عبرت ظهر أمس الأحد، حافلات مجهولة الحمولة من الأراضي العراقية نحو الأراضي السورية، عبر البوابة العسكرية الإيرانية، قرب مدينة البوكمال شرق دير الزور.
وذكرت شبكة "نهر ميديا" أن القافلة تكوّنت من 12 سيارة، دخلت كل اثنتين منها على حدة، خوفاً من استهداف الطيران الإسرائيلي أو الأمريكي لها، مضيفة أن ميليشيا النظام أبلغت الأهالي بعدم الاقتراب من الشارع العام تحت طائلة المحاسبة، فيما لم تستطع الشبكة تحديد وجهة الحافلات.
وأضافت الشبكة، أن القافلة كانت مجهّزة داخل الأراضي العراقية قبل عدة أيام، إلا أن استهداف الطيران الإسرائيلي للمواقع الإيرانية وجسر السويعية، ليلة الثاني من تشرين الأول الجاري، أخّر دخولها إلى أمس الأحد.
توقيت دخول القافلة
ولعل انشغال إسرائيل بعملية "طوفان الأقصى" التي شنّتها كتائب القسّام (الجناح العسكري لحركة حماس الفلسطينية)، صباح السبت الماضي، شجّع الميليشيات الإيرانية لتمرير هذه القافلة من الأراضي العراقية، ولا سيما أن مواقعها كانت قد تعرضت لهجمات دقيقة عبر سلاح الجوّ الإسرائيلي، آخرها قبل أسبوع، عندما تمّ استهداف عارضة البوّابة العسكرية الفاصلة بين سوريا والعراق وساحة البوّابة في قرية الحميضة القريبة من مدينة البوكمال، وجسر بلدية الهري الواقعة على الحدود السورية- العراقية.
نشاط الميليشيات الإيرانية في معبر البوكمال تزامن مع دعم طهران للعملية العسكرية التي تشنّها حماس على إسرائيل، وجاء ذلك على لسان اللواء "يحيى صفوي" المستشار العسكري للمرشد الإيراني "علي خامنئي"، معتبراً أن الهجوم دليل على زيادة ثقة الفلسطينيين في مواجهة إسرائيل.
وفي حديثه لأورينت، يرى الباحث العسكري العقيد "فايز الأسمر"، أن الحرس الثّوري وميليشيات إيران كالعادة يستغلّون كل الأحداث التي تمرّ بها المنطقة، للتوغل أكثر في سوريا وتقوية نفوذهم العسكري وغير العسكري فيها.
وأشار إلى أنهم استغلّوا زلزال سوريا وتركيا في شباط الماضي لإدخال أسلحة ومسيّرات وصواريخ عبر شاحنات الإغاثات القادمة من العراق باتجاه سوريا، والآن ومنذ 3 أيام تستغل إيران عملية "طوفان الأقصى" التي شغلت القيادة الصهيونية على جميع مستوياتها فيها، لتقوم ميليشياتها عبر معبر البوكمال بإدخال مزيد من الأسلحة والذخائر وعلى دفعات وبفارق زمني بين كل دفعة وليست على شكل قوافل.
ووفقًا لذلك، فإنّ إيران تريد تعزيز قوتها وانتشارها أكثر على الأراضي السورية وخاصة في مناطق دير الزور وقرب الحدود العراقية المقابلة لوجود ميليشيا قسد والأمريكان، وذلك استعدادًا لأيّ عمليات دفاعية أو هجومية مستقبلية، حسب توضيح الباحث الأسمر.
البوكمال عقدة النزاع
وتمتلك إيران أكبر انتشار عسكري في سوريا، إذ تتمركز في 570 موقعًا، 55 منها قواعد عسكرية، كما تحتل دير الزور المرتبة الثالثة في التمركز بـ 77 نقطة بعد حلب وريف دمشق، وذلك حسب الخريطة التحليلية التي نشرها "مركز جسور للدراسات" في يوليو/ تموز الفائت.
فيما تعدّ البوكمال محطةً أساسيةً تستخدمها الميليشيات الإيرانية للتحرّك بين سوريا والعراق، ومنها تتجه إمداداتها العسكرية إلى العمق السوري والبحر المتوسط ولبنان حيث ميليشيا حزب الله، وهو التحرك الذي تسعى إسرائيل لوقفه عبر الاستهدافات الدقيقة للحمولات والقواعد الإيرانية، كقاعدة الإمام علي جنوب البوكمال أكبر وأخطر قاعدة خارج الحدود الإيرانية.
وبحسب دراسة لموقع "إيران إنسايدر" نُشرت في مايو/ أيار 2021، فإن أبرز الأهداف التي حقّقتها طهران في دير الزور هو سيطرتها على البوكمال ومعبرها الحدودي مع العراق، الأمر الذي مكّنها من تحقيق حلمها منذ تأسيس ما يسمى الجمهورية الإسلامية عام 1979، بفتح ممر برّي من البحر الأبيض المتوسط ولبنان عبر سوريا والعراق.
إلى جانب ذلك، يمكن ملاحظة تحوّل البوكمال لمركز تنطلق منه الأنشطة الدينية والتغيير العقائدي وعمليات التجنيد التي طالت أطفال العشائر هناك، بعد ضمّهم في معسكرات تُعرف بـ "كشّافة المهدي"، ما يعني اعتبار المنطقة شريان حياة الميليشيات الإيرانية ونقطة انطلاق مشروع طهران التوسعي في سوريا.
ويشير الباحث في الشؤون الإيرانية "عمار جلو"، إلى أن البوكمال رئة المشروع الإيراني التوسعي الممتد من إيران إلى المتوسط، حيث تبقى المعابر البرّيّة أكثر أمنًا وتحايلًا على العقوبات أو غيرها، وأقل تكلفة وتأثّرًا بالظروف السياسية والمناخية من الطرق البحرية والجوية، لذا لا مكان لحديث عن مشروع إيراني يمتد للمتوسط دون طرق برية له، والبوكمال هي جوهره.
ولفت جلو في حديثه لأورينت، إلى أن الحمولة التي أدخلتها الميليشيات الإيرانية هي معدات لا يمكن نقلها جوًّا، سواء لناحية الحجم أو الوزن أو موثوقية السلامة والتعمية، كما إنها من المعدات اللازمة لمشروع الصواريخ الدقيقة التي تعمل إيران وحزب الله على توطينه في سوريا، مع عدم استبعاد أن تكون لها علاقة بمنظومة الدفاع الجوي المراد نصبها من قبل إيران في سوريا.
وغالبًا ما تكون وجهة الحمولة لريف حماة، محردة ومحيطها أو ريف حمص القريب من الحدود السورية اللبنانية، وفي حال كانت من متعلقات منظومة الدفاع الجوي، قد تضاف لهم ريف دمشق، حسب جلو، معتبراً أن دخول السيارات بشكل مزدوج هو من ضرورات الأمان وطمس الشبهات، ولتخفيف الخسائر في حال الاستهداف الإسرائيلي، مع رفع كلفة الاستهداف في حال تمّ ذلك، من خلال الحاجة لأكثر من طلعة جوية أو أكثر من استهداف.
أما توقيتها -حسب جلو- فيعود إلى أن إيران مشهورة باقتناص الفرص، وفي ظل انشغال إسرائيل في غزة والصدمة التي أصابتها جراء عملية حماس الأخيرة، فإن الوقت هو الأمثل لإيران لنقل ما يصعب نقله في الأيام العادية.
التعليقات (1)