بتواطؤ حكومي.. امتداد العنف على الجغرافيا اللبنانية ضد اللاجئين السوريين

بتواطؤ حكومي.. امتداد العنف على الجغرافيا اللبنانية ضد اللاجئين السوريين

يبدو أن الإشكال الكبير الذي وقع في منطقة الدورة بالقرب من كنيسة ما مارون شمال شرق بيروت، بين لبنانيين ولاجئين سوريين، مساء الخميس 5 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، يُنذر بارتفاع حالة التهديد المباشر على حياة السوريين هناك.

الإشكال الذي بدأ في الدورة وامتدّ إلى عدد من الأحياء اللبنانية الأخرى، سببه حادثة وقعت بين سائق دراجة نارية وصاحب معمل خياطة استعان بعماله السوريين، ليبدأ التصادم مع اللبنانيين الموجودين في الشارع، قبل أن تضرب عناصر من القوى الأمن اللبناني طوقاً حول الأبنية التي يسكنها السوريون، وتُلقي القبض على ثمانية منهم، قالت إنهم متورطون في الإشكال.

يقول الشاب خالد (اسم مستعار بناء على طلبه خوفًا من الملاحقة) وأحد هؤلاء السوريين المطّلعين على الحادثة، "كان الصراخ والشتائم ضد الوجود السوري يملأ المكان، قبل أن يبدأ العنف الجماعي المتوحش ضد مجموعة من السوريين في عدة أحياء ومنها حي الدكوانة التي كان فيه الشاب خالد آنذاك". مختصراً حديثه بالقول: "عمّت حالة من الذعر والخوف في الشوارع مع التهجّم على محالّ يشغلها سوريون.. كنا نسمع إشاراتهم لمكان وجود سكن السوريين في الحي، وكأنهم يريدون اقتحامه دون مراعاة لحرمة المنازل، وسط غياب تام لعناصر الأمن اللبناني".

"في مثل تلك الظروف لا يمكنك إلا البقاء في المكان الذي أنت فيه منتظرًا قدرك"، يختم حديثه لأورينت.

تمدّد العنف العنصري

 ما يلفت النظر في الحوادث الأخيرة هو امتداد الاعتداءات على بقعة جغرافية واسعة بدأت بإقامة حاجز رُفعت عليه أعلام حزب القوات اللبنانية في الرميل بالأشرفية لملاحقة التحرك السوري، إضافة لاقتحام مجموعة من الشبان بالمنطقة نفسها محالّ يشغلها سوريون، ثم الاعتداء بالضرب على سوريين آخرين في منطقة سن الفيل ببيروت، وصولاً لدعوات في برج حمود إلى التحرك في الشوارع لإنهاء الوجود السوري وطردهم من البيوت والمحال، وهو ما يعكس حالة فشل حكومي في التعامل مع ملف اللاجئين السوريين، وتبنّي الخطاب التحريضي الشعبوي من قبل السياسيين اللبنانيين.

ويُحمّل مركز وصول لحقوق الإنسان (مركز توثيقي للانتهاكات ضد اللاجئين في لبنان)، السياسيين اللبنانيين مسؤولية  الحملات الإعلامية المنهجية والثابتة، التي ترسّخ سردية أن وجود اللاجئين في البلاد سبب الظروف الصعبة في لبنان، ما أدى لتصعيد التوتر العام.

ولفت تقرير المركز الذي نُشر في 6 الشهر الجاري، أن ما بدأ في البداية كنزاع فردي بين المواطنين اللبنانيين تحول بسرعة إلى تجمعات احتجاجية تابعة للأحزاب السياسية في المنطقة، تعارض بشدة وجود اللاجئين السوريين في لبنان. وقد أثارت هذه التجمعات أعمال عنف واعتداءات وطرد تعسفي ضد اللاجئين السوريين، ما دفع العسكريين إلى التدخل لإخلاء البعض من المختبرات في المنطقة التي تم احتجازهم فيها.

وأكد التقرير قيام فصائل من حزب القوات اللبنانية بالاعتداء على اللاجئين، واقتحام منازلهم، وارتكاب أعمال عنف ضدهم في مناطق مثل سعد البوشريعة والمناطق المجاورة، كما نفذ الجيش اللبناني غارات في مساكن اللاجئين، أدت إلى اعتقال ثمانية أفراد على الأقل، لا يزال مصيرهم مجهولاً في الوقت الحاضر.

الحكومة اللبنانية هي المسؤول الأول

يشغل ملفّ اللاجئين السوريين حيزاً واسعاً في كل خطابات السياسيين اللبنانيين والتكتلات الحزبية، ففي الثالث من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، دعا زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله الحكومة اللبنانية للمساعدة في تسهيل المرور الآمن للّاجئين السوريين إلى أوروبا عن طريق البحر، زاعماً أن ذلك سيمنح بيروت نفوذاً أكبر على الاتحاد الأوروبي.

سبق حديث نصر الله دعوة وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي، خلال اجتماعه مع رؤساء البلديات، إلى اتخاذ إجراءات تدبيرية بحق اللاجئين السوريين، مشدداً في الوقت نفسه على عدم السماح بوجود سوري بطريقة عشوائية على الأراضي اللبنانية.

في حين حذّرت "الرابطة المارونية" في بيان لها 12 أيلول/ سبتمبر الفائت من عمليات نزوح سوري جديدة، مطالبة بخطة واضحة وصريحة لإعادتهم في الوقت الذي يعيش فيه لبنان أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة تجبر أبناءه على ترك أرضهم ومنازلهم والهجرة.

ويرى المحامي اللبناني "محمد صلبوح"، الناشط في مجال حقوق اللاجئين، أن الحكومة اللبنانية تتحمل المسؤولية في ارتفاع الأصوات العنصرية تجاه اللاجئين السوريين، بسبب التصريحات غير المدروسة والتي تصدر عن وزراء بالحكومة اللبنانية وسياسيين آخرين، لافتاً إلى أنهم بتلك التصريحات يحاولون التهرب من الأزمة الاقتصادية التي تضرب لبنان، وتحميل اللاجئين السوريين مسؤولية الأزمة.

ودعا صلبوح في حديثه لأورينت، لترحيل فئة كبيرة من اللاجئين السوريين الموالين للنظام، لأنهم يخرجون إلى سوريا ويدخلون لبنان بشكل نظامي، فترحيلهم من لبنان بطريقة مدروسة يمكن أن يخفف من الأزمة الحاصلة في لبنان دون التعرض للاجئين المعارضين المهددين بخطر الاعتقال أو التصفية من قبل نظام أسد.

ويبدو أن الحكومة مُصرّة على معالجة ملف اللاجئين بإثارة النعرات العنصرية للتهرب من مسؤولية الأزمة التي أوصلت إليها البلاد في لبنان، حسب صلبوح، مشيراً لحدوث انتهاكات بالجملة من قبل الأجهزة الأمنية في لبنان ضد السوريين، إذ يقوم الجيش بعمليات ترحيل عشوائية وتسليمهم إلى الفرقة الرابعة على الحدود والتي بدورها تستفيد منهم مادياً لقاء عودتهم، وهو ما يفسر تدفق اللاجئين مجدداً إلى لبنان من ريف حمص وتلكلخ والقصير التي تقبع تحت سيطرة ميليشيات النظام و"حزب الله".

 وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد أشارت عبر تقريرها حزيران/ يونيو الفائت، إلى أن الجيش اللبناني رحّل آلاف السوريين بإجراءات موجزة بينهم أطفال مصحوبون بذويهم إلى سوريا بين أبريل/ نيسان ومايو/ أيار 2023، في حين أن  السوريين في لبنان يعيشون في خوف دائم من إمكانية اعتقالهم وإعادتهم إلى ظروف مروعة، بغض النظر عن وضعهم كلاجئين.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات