ليس من ترف القول أن يأتي أحدهم ويقول إن عدم انتصار الثورة مبكراً هو أمرٌ إيجابي من عدة جوانب؛ ذلك أنّ ما حدث لهذا الشعب المكلوم خلال أكثر من عقد من الزمن يعطي إشارة واضحة للمتابع والمهتم بالشأن السوري عموماً وبشأن الثورة السورية بشكل خاص أنّ عدم انتصارها أي الثورة السورية مبكراً هو أمر إيجابيٌّ حقاً، فكيف ذلك؟!
عندما سُئِل مسؤول عراقي كبير هو طارق عزيز وزير خارجية نظام صدام حسين، لماذا لا تجلسون مع المعارضة الخارجية؟ أجاب السائل بأن هؤلاء ليسوا معارضة إنما مجموعة لصوص وحرامية. وقد أثبتت الأحداث فيما بعد احتلال العراق وإسقاط نظام صدام حسين أن هؤلاء المعارضة الذين جاؤوا على ظهر الدبابة الأمريكية هم حقاً مجموعة لصوص.
وبالعودة إلى الشأن السوري وثورته العظيمة، نرى أن هناك تشابهاً موضوعياً بين المعارضة في العراق والتي أصبحت فيما بعد هي السلطة مكان نظام صدام حسين بعد إسقاطه، وبين المعارضة السورية المشكلة للائتلاف وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية، فهذه المؤسسات تصدّر فيها المشهد مجموعة من الأشخاص يتناوبون فيما بينهم الوقوف في الواجهة، فمرة هذا هو الرئيس، ومرة أخرى هذا أو ذاك مكانه، وكأنه لا يوجد سواهم في الساحة السورية، أو لم تنجب النساء السوريات غيرهم.
تداول مقيت وعقيم للسلطة مدّعين أنهم ديمقراطيون ويمثلون شعباً ثار ضد استبداد ودكتاتورية نظام من أعتى أنظمة الاستبداد في العالم، ألا وهو نظام الأسد، وهم يتصفون بصفاته ويتصرفون بطريقته الديمقراطية.
فكيف لو انتصر الشعب السوري منذ البداية وأسقط نظام الأسد؟ ألم يكن هؤلاء هم من سيحلّون مكانه ويتصدرون المشهد؟ فما هي النتيجة التي سنصل إليها غير تلك الصورة التي وصل إليها العراق، ونكون قد انتقلنا كشعب سوري ثائر من نظام مجرم فاسد إلى نظام آخر فاسد، وربما لو أُتيحت لهؤلاء الظروف الموضوعية للإجرام لانضافت إليهم هذه الصفة كذلك.
من هنا استنتج أصحاب الرأي في إيجابية تأخر انتصار الثورة هذا الرأي وبنوا عليه.
فما الذي يمكن أن يستنتجه جمهور الثورة من جسم من المفترض أنه يمثلهم، عندما يسمع ويقرأ تصريحات لرئيس الحكومة المؤقتة المنتهية ولايته منذ سنتين، وهو السيد عبد الرحمن مصطفى حول انتخابات الائتلاف الأخيرة، وقوله إن هادي البحرة سيفوز بـ"الصرماية"؟!
فكيف يمكن لأشخاص يتحدثون ويصرحون تصريحات لا يصرح بها إلا زعران الحارات أن يكونوا ممثلي شعب وواجهة ثورة، وهم بالكثير على أغلبهم أن يكون نادلاً في مقهى أو صاحب بقالية، مع احترامنا الشديد لأصحاب هذه المهن الشريفة، ومع احترامنا أيضاً للقلة من هؤلاء إذ ليس بيدهم شيء، لكن يؤخذ عليهم أنهم صامتون خوف الفصل والترحيل كما حدث مع عضو الائتلاف السيد فيصل السلطان الذي قدم استقالته احتجاجاً على سياسة الائتلاف وعجزه عن القيام بدوره الموكل به لقضية السوريين، فما هي إلا أيام حتى تم اعتقاله ومن ثم ترحيله إلى الشمال السوري.
ثم تأتي الطامة الكبرى التي قصمت ظهر كل أمل في إصلاح هذه المؤسسة، عندما أصدرت قراراً بتشكيل محكمة عسكرية استُدعِيَ إليها رجل مدني هو نصر الحريري القيادي السابق في الائتلاف نفسه للتحقيق معه؛ لأنه أدلى بتصريحات لم ترق لأصحاب الفخامة من أصدقائه وزملائه السابقين، وتصريحاته لم تكن من أجل إصلاح الائتلاف وتصحيح مساره لمصلحة القضية العادلة التي يدعي أنه يمثلها، وإنما كانت محاولة لاستعادة مجد سابق، فعبّر عن رأيه بحرية ظنّاً منه أنه ينتمي لخصوم الأسد الديمقراطيين، ونسي أو تناسى أنه كان واحداً من هؤلاء الذين تخرجوا من مدرسة الأسد وشربوا أسلوبه وطريقته في الإدارة مع حليب أمهاتهم.
اثنتا عشرة سنة والوجوه نفسها تتبادل الأدوار، ألا يوجد غيرهم؟ هل عقمت السوريات وهل عقم الشعب السوري الحر عن إنجاب رجال يقودون مسيرته غير هؤلاء؟
لكن عقلية المستبد التي بالأصل متعرشة في أدمغتهم هي التي تمنعهم من اتخاذ قرارات جريئة تصب في مصلحة الوطن والثورة، فهم يوهمون أنفسهم أن المسيرة من دونهم ستتعطل، ولا يوجد سواهم لقيادتهم، تماماً كما يتوهم كل مستبد غاشم أنه هو المحيي والمميت، وأن الشعب والوطن من بعده سيضيعان.
أخيراً يمكن الإيجاز بالقول إن قضية الشعب السوري قضية عادلة وستنتصر إرادته في النهاية بإذن الله، وهؤلاء ومعلمهم نظام الأسد سيلفظهم التاريخ خارج سجلاته ولن يذكرهم إلا في صفحات الخزي والعار.
التعليقات (9)