كوسوفو قراباغ وغيرها: النيران التي تشتعل حول روسيا..من يؤججها ومن يستفيد منها؟

كوسوفو قراباغ وغيرها: النيران التي تشتعل حول روسيا..من يؤججها ومن يستفيد منها؟

من الممكن تشبيه الدول بالكواكب والمجرات فلكل دولة كبرى حسب حجمها وإمكاناتها تأثير على ما يجاورها من دول وكيانات وشعوب، وضمان استمرار الاستقرار والتعايش بين هذه الكيانات مرتبط بشكل كبير باستقرار الدولة المركز ودوام نفوذها أو مصالحها. 

انشغال روسيا الكبير في حربها على أوكرانيا التي "خرجت عن الطاعة" وبعدما تحولت هذه المعركة إلى تحدٍ و"كسر عظم" بين بوتين والولايات المتحدة وحلفائها، برزت مُتغيرات جعلت بعض الأطراف التي كانت تدور في الفلك الروسي وتتماشى مع رغبات وسياسات الكرملين تشعر بفائض تحرر من القيود وتبحث عن مصالحها عبر اتفاقات وتحالفات جديدة. 

أرمينيا وخذلان روسيا

يمكن اعتبار مصادقة البرلمان الأرميني على نظام روما تمهيداً لانضمام "يريفان" إلى المحكمة الجنائية الدولية، نقطة تحول في العلاقات الروسية الأرمينية واتخاذها منحى تصادمياً مع تنديد الكرملين بهذه الخطوة معتبراً أنها عمل عدائي تجاه روسيا وهو ما ينفيه المسؤولون الأرمن، إذ إن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" على خلفية جرائم مرتكبة في حربه على أوكرانيا.

شعور الحكومة الأرمينية بخذلان موسكو لها خلال الحرب مع أذربيجان عام 2020، ومن ثم بالحرب الخاطفة التي شنتها باكو لإحكام سيطرتها على ما تبقى من إقليم "ناغورنو كاراباخ" ذو الغالبية الأرمنية سبتمبر أيلول الفائت، بعدما اكتفت قوات حفظ السلام الروسية بإجلاء المواطنين الأرمن الراغبين بمغادرة الإقليم اتجاه الأراضي الأرمينية فقط، جعل يريفان تتجه نحو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في محاولة لإيجاد بديل يساعد أرمينيا على حماية أمنها حسب أكثر من تصريح لرئيس الوزراء "نيكول باشنيان" الذي قال إن اعتماد بلاده في حماية أمنها على موسكو فقط خطأ إستراتيجي، وضمن ذات السياق نفذ الجيش الأرميني مناورات عسكرية مع الولايات المتحدة، منتصف سبتمبر أيلول الماضي قبل عدة أيام من معركة أذربيجان لضرب متمردي إقليم "كاراباخ" الأرمن وتفكيك دولة "أرتساخ" التي أعلنوها قبل ثلاثة عقود من جانب واحد. 

ما نتج عن ظهور بوادر الضعف على روسيا حتى الآن وشعور الدول المحيطة بذلك مقدمة لمتغيرات كبرى لا يقتصر تأثيرها على المنطقة الممتدة من البلقان وشرق أوروبا وصولاً إلى آسيا الوسطى مروراً بالقوقاز على اتساعها، لكن من المحتمل أن يشمل تأثيرها العالم بأسره نظراً لتداخل مصالح وطموحات كبرى دول العالم.  

مدير مركز الشرق للدراسات الدكتور سمير التقي قال في تصريح لأورينت نت "أتوقع أن تشتعل منطقة القوقاز ووسط آسيا نتيجة تدخل عدة قوى دولية.. الولايات المتحدة والصين وتركيا وإيران وفرنسا إضافة لروسيا" ورأى التقي أن سبب ذلك يرجع لعاملين الأول: هو أن هذه الدول السوفيتية سابقاً حديثة التشكل بمعنى أنها لم تتكون كدولة أمة حتى الآن. أما العامل الثاني: فهو الانهيار الاقتصادي لأن أغلب هذه الدول أصبحت خارج الدورة الاقتصادية العالمية. 

المجال الحيوي الروسي

حافظ الاتحاد السوفيتي على استقرار دول وشعوب أوروبا الشرقية والقوقاز ووسط آسيا لنحو سبعة عقود، عبر العنف والسطوة العسكرية والأمنية، لكن ما إن انهار حتى تفجرت العديد من النزاعات العرقية والقومية في أكثر من منطقة ما استدعى تدخلاً مباشراً من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لضبط الوضع آنذاك، ورغم وراثة روسيا للإمبراطورية السوفيتية إلا أن مجال تأثيرها على محيطها بات أضعف وأقل فاعلية، وهو ما تجلى بحروب الدول التي شكلت يوغسلافيا السابقة وعجزها عن مساعدة حلفائها الصرب في حربهم على كوسوفو وتدخل الناتو حينها، لكن بوتين حاول إعادة نفوذ بلاده على المجال الحيوي المحيط بروسيا خلال العشرين عاماً الأخيرة. 

في ذات السياق يضيف الدكتور سمير التقي قائلاً "حينما كانت روسيا أقوى كانت تكرس الغلبة لطرف على حساب آخر، أما الآن وهي تضعُف ستطفو في كل هذه الدول التناقضات المتعلقة ليس فقط بالأقليات فحسب بل بالأكثريات أيضاً.

كوسوفو - صربيا

تأتي العودة المفاجئة للتوترات في البلقان ضمن سياق موازٍ لأحداث جنوب القوقاز بعد سنوات من الهدوء الذي عمّ المنطقة في ظل انتشار نحو 4500 جندي حفظ سلام تابعين لحلف الناتو في "كوسوفو"، حيث شنّ نحو ثلاثين مسلحاً صربياً هجوماً على قرية بانيسكا شمال كوسوفو وتحصنوا في دير أرثوذكي للأقلية الصربية هناك، تلاه مطالبة رئيسة وزراء كوسوفو لحكومة بلغراد بسحب قواتها العسكرية التي انتشرت قرب حدودها الشمالية محذرة من خطة صربية مشابهة لغزو بوتين لشبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا. 

يرى محمد سالم الباحث في مركز الحوار السوري أن ضعف النفوذ الروسي لن يساهم لوحده بتأجيج الصراعات في أوروبا الشرقية والقوقاز، لأن غياب موسكو سيقابل غالباً بتعويض غربي أمريكي أوروبي، وهم قادرون حسب سالم على إيجاد أرضيات مشتركة وحلول سلمية للصراعات ودعم عقود اجتماعية بين مكونات المنطقة، وأضاف سالم أن روسيا المتوترة من هذا الضغط قد تحاول الإيقاع بين بعض المكونات العرقية للإضرار بأوروبا وهو ما يتمثل حسب رأيه في دعم بوتين لليمين الأوروبي المتطرف.  

إذاً تشير كل الأحداث والمواقف في المنطقة إلى حضورٍ روسي بشكلٍ مباشر أو من خلال المقارنة بسلوكها وتصرفاتها، فيما يبدو أن أغلب الدول المحيطة بروسيا أو تلك التي تقع تحت تأثيرها سابقاً بدأت تقيس مواقفها وتحالفاتها بناءً على ما يظهر من صلابة موسكو أو تراجعها في حربها على أوكرانيا المستندة على دعم حلف الناتو.

صراعات جديدة على هامش الضعف الروسي

لقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن بقمة هي الأولى من نوعها مع قادة دول آسيا الوسطى "لكازاخستان قرغيزستان طاجيكستان تركمانستان وأوزبكستان" على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بهدف تعزيز التعاون مع هذه الدول، يبدو كرسالة إلى الكرملين أن أمريكا ستملأ أي فراغ تخلفه روسيا أثناء اندفاعها في الحرب على أوكرانيا، لكن الأهم في هذه المنطقة فهو ضمان طرق الطاقة التي تريد واشنطن أن تمرّ عبرها من آسيا الوسطى إلى أوروبا للتخلي تماماً عن النفط والغاز الروسي. 

عند هذه النقطة تلتقي مصالح واشنطن بأنقرة التي دعمت أذربيجان من أجل افتتاح ممر "زانغزور" مروراً بالأراضي الأرمينية، الأمر الذي يثير حفيظة إيران التي لا تريد أن يستبعدها هذا الممر أو يحاصرها ويقطع تواصلها مع روسيا كما يزعم المسؤولون الإيرانيون، لكن افتتاح هذا الممر بما يمكن أن يحمله من الطاقة التي تريدها أوروبا، ومن البضائع والتجارة التي تريدها الصين من الممكن أن يغير خارطة التحالفات ويفتح الباب لصراعات دولية كبرى.

 

التعليقات (1)

    عبدالجبار سالم

    ·منذ سنة شهر
    مما لاشك فيه ان روسيا تتجه الى ان تصبح خارج حسابات العالم المتحضر وذلك ينسحب على إيران فالعالم لن يقبل بوجود أشباه دول تملك ثروات وتستخدمها بنفس طريقة القرون الوسطى زمن البلطجة انتهى اما ان تكون متحضر او استعد للزوال
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات