في مقال سابق يحمل عنوان "حادث الكلية الحربية لعب بالنار" تم الربط بين أحداث غزة الأخيرة والقصف الذي تتعرض له الأراضي السورية في الشمال الغربي من سوريا، مع إشارة إلى أن تصاعد الاعتداء على هذه المناطق هو مؤشر قوي على أن الحلفاء الثلاثة (نظام أسد والنظامين الروسي والإيراني) سيرتكبون مجازر عديدة ويحاولون فرض واقع جديد على الأرض في غفلة عن القوى العالمية، حيث الأنظار كلها تتجه اليوم نحو حرب غزة.
إن الذي حصل أثبت أشياء أخرى، فحملة القصف على الشمال السوري توقفت، ونظام أسد تناسى كل شيء منشغلا بمخاوفه. لقد أصبح من الواضح تماما أن عملية "طوفان الأقصى" كانت خيارا فلسطينيا خالصا، والدليل حجم المفاجأة والإرباك الذي أصاب نظام أسد بالتحديد، ومحور إيران بشكل عام، وحول مسألة أن العملية قرار فلسطيني خالص يذهب بعض المراقبين للبرهان على ذلك بأنه لو كان لدى نظام أسد أي علم بالعملية لفشلت لأن أخبارها سوف تتسرب للطرف الآخر بكل تأكيد.
المشكلة أنه خلال الفترة الماضية كان المحور الإيراني يروج لمقولة أو نظرية أسماها "وحدة الساحات"، بمعنى أن يشمل الصراع كل عواصم وتشكيلات ما يسمى بمحور المقاومة، فتكون كل ساحة بخدمة الأخرى سياسيا وإعلاميا واجتماعيا وعسكريا وأمنيا. وبهذا تكون حماس باتخاذها موقف المبادر قد وضعت المحور كله في موقف محرج، بل إن النجاح الأولي الذي حققته العملية أربك الكيان الصهيوني بشكل واضح، وهو ما دعا بعض المتحمسين لرفع سقف التوقعات فيما لو انضم باقي أعضاء المحور لهذا النزاع ملتزمين بما تفرضه عليهم نظرية "وحدة الساحات".
المشكلة الأكبر أن هؤلاء المتحمسين سوف يصابون بالصدمة قريبا؛ لأنهم سيكتشفون أن هذا المحور لا علاقة له بتحرير فلسطين لا من قريب ولا من بعيد، وأن كل ما هنالك هو متاجرة بالقضية الفلسطينية بهدف السيطرة على ما يستطيعون السيطرة علية من العواصم العربية، وبهدف قتل الشعوب المتمردة على مشيئتهم بتهمة خدمتهم للمشروع الصهيوني. هؤلاء لم يقاتلوا الكيان الصهيوني يوما ليقاتلوها اليوم، ومن يعتقد أن حرب تموز تشير إلى غير ذلك فهو مخطئ. لقد قالها حسن نصر الله منذ اللحظة الأولى للحرب: لو كنت أعلم ذلك لما فعلت ذلك، فحرب تموز كانت محاولة للاستعراض جعلها رد الفعل الصهيوني حربا.
السؤال المشروع في هذا الوقت؛ إذا كانت حماس بإمكاناتها المتواضعة قد فعلت ما فعلته من إحراج وإرباك وضحايا للكيان الصهيوني، فكيف لو انضم حزب الله إلى المعركة وهو – حسب تصريحاته – يمتلك أضعاف ما تمتلكه حماس من قوة؟ وكيف لو انضم إليهم نظام أسد الذي انتصر بجيشه المغوار على المؤامرة الكونية التي قادتها عشرات الدول؟ لا شك أن زوال الكيان الصهيوني سيصبح قاب قوسين أو أدنى.
مسكين ذاك الذي ينتظر من نظام أسد أو حزب الله أن يلتحقوا بالحرب. أن يلتزموا بما يمليه عليهم مبدأ وحدة الساحات. مسكين لأنه لم يكتشف حتى الآن أن هذا المحور مختص بتخريب البلدان العربية وقتل الأبرياء والعزل. وأنه يخشى على سلامة الكيان الصهيوني أكثر من الأمريكيين أنفسهم، لأنه بزوال هذا الكيان سيفقد المورد الرئيسي الذي يعتمد عليه في عمليات القتل الجماعي والتسلط على رقاب الشعوب، والاستعلاء على الآخرين.
لقد أحرجتهم حماس أيما إحراج، واليوم جاء الهجوم على مطاري حلب ودمشق ليجعل الإحراج مضاعفا، فحزب الله ونظام أسد حاولا التذاكي للخروج من الموقف المحرج الذي فرضته حماس، وذلك من خلال إطلاق بعض المفرقعات باتجاه إسرائيل ضمن قواعد اشتباك محددة لا تعني الحرب، وإنما يراد لها أن تقدم مادة للأبواق والمطبلين ليتكئوا عليها في بناء روايات مضللة حول مشاركة بالحرب. فهم يشاغلون القوات المعادية كي لا تتجه لغزة بأعداد كبيرة تارة، ويشاغلون منظومة القبة الحديدية تارة أخرى، وهكذا...
حتى هذا المزاح لم يسمح به الكيان الصهيوني عندما وجه ضربة مزدوجة لمطاري دمشق وحلب أخرجتهما عن الخدمة في تحد واضح موغل بالإذلال، خاصة إذا ما علمنا أن المطارات تعتبر من الرموز السيادية للدول. مسكين هو نظام أسد، فحاله اليوم تثير الشفقة، فهو يعاقب بقصف مطارين وإخراجهما عن الخدمة لمجرد أنه جرب أن يداري سوءته ببعض الحركات الاستعراضية. وقريبا سيكتشف سذج السذج أنه لن يريد ولن يتدخل ولن يسمح لغيره أن يتدخل حتى ولو ذبحت غزة ألف مرة، وحتى لو ضربه الصهاينة آلاف المرات.
يتحرك نظام أسد وحلفاؤه في حالة واحدة؛ عندما يكون للأمر علاقة بكرسي الحكم، فإن رأيتهم يوما يتحركون بشكل فعلي، فاعلم أنهم يدافعون عن مكاسبهم ومراكزهم التي مكنتهم من قهر الشعوب. نحن نعرفهم جيدا، فهم كما يقول الشاعر:
أَسدٌ عَلَيَّ وَفي الحُروبِ نَعامَةٌ ..... رَبداءُ تجفلُ مِن صَفيرِ الصافِرِ
التعليقات (11)