شابة تدخل فناً جديداً إلى إدلب لمساعدة المتضررين من الزلزال وحرب الأسد (صور)

شابة تدخل فناً جديداً إلى إدلب لمساعدة المتضررين من الزلزال وحرب الأسد (صور)

من رحم المعاناة تحاول شابة في إدلب وتحديداً بمدينة سلقين في الريف الشمالي الغربي للمحافظة، تقديم علاج نفسي يُعرف بـ "فن الماندالا" لمساعدة شابات نجون من زلزال شباط/فبراير المدمر، وتساعدهن على الخروج من قوقعة حرب الأسد في سوريا وانعكسها على كافة جوانب الحياة بالشمال السوري.

ويعرف "الماندالا" بفن "البهجة والسعادة"، كما يعتبر من أحدث طرق الدعم النفسي الحديثة، لتميزه بالبساطة وسهولة إتقانه، والذي يتلخص في رسم دائرة تُقسّم إلى أجزاء تتفرّع من تلك الأجزاء أشكالٌ هندسية وزخارف تختلف باختلاف الشخص نفسه.

وبدأ فن "الماندالا" في منطقة التبت بالهند، ويبنى وفقاً لتعريفه على أشكال هندسية لها العديد من المتغيرات، إذ ساعد هذا الفن على إظهار جميع الثقافات التاريخية والتي ترجمتها "الدائرة" التي هي محور هذا الفن.

الماندالا علاج للمتضررين

المدربة "نور الهدى صلاح" والعاملة في منظمة الرواد الإنسانية في إدلب، تقول لـ"أورينت نت"، إن فكرة إتقانها لـ"فن الماندالا" جاءت منتصف عام 2020، وإن فكرة نشر هذا الفن شمال سوريا والعمل عليه بشكل فعلي، جاء عقب منتصف شهر شباط الفائت، واستهدف وقتئذٍ المتضررين الذين يعانون من أمراض نفسية عدّة كـ"الاكتئاب والخوف"، إذ تم طرح فكرة تعليمه للمتضررين عبر منصة "الرواد الإنسانية" العاملة بها، بهدف معالجة آلاف الحالات النفسية التي خلفها كارثة زلزال شباط، وما سببه من هجرة وفقدان أشخاص عزيزين عليهم.

وتوضح "صلاح" أن بداية مسيرتها الفنية في "الماندالا" كانت تتركز على تقليد رسومات جاهزة، ولكن سرعان ما بدأت بإنتاج لوحات تُحاكي الواقع من نتاج الأفكار، مشيرةً إلى أن اهتمامها الزائد له لاعتباره أحد فنون الزخرفة العالمية الذي عبر الشرق والغرب، والتي لا تزال بصماته مزروعة في المساجد والقصور الأندلسية وفي شرق آسيا، والذي يقوم في أساسه على فكرة الدوائر المتكررة بشكل هندسي لتصل إلى طرح الموضوع المراد.

وأكّدت صلاح أن "الماندالا" لا يحتاج إلى موهبة عالية أو تعليم، بل يحتاج صبراً ومهارة ودقة في العمل، حيث يحتاج الشخص ورقة بيضاء وقلم رصاص ثم قلم تحبير فقط، لتكون اللوحة جاهزة.

50 لوحة عبّرت عن مأساة سوريا

تُشير "صلاح" إلى أنها نظّمت ورشات عدّة في شمال سوريا، وتركزت في معظمها داخل مدينة "سلقين"، مشيرةً أن عالجت قرابة 50 متضرّرة، وأن المستفيدات أنتجن 50 لوحة مختلفة، عبّرت جميعها عن معاناة السوريين ومأساة الزلزال الأخيرة التي حلّت عليهم.

كان أبرز تلك اللوحات بحسب الفنانة "صلاح" مشاركة لوحة لمستفيدة تُدعى (أ. م) والتي كانت تعاني من الانعزال والصمت الدائم، مشيرةً أنها استطاعت أن تعالج جزءاً من مشكلتها عبر تمهيد الطريق لها للتعبير عن ضغوطاتها عبر الرسم بالماندالا، لتنجز المتضرّرة لوحة مميزة مليئة بالمشاعر، أظهرت عبرها حجم الحزن بداخلها عن فقدانها لصديقتها التي كانت مقربة منها بشكل كبير.

ومضت قائلةً: "استطاعت هذه المتدربة بعد مشاركة لوحتها الأولى في استعادة صحتها النفسية والتغلب على حالتها السيئة التي تعرضت لها، وتمكنت بعد أيام قليلة من إنتاج رسومات عدّة تحاكي لحظات جميلة قضتها مع صديقتها المتوفية.

نجح فن "الماندالا" وفقاً لـ"صلاح" على دمج اللوحات الهندسية بصور واقعية من سوريا، كذلك استطعت بهذا الفن الاهتمام أكثر بمواضيع تهم الطفولة والمرأة ومواضيع عدّة هادفة أخرى، مؤكدة أن "الماندالا" لايزال فنَّاً ضعيفاً في الشمال السوري.

الفلسفة الخاصة بألوان الماندالا

ومن خلال تجربة "صلاح" بهذا الفن تخبرنا عن فلسفتها الخاصة في التعاطي مع الألوان وعن الألوان التي تجذبها في الرسم قائلة: "كل لون له كيانه وحضوره في أغلب لوحاتي الفنية الزخرفية، فكثيراً ما أعتمد على اللون في تشكيل وإظهار الأشكال الزخرفية وجماليتها وأيضاً إظهار مكامن وملامس الرسم المختلفة، وذلك عن طريق اللون باستخدام تقنيات مختلفة في التعامل مع الألوان ومختلف الخامات التي قد يحتاجها الرسام لإخراج لوحته بالشكل المطلوب.

ورأت أن كيفية توزيع الألوان في رسومات وأشكال "الماندالا" بشكل خاص له تأثير واضح على الجانب النفسي لكل شخص يجربه، منها أنها تساعد على هدوء الأعصاب ومنح النفس الراحة النفسية، كما تساعد في الاسترخاء وتخرج الشخص الذي يمارسها من ضغوطات الحياة اليومية بالإضافة للهدوء النفسي والسكينة، نتيجة كمية التركيز المبذولة في رسم الزخارف الصغيرة.

وترى "صلاح" أن العلاج النفسي بفن الماندالا أصبح طريقة شائعة ومتعارف عليها بين الأطباء النفسيين عبر العالم، الذين أكّدوا وفقاً لدراسات أجروها على أهمية تأثير الألوان والفن على الحالة النفسية، ما جعل هذا الفن أحد أهم طرق الدعم النفسي.

الصعوبات والتحديات

وعن أبرز التحديات التي واجهت المدربة "صلاح" أوضحت أن أبرزها تركزت في صعوبة الربط بين المجال الفني ومجال الدراسة الجامعية ومشقة التوفيق بينهما، وخاصّة دراستها قسم "التربية" (معلم صف)، والتي اعتبرته بعيداً كل البعد عن الفن واللون، وفوق ذلك تشير إلى أن إدارة الوقت والتنسيق مع المهام الأخرى ومحاولة عمل توازن ما بين الطريقين لا سيما الوقت الطويل الذي يستغرقه رسم الماندالا، كان أحد المعوقات التي واجهت مسيرة إتقانها للفن بحرفية.

الماندالا مرآة الذات

من جهتها، تستنتج مديرة نادي عماد غنايمي للرسم والخط العربي "سهى الأحمد" أن الأمر الذي رأته مميزاً في فن الماندالا، هو أن رسم أشكال الماندالا قد تخبرك الكثير عن نفسك وعن قدرة كل شخص على تحويل تلك الماندالا، باستخدام الألوان، لشيء مختلف تماماً عن الآخر، مسترسلةً في حديثها لـ"أورينت نت" : "إذا أعطيت الماندالا لألف شخص، ستعود إليك ألف لوحة، وستجد في كل لوحة جانباً معيناً يميزها عن الأخرى وستجد التوزيع المختلف للألوان أيضاً حسب الفلسفة الخاصة لكل شخص مع الألوان".

وتستطرد القول: "إن العاملين في فن الماندالا جميعهم يسعون لإيصال لوحاتهم وأعمالهم الفنية للعالم".

ولذلك تؤكد المتدربة الشابة (صبا. ف) الناجية من زلزال فبراير المدمر، على أنها استطاعت التخلص من كل الصدمات التي تعرضت لها من الزلزال عقب تعلمها لهذا الفن، لافتةً أن التركيز على التفاصيل والمساحات الصغيرة لهذه الأشكال نزع عنها الشعور بالقلق من كل ما يدور حولها كما قطع صلتها بالعالم الخارجي كلياً وخلق لها رابطاً قوياً بينها وبين اللوحة التي ترسمها فقط.

لماذا سُمي بفن البهجة

يقول أستاذ الرسم "حسام عبد الرزاق" لـ"أورينت نت" إن فن الماندالا بكل بساطة هو عبارة عن رسم دائرة مركزية تتكرر فيها الدوائر والأشكال الهندسية المختلفة، الذي يساهم في تحسين التركيز وتقليل الضغط النفسي والتعبير عن المشاعر والأفكار وإدخال البهجة والسرور لمن يقوم بتجربته.

ويؤكد "عبد الرزاق" أن رسام "الماندالا" كلما تعمّق في دائرته أثناء الرسم كلما وصل إلى تركيز وهدوء داخلي عميق، وهو ما يمكن أن يساعد في تخفيف الضغط النفسي وخاصة الذين تأثروا من الزلزال.

وأما عن تسميته بفن "البهجة والسعادة"، يرى "عبد الرزاق" أن هذه التسمية جاءت بالدرجة الأولى لأنه يمنح الرسام شحنات إيجابية من شأنها إدخال السرور والفرح على النفس، لذلك فهو يعد أحد الفنون التي ثبت علمياً أثرها الإيجابي في معالجة التوتر الناتج عن ضغوطات الحياة، لافتاً إلى أن تجربة هذا الفن كان فعّالاً في الشمال السوري المحرر بسبب ما يعانيه السكان من توتر وضغوطات نفسية سببها الفقر والنزوح وعدم الاستقرار الأمني، وجاء آخرها أيضاً الزلزال التي لا تزال آثاره قائمة على السكان.

ويوضح الفنان أن استخدامات الماندالا في المجال التعليمي عديدة، إذ يستخدم كموارد لتحسين الاهتمام والتركيز عند الأطفال وتطوير المهارات الحركية الدقيقة لديهم، وكذلك تنمية وسائل الاتصال والتعبير والتغلب على المواقف العاطفية المجهدة، وفوق ذلك يستخدم في بعض المستشفيات، إذ يتم تقديمه لمرضى السرطان لتلوين لوحات الماندالا كوسيلة فعالة للاسترخاء والتركيز.

وأشار إلى أن الفئات المستفيدة من العلاج بـ"الماندالا" لا يشترط امتلاكهم للموهبة أو التغذية البصرية الكافية، فالمهم هو التعبير عن الذات ودعم الراحة النفسية، وعلى وجه الخصوص يمكن أن يستهدف العلاج بالماندالا بعض الفئات المحدّدة أكثر من غيرها.

 

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات