركة السير مشلولة تماماً، إلّا أن الكثير من الأهالي في القرى الآمنة نسبياً تحدّوا حقيقة هذه الحملة، وتوجهوا بسياراتهم نحو المناطق الساخنة وباتوا يبحثون عن عائلات نازحة بحاجة للنقل من مكانها لإخراجهم، أو إسعافهم حال تعرضهم لأي قصف.

واستشهد "عفان" بقصة عائلة في مدينة الأتارب ناشدت عبر إحدى غرف التواصل الاجتماعي لإخراجها من المدينة، ليتم بعد ذلك نقلها بسيارة إلى أحد المنازل، بعد أن هرب أفرادها من منزلهم مشياً على الأقدام وتوجهوا إلى الأطراف الغربية للمدينة.

واعتبر "عفان" في حديثه لـ"أورينت نت" أن هذه الحادثة تُثبت بأن السوريين لا يزالون إلى اليوم يؤكدون مواقفهم الإنسانية في كلّ الأزمات والمحن والتحديات التي يمرون بها، مشيراً إلى أن صور الإيثار هذه أعادت للأذهان لهفة الأهالي مطلع العام الحالي عقب كارثة الزلزال التي ضربت المنطقة في شباط/فبراير الماضي، والتي تجلّت في تقديم المؤن والآليات والمنازل والأموال.

الخط الساخن

وتحت وابل الصواريخ التي سقطت على ترمانين شمال إدلب، استطاع "عبد الحليم الغفري" التواصل مع مؤسسة الإحسان الإنسانية، بعد إعلان الأخيرة إطلاق مبادرة الخط الساخن لإجلاء الأهالي في المناطق المتضررة من القصف.

ويقول "الغفري" لـ"أورينت نت" إنه اتصل بالرقم الذي نُشر على غرف الواتساب لنقله مع وزوجته وأطفاله الخمسة إلى مكان آمن، وبالفعل تم نقله بالمجان، حيث أقرباؤه في بلدة أطمة على الحدود التركية.

من جهته أكد "محمد غزال" مستشار برنامج الحماية بمؤسسة إحسان الإنسانية لـ"أورينت نت" أن إطلاق المؤسسة لتلك المبادرة نتيجة احتياج العوائل لخدمة المواصلات بهدف إجلائهم إلى مناطق أقل قصفاً، مشيراً إلى أن فرق إحسان أجلت منذ 5 تشرين الأول الجاري حتى 10 من الشهر نفسه، مئات العوائل من مدن (ترمانين، دارة عزة، الأتارب، جسر الشغور، إدلب، أريحا)، إلى أماكن آمنة نسبياً على الحدود السورية - التركية.

وأوضح "غزال" أن فرق إحسان قدّمت أيضاً إلى النازحين جلسات إسعاف نفسي أولية للأطفال والنساء ضمن مراكز الإيواء، بهدف تخفيف الضغط عليهم من حالة الرعب التي عاشوها داخل منازلهم إثر حملة القصف المكثفة.

الطعام بالمجان

وخلال الأسبوع الماضي ظهرت عدة مواقف إنسانية أخرى أثناء القصف الهستيري لميليشيا أسد على مدينة إدلب تحديداً، والذي رافقه مقابل ذلك أعمال مجهدة من قبل عناصر الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) لإنقاذ الأهالي، إذ أقدم الكثير من أصحاب المحال التجارية على عرض بضائعهم بالمجان لفرق الدفاع المدني وعاملي المنظمات الإنسانية الميدانية التي تعمل على إنقاذ وإسعاف الناس في المناطق التي تتعرض للقصف.

وأبرز هذه المبادرات في إدلب، مبادرة مطعم "صلّح" التي لاقت استحساناً لافتاً وخطوة دفعت مطاعم أخرى لمشاركته المبادرة، والتي تجلت في تقديم الوجبات السريعة بالمجان لجميع الفرق التطوعية العاملة في إدلب، التي تقوم بواجبها على مساعدة المنكوبين من القصف، إذ دفعت هذه المبادرة مطاعم أخرى لتقديم ذات العرض كـ مطاعم "الذواق، وكرم الفول الدمشقي، وشاورما القيمرية".

الإنترنت متاح للجميع 

وفي مدن "دارة عزة وترمانين والأتارب" غرب حلب، التي كان لها النصيب الأكبر من قصف النظام، قدّمت كافة مراكز الإتصالات والإنترنت الخاصة في المدينة والقرى والمجاورة لها خدمات الإنترنت لجميع الناس بالمجان، ودون أي قيود من أجل سرعة التواصل بين الأهالي والمشافي والمراصد والعاملين في مجال الإنقاذ والإسعاف.

ومن أبرز تلك الشبكات (سكاي نت - ستار نت – شهبا نت – فوكس نت – دهب نت – قيصر نت – أتارب نت – سلام نت – سيريا تيل نت).

وفي مبادرة مشابهة أيضاً في إدلب، أعلن مركز اتصالات "ماتريكس" عبر منشور له على صفحة المركز على فيسبوك، تقديم خدمات الإنترنت بالمجان لجميع العاملين في فرق الإنقاذ، كما تطوّع العديد من الأهالي لمساعدة بعضهم عبر التحذير من أي قصف قد يحضّر لمنطقة معينة أو الإخبار عن تحليق طائرات الاستطلاع في سماء المنطقة، عبر نقلهم أخباراً من المرصد العام ونقلها إلى غرف التواصل الاجتماعي بهدف التوخي والحذر.

التكافل والإيثار من رحم المعاناة

وبحسب الباحث الاجتماعي "سليمان الحافظ" فإن التكافل والإيثار الذي حدث مؤخراً يعود سببهما إلى أن السوريين -وخاصّة من عاش إجرام ميليشيا أسد- يشعرون بوجع بعضهم، كما إن الجميع يتحلى بروح المبادرة والمساعدة لمن هو أسوأ من حالته ليُخفف هذا الوجع.

واعتبر "الحافظ" أن الإيثار أصبح مبدأ راسخاً في قلوب جميع السكان وممارسة أخلاقية يقاومون فيها الظروف القاهرة التي يتعرضون لها والأزمات وحملات التهجير والنزوح.

وكان تقرير للأمم المتحدة في التاسع من الشهر الحالي والذي حمل عنوان "أربعة أيام من الأعمال العدائية المستمرة"، أكّد خلاله أنه منذ 5 تشرين الأول، أصاب القصف المستمر والغارات الجوية لميليشيا أسد وروسيا، أكثر من 1100 موقع شمال غرب إدلب وغرب حلب.

وسجل التقرير 169 هجوماً في 4 أيام، مضيفاً أنه حتى 8 من الشهر الجاري، قُتل ما لا يقل عن 36 شخصاً وأصيب 201 آخرون، بينهم 38 امرأة و48 طفلاً.

ووفق التقرير فإن الهجمات أثرت على المرافق والبنية التحتية الحيوية بما في ذلك محطة الطاقة الرئيسية بمدينة إدلب، وعشر مدارس، ومرافق صحية، وخمسة مخيمات، وثلاثة مكاتب للمنظمات غير الحكومية، إضافة للأسواق والمساجد كما علّقت أكثر من 20 منظمة غير حكومية أنشطتها الإنسانية هناك.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات