اجتياح شامل أم جزئي لـ"غزة" أو معركة إقليمية؟..ماذا تريد أمريكا؟

اجتياح شامل أم جزئي لـ"غزة" أو معركة إقليمية؟..ماذا تريد أمريكا؟

"إيران وحماس وحزب الله محور واحد، وطهران هي التي تمنح الأموال وتعطي الضوء الأخضر".

كان هذا آخر وأحدث تصريح إسرائيلي، حتى ظهيرة يوم الجمعة، بخصوص الموقف من إيران ومدى مسؤوليتها عن عملية طوفان الأقصى التي أدمت إسرائيل وجعلتها تحصل على كل الدعم والتأييد في كل ما تحتاجه أو تريده من مساعدات أو تسهيلات عسكرية وسياسية من حلفائها الغربيين، من أجل المواجهة مع الحركات الفلسطينية والقوى الداعمة لها من محور المقاومة.

قبل هذا التصريح الذي أدلى به وزير الدفاع الاسرائيلي، صدرت الكثير من التصريحات التي كانت تشير إلى أن التصعيد سيكون سيد الموقف، لكن الاختلاف في التقدير ظل يفرض نفسه حول المدى الذي يمكن أن يبلغه هذا التصعيد من الناحية الجغرافية، أي هل سيقتصر على قطاع غزة أم سيشمل كل قوى ما يسمى بمحور المقاومة.

عملياً ما تزال ردة الفعل الانتقامية الاسرائيلية مقتصرة على غزة، ورغم القصف الذي تبادله حزب الله وفلسطينيون في جنوب لبنان مع الجيش الاسرائيلي، إلا أن "حصر التصعيد بالقطاع وعدم السماح له بالتمدد" كما طالبت الولايات المتحدة منذ اليوم الأول، هو ما يحدث بالفعل حتى الآن، لكن دون أن يعني ذلك ترسيماً لحدود المواجهة بشكل نهائي.

مبدئياً يبدو أن الأمور تسير نحو احتمالين متوقعين لتطور المعركة المندلعة منذ السابع من تشرين/أول أكتوبر الجاري:

الاحتمال الأول ومؤشراته

أبرز الاحتمالات هو انتقال جيش الاحتلال الاسرائيلي من القصف الجوي والصاروخي (التمهيدي) إلى الاجتياح البري للقطاع كما هدد جميع المسؤولين الاسرائيليين.

كل المؤشرات ترجح ذلك كما هو معلوم، حيث تصر تل أبيب حتى اللحظة على أن هدفها الرئيسي هو تدمير حركة حماس بالدرجة الأولى، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق، حسب التقديرات الإسرائيلية، إلا بالاجتياح، ولذلك فهي تعد العدة من أجل ذلك، وقد طلبت من سكان شمال غزة ووسطها بالفعل النزوح باتجاه الجنوب.

ورغم المحاذير الكثيرة أمام هذا الخيار، ورغم توقع الإسرائيليين أن المهمة لن تكون سهلة، وأن قواتهم ستواجه مقاومة عنيفة من الفصائل الموجودة في القطاع، والتي تمتلك نقاط امتياز عديدة في حال اللجوء إلى هذا الخيار، ومنها أفضليتها في حرب العصابات والشوارع التي تعرف جغرافيتها بشكل كامل، بالإضافة إلى توفر شبكة أنفاق واسعة ومحصنة، ناهيك عن مخزون جيد من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، ما يعني سقوط أعداد كبيرة من الضحايا في صفوف القوات المهاجمة، وإطالة أمد المعركة، لكن رغم ذلك يبدو إصرار قادة اسرائيل على هذا الخيار شبه قطعي.

ما تعتمد عليه الحكومة الإسرائيلية في تشبثها بهذا الخيار هو الدعم الشعبي الكبير الذي تحظى به داخلياً، والتأييد الغربي الواسع الذي عبرت عنه معظم الحكومات الأوروبية بالإضافة إلى الولايات المتحدة، وبعض هذه الدول أرسلت قطعاً عسكرية على الأرجح ستساهم في مساعدة الجيش الاسرائيلي من البحر في حال لجوئه إلى هذا الخيار.

ولأن (التخلص من حماس) أمر لا يمكن أن يتم دون الاقتحام البري لمعقلها الرئيسي في قطاع غزة، فإن حكومة بنيامين نتنياهو تبدو شديدة التحفز لإنجاز هذه المهمة مهما كانت الخسائر البشرية والمادية، لكن هل تستطيع بالفعل إنجاز مهمة القضاء على حماس حتى لو نجحت باقتحام القطاع بل والسيطرة عليه في النهاية؟

الاحتمال الثاني ومؤشراته

سؤال يقود إلى الاحتمال الثاني الذي يمكن أن تكون عليه المعركة القادمة، وهو خوض مواجهة شاملة مع ما يسمى بـ (محور المقاومة) في الإقليم.

ترجح معظم التحليلات عدم انخراط القوى المرتبطة بإيران في سوريا ولبنان بالمعركة في حال اقتصارها على ردة فعل (انتقامية) محدودة تمتد لأيام أو حتى لأسابيع، كما جرت العادة في (حروب غزة) السابقة.

تستند هذه التحليلات على عدة معطيات، أهمها إصرار الولايات المتحدة على تبرئة إيران من أي مسؤولية عن عملية طوفان الأقصى، وهو ما دأبت على ترديده مختلف مؤسسات الإدارة الأمريكية السياسية والعسكرية طيلة الأسبوع الماضي.

لكن في حال أطبقت قوات الاحتلال الخناق على الفصائل الفلسطينية داخل غزة، وإذا ما قررت إسرائيل تحمل تكاليف المعركة التي يتوقع أن تكون طويلة وباهظة من أجل القضاء على هذه الفصائل بشكل نهائي، فمن المرجح أن تتحرك فصائل أخرى من الجبهتين السورية واللبنانية لتخفيف الضغط عنها وعرقلة الإجهاز عليها في الداخل، وهو أمر على الأغلب ستبادر إليه القوى الفلسطينية، وتحديداً مجموعات حركة حماس المتواجدة في لبنان، الأمر الذي لن يكون بمقدور ميليشيا حزب الله منعه أو عرقلته، خشية الحرج الشعبي والإعلامي، بل إن بعض المحللين لا يستبعد أن تتوسع دائرة المشاركين عندها وبأوامر إيرانية-روسية كي لا تفقد الدولتين أوراق ضغط وقوة تستخدمانها في مواجهتهما المفتوحة مع الغرب، خاصة وأن ذلك لن يكلفهما شيئاً في النهاية.

لكن ماذا لو أدى هذا التطور إلى غضب إسرائيلي-غربي أوسع، وتقرر بناء عليه توسيع دائرة المعركة لتشمل كل (محور المقاومة) ما يؤدي إلى تنفيذ تهديدات نتنياهو، التي أطلقها يوم الأحد الماضي، وقال فيها إن المواجهة ستغير الشرق الأوسط بالكامل؟

سؤال يطرح في طياته ربما إعلان حرباً كبرى لا يبدو أن الولايات المتحدة، على وجه التحديد، تريدها أو تسعى إليها، خاصة وأنها مقبلة على الانتخابات الرئيسية التي لا يمكن تحمل أي خسائر أو ضغوط معها.

الدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي يرجح هذه التقديرات من ناحيته، ويعتقد أن إدارة الرئيس جو بايدن لا تريد توسيع المواجهة، بل حرباً مضبوطة، نتيجة الحسابات الانتخابية وعدم الرغبة في صعود أسعار النفط أكثر.

ويقول في تصريح لأورينت نت: بالنسبة للقوات والقطع العسكرية التي سارعت الولايات المتحدة وبريطانيا إلى إرسالها، فالهدف منها إظهار التأييد الكامل لإسرائيل من جهة، وتوجيه رسائل ردع لإيران وحزب الله لثنيهم عن أي تفكير بالمشاركة في المعركة من جهة أخرى.

لكن بربندي، المقيم في واشنطن والمطّلع على السياسات الأمريكية، لا يستبعد في الوقت نفسه أن تذهب إسرائيل منفردة باتجاه التصعيد الشامل، وتقرر استغلال الدعم الدولي المنقطع النظير الذي تحظى به حالياً وتقرر التخلص من حزب الله وحركة حماس معاً، وعندها ستجبر إيران والولايات المتحدة والجميع عل الانخراط في المواجهة، وهو أمر مستبعد لكنه يبقى وارداً.

لكن الكاتب والمحلل السياسي السوري فراس علاوي يرى أن لا الأمريكان ولا الأوروبيين يريدون تصعيداً أبعد من غزة، مشيراً بهذا الصدد إلى الرسائل التي وجهتها واشنطن عبر باريس وغيرها إلى حزب الله من أجل عدم الانخراط في المعركة.

بل إن علاوي يرى، خلال حديثه مع أورينت نت بهذا الخصوص، أن خيار اقتحام القطاع بشكل كامل من قبل إسرائيل لن يكون بالأمر المتيسر توفير التأييد الكامل له، لأن هذا الأمر سيؤثر بالدرجة الأولى على مصر، التي ترفض تهجير سكان القطاع إلى أراضيها حتى على سبيل النزوح، خشية سيناريو توطينهم في سيناء، وبالتالي لا إسرائيل ولا الولايات المتحدة تريدان أن تخسرا القاهرة، بسبب الحاجة الماسة لها في التواصل والوساطات وتحديداً بما يخص الأسرى والرهائن الإسرائيليين.

ويضيف: أما إذا ما ذهبنا باتجاه التصعيد الشامل في المنطقة فهذا يعني المواجهة مع إيران، وهو أمر لا يبدو أن الولايات المتحدة تريده بالفعل، ولا تمتلك رفاهية مثل هذه المعركة على الأقل حالياً، هذا إذا ما قلنا إنها لا تفكر بمثل هذه المعركة أصلاً، خاصة وأن مثل هذا الخيار سيمنح روسيا مكاسب مجانية ويريحها من الضغوط الغربية التي تواجهها بسبب التركيز الأوروبي-الأمريكي على أوكرانيا، ولذلك أعتقد أن العملية العسكرية الإسرائيلية ستكون موضعية ولن تتجاوز عمقاً معيناً على الشريط العازل بين القطاع وبين ما يسمى بغلاف غزة.

سيبرد الغضب الشعبي الإسرائيلي بمرور الوقت، وسيتراجع زخم التعاطف الدولي مع إسرائيل بحال ازدياد عدد الضحايا المدنيين في غزة، وستشعر الدول العربية بالضغط الشعبي الذي يمكن أن يشكل تهديداً إضافياً لاستقرارها في حال استمرت المذبحة بالقطاع، وتحديداً حكومتي الأردن ومصر، الدولتين المهمتين جداً لأمريكا، الأمر الذي سيجبر تل أبيب على الانصياع لخيار التهدئة والتفاوض من أجل استعادة الأسرى والرهائن، إلا إذا كان المجتمع الدولي مستعداً بالفعل لمغامرة تنقذ نتنياهو من المحاسبة والسقوط، ويكون ثمنها تغيير الواقع الجيو-سياسي في الشرق الأوسط.

هكذا يرى المحللون الذين تواصلت معهم أورينت فيما يتعلق بمآلات المواجهة في غزة، وهي نظرة تبدو متفائلة، بل إن البعض منهم لا يستبعد أن تكون النتائج أكثر إيجابية، لجهة تأجيج النقمة الشعبية ضد اليمين الحاكم في اسرائيل، وضد حركات المقاومة الفلسطينية الرافضة للسلام، من أجل الوصول لانتفاضة داخلية ضدهما وتؤدي إلى إجبار القادة في الطرفين على القبول بحل الدولتين، بما يمكن من تحقيق الهدف العتيد وهو طي صفحة الصراع العربي الاسرائيلي، وهو استشراف يبدو مفرطاً بالتفاؤل بالنسبة للبعض، في وقت يبدو كل شيء شديد القتامة، ولا صوت يعلو فيه على صوت المعركة.

التعليقات (1)

    Majed

    ·منذ سنة شهر
    يظهر لنا بأن أمريكــــــــــــــــا قد دخلـــــــــــــــــت حرب غــــــــــــــــــــــــــزة بشكل مباشر ومنخرطة في الصــــــــــــــــراع كأن فلسطين معركتها مثل إسرائيل
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات