الانتفاضة المسلّحة للعشائر ضد "قسد".. بين الوطنية والمناطقية

الانتفاضة المسلّحة للعشائر ضد "قسد".. بين الوطنية والمناطقية

حين انسحبت قوات نظام الأسد الأمنية والعسكرية من ريف محافظة دير الزور، كان ذلك نتيجة عدم قدرتها على مواجهة خاسرة مع فصائل محلية مسلّحة تقاتل على أرضها، هذه الفصائل تشكّلت في كل عشيرة من العشائر العربية القاطنة على ضفتي نهر الفرات في ريف المحافظة، ما دفع مسلحي هذه العشائر على وضع اليد على آبار البترول الواقعة في مناطقهم، واستثمارها بطريقة بدائية، باعتبارهم لا يمتلكون خبرة تشغيل الآلات التي تستخرج البترول من آباره.

وحين استطاعت ميليشيا ما يُسمى " الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، السيطرة على هذه المناطق، خسرت العشائر العربية عائدات البترول الذي كانت تستخرجه.

بعد هزيمة داعش على يد قوات التحالف الدولي، وسيطرة ذراعها الأرضية "قوات سوريا الديمقراطية) "قسد" على كل المناطق التي كانت بحوزة داعش على الضفة اليسرى لنهر الفرات (جزيرة)، بدا أن اتجاه الأمور أخذ شكلاً جديداً، حيث بدأت الإدارة الذاتية التابعة شكلياً لحزب "الاتحاد الديمقراطي (PYD)، وفعلياً لكوادر حزب العمال الكردستاني (PKK) ذي المنشأ التركي المعادي للدولة التركية، بالعمل بمساعدات شركات أمريكية على استخراج البترول من أبار الضفّة اليسرى لنهر الفرات، من حقول العمر والتنك وغيرهما.

سيطرة قسد على قرى دير الزور الشرقية والغربية في الضفة اليسرى لنهر الفرات لم تكن مجرد سيطرة عسكرية فحسب، بل كانت سيطرة ذات أهداف متوسطة وبعيدة المدى، من خلال ربط المنطقة بالإدارة الذاتية الكردية في محافظة الحسكة، أي إن قسد جعلت من هذه المناطق مناطق نفوذ لتحقيق أهدافها عبر فرض تعليم يخدمها، من خلال تزوير التاريخ وأحداثه، لجعل الناس تصدّق كذبة "تاريخية الكرد" في شمال شرق سوريا، أي في مناطق الجزيرة السورية.

ذهنية قسد هي ذهنية حزب شمولي يقوده حزب هو (PKK)، والذي يحمل فكراً ستالينياً، يعتمد على ليّ ذراع التاريخ، من أجل تنفيذ مخططٍ يعتمد على أكذوبة، هي بناء دولة كردستان الكبرى، التي تحتلّ أربع دول أراضيها كما يدّعون، هذه الدول هي (إيران وتركيا والعراق وسوريا)، بموجب اتفاقية سايكس بيكو، التي وقّعها وزيرا خارجية بريطانيا وفرنسا آنذاك بعد انتصارهما في الحرب العالمية الأولى على ألمانيا والدولة العثمانية.

هذه الذهنية القسدية، تريد تمرير كذبتها التاريخية (كردستان الكبرى) من أجل جعل شمال شرق سوريا (الجزيرة والفرات) قاعدة انطلاق لتنفيذ حلمها.

 وبهذا تكون ميليشيا قسد المسلحة والمدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، وذات البنية العابرة للوطنية، والقادمة في غالبية كوادرها من جبال قنديل العراقية الوعرة، وهي من أقلية إثنية في سوريا وحتى في تركيا، هذه الميليشيا التي ترفضها غالبية ساحقة من كرد سوريا، تريد أن تفرض رؤيتها السياسية والاجتماعية والتعليمية والفكرية على عشائر دير الزور العربية الخالصة.

هذا التناقض يكمن في أنْ تحكم أقلية غريبة عن المنطقة، قبائل وعشائر عربية خالصة، في وقت تستطيع هذه المناطق أن تحكم نفسها إدارياً في انتظار الحل السياسي في البلاد، وهو أمرٌ تجاهله حزب الاتحاد الديمقراطي PYD وحزبه الأم التركي المنشأ PKK.

إن انتفاضة عشائر المنطقة الشرقية في دير الزور يقف خلفها الإحساس بالغبن، فهي لا تتحكم بثروات منطقتها بما يخدم تطورها الاقتصادي والتعليمي والاجتماعي وحتى السياسي.
ولكن، هل تستطيع العشائر العربية المنتفضة على قسد، أن تنجز مهام ترقى إلى مرتبة الوطنية في صراعها مع ميليشيا عابرة للوطنية؟ وهل هناك وعي وطني حقيقي بهذا التناقض القائم بينها وبين ميليشيا تحتل أرضها بمساعدات أمريكية ذات أهداف غير أهداف هذه الميليشيا؟

إن انتفاضة عشائر العكيدات ضد قسد والإدارة الذاتية ليست انتفاضة ذات رؤية فكرية وطنية عميقة، بل يمكن فهمها على أنها انتفاضة مناطقية، أتت على قاعدة الإحساس بالظلم والغبن الذي تمارسه ميليشيا غريبة عن هذه المناطق، وإن ما يجعلنا نقول ذلك هو أن هذه الانتفاضة لم ترفع شعارات وطنية شاملة، مثلما رفعتها انتفاضة السويداء.

انتفاضة العشائر العربية في دير الزور لم تضع برنامجاً مرحلياً وآخر إستراتيجياً يخصّ مهامها الوطنية الواضحة وبرنامجها السياسي، بحيث تظهر في هذا البرنامج الأهداف السياسية التي نهضت بها الثورة السورية، والتي تقوم على رؤى محددة، جوهرها بناء الدولة الوطنية الديمقراطية التعددية السياسية.

انتفاضة العشائر برؤاها الحالية لا يمكنها إنجاز تحرير مناطقها من ميليشيا قسد وحزب العمال الكردستاني بطريقة "الهبّة المسلحة"، فأمر تحرير هذه المناطق يحتاج إلى معرفة دقيقة بقدراتها وقدرات عدوها العسكرية واللوجستية، وعمليات الحشد والتأييد السياسي الوطني والدولي لها.

إن قسد ميليشيا تستمد قوتها من دعم الولايات المتحدة الأمريكية لها، هذا الدعم يرتكز على تنفيذ هذه الميليشيا لمهام عسكرية لصالح داعمها، فإذا حدث تناقض بين هذه الميليشيا وما تريد تحقيقه الولايات المتحدة، يمكن للعشائر العربية أن توسّع هذا التناقض من خلال استجابتها لعملية حصار إيران في سوريا، ومنعها من استخدام الحدود العراقية السورية كممر لكثير من حاجاتها.

هذا الممر يمكن أن يلعب دور كسر الحصار الاقتصادي، الذي تفرضه الولايات المتحدة على نظام أسد من جهة، وعلى إيران من جهة أخرى، كذلك فإغلاق كل حدود سوريا باتجاه الأردن أو العراق يخدم بالضرورة منع تهريب المخدرات الذي ينهض به نظام الاستبداد والكبتاغون في دمشق.

إن انتفاضة العشائر العربية يمكنها أن تلعب دوراً هاماً في كسر مشروع ما يُسمى "دولة كردستان الكبرى"، وذلك من خلال تبنيها لروح الثورة السورية، والعمل على عدم السماح بمواجهة عسكرية تقليدية (جيش لجيش) في معركتها ضد قسد، بل ينبغي أن تُدرج في إستراتيجيتها مبدأ (حرب العصابات الثورية، فهذا الأسلوب في الكفاح مثمر في استنزاف العدو الذي يتكون من ميليشيا حزبَي PYD وPKK.

مشروع حرب العصابات الثورية يجب أن يكون له عمق وطني صريح وواضح، وليست غايته الرئيسية طرد قسد للسيطرة على ثروات المنطقة فحسب، بل لجعل هذه الثروات تخدم تحرير سوريا من نظام الاستبداد والقهر، وتحريرها من ميليشيات شيعية قادمة من خارج البلاد.

فهل تعمل العشائر العربية على ربط كفاحها ضد قسد على قاعدة الوطنية، وعدم الانزلاق نحو مفاهيم مناطقية؟ هذا ما ينتظره السوريون من قادة انتفاضة العشائر العربية في دير الزور والمنطقة الشرقية برمتها.   
 

التعليقات (1)

    شرحبيل طرنبيل

    ·منذ 6 أشهر أسبوع
    انظروا الى شعر الداعشي الخنزير الذي يجلس في السياره!!!! يستحق فقط طلقه بمباكشن لينفجر مخه ويختلط بخراه لتاتي الحواري في اسطبل صدام ةالاسد والخميني وينظفو مخه من الخرى عشائر؟؟؟ دواعش خنازير وانشرها يا …
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات