إذا كانت الانتهاكات في عفرين، ضد الكرد إحدى صور الواقع السوري، من فصائل تمارس عمليات تغيير ديمغرافي، فثمة بالمقابل موقف قسم من المجتمع الوافد من الداخل السوري، رافض لتلك الانتهاكات واقف لجانب الكُرد في مصابهم، ليفشلوا معاً مخططات الانتقاميين بمطالبهم المحقة في العدالة الانتقالية والاجتماعية.
إذاً ثمة فُسحات أمل أكبر، وصورٌ أكثر عمقاً وأهمية وتحريكاً للسلوكيات السّوية والسليمة. حيث الصور الواردة من مناطق أخرى من سوريا، ساعية لتجاوز الانقسامات السابقة التي شهدها الشارع السوري، والعمل على تقدير الرموز الهويّاتية لكل المكونات، فأهالي السويداء كأخوتهم في كفرنبل سعوا لزرع قيمة أخلاقية عميقة في الوجدان الجمعي السوري، ومحاولة تفكيك الحساسيات ورفض التشدد تجاه الآخر المختلف لوناً ولغة وقومية، والمشتركين في الهويّة الجامعة والغد الجديد.
الأهالي في كفرنبل رفعوا صوراً ورموزاً من بينها العلم الذي اعتمدته المعارضة السورية كعلم رسمي لها، مُضافاً إليه العلم الكردي، والأشوري وراية الموحدين الدروز. وهذه الأعلام لا يُقصد بها التشهير للانفصال أو تجزئة سوريا، ببساطة هي رموز هويّاتية خاصة لشعوب وأقوام ينتمون لرمز أوسع بهويّة جامعة مفقودة حالياً. وهي الرسالة التي حملها أهالي السويداء أيضاً عبر رفعهم إلى جانب راية الموحدين أعلام المعارضة والنظام والكرد والآشوريين والصليب.
أملٌ جديد ينبعث بطريقة مختلفة، أن يُدافع الآخر المختلف بكل شيء، لغوياً ودينياً وقومياً وهويّة وتفكيراً، عن المكونات والقوميات المختلفة، وعن الآخر المختلف بانتمائه وتفكيره واصطفافه، والتأكيد على رسالة أن تلك الشعوب والجماعات الخاصة بما تحمل وتملك وتدافع عن رموزها الخاصة، والمؤيدين من أبناء الساحل والداخل، كُلهم جزء من كيان ومجتمع وهويّة أوسع، ودفاع القوميات عن رموزهم وخصوصياتهم لا يتعارض عن دفاعهم عن وطنيتهم ولا يسعون لجعله علماً وحيداً لسوريا المستقبل، بل فقط يرفعهُ أصحابه بوصفه يرمز لفئة من السوريين الراغبين والعاملين مع غيرهم لبناء سوريا جديدة. من كفرنبل إلى السويداء الصوت واحد، إن تلك الرايات والأعلام الفرعية ليست موانع التغيير أو الوصول للانسجام والوحدة السياسية للسوريين، ولا ترى أن في هذه الرايات الفرعية ما يضرّ في مسعى التغيير في سوريا.
الواضح أن عدم تقبّل القوميات الخاصة ليست صفة ثابتة تُلازم السوري، وليست حالة عامة معممة على كل السوريين. المشكلة تبدأ مع الفكرة والذهنية الداعية لإحداث الفتن والصراعات القومية أو الدينية، كما فعلتها تلك الفصائل مع الإيزديين في عفرين ورأس العين، ومحاولات كل من لا يقبل الشراكة /كرداً أو عرباً/ ولا يجد نفسه تحت راية وطنية عامة وهويّة جامعة تحفظ للهويّات الفرعية قومياتها وثقافاتها وكيانها.
والساعون لضخ الزيت في النار عبر اللعب على وتر استدرار عواطف المراهقين صوب نزاعات وخلافاتٍ ليس لنا كشعب توّاق للحرية والخلاص أيّة علاقة بها، هؤلاء إحدى جذور المشكلة التي تتضخم بشكل سريع ومريب، يفرضون لونهم ورتمهم ورموزهم علينا نحن الساعين صوب وطن جديد يؤوينا كُلنا، وما تلك الفئات سوى إحدى الأدوات البنيوية في إضعاف السوريين أكثر والمزيد من الصراعات.
قُصارى القول: لنتفق أن الرموز الخاصة ليست هي المشتتة والمُمزقة للسوريين، تلك الرموز تخلقُ دولة تعددية قوية ومتماسكة، فهي ستكون جزءاً من رمز أعمّ وأوسع، وما اللعب على وتر القوميات وصراعاتها وتصديرها كمركز للشر والشيطنة، سوى أساليب رخيصة لإغراق سوريا في المزيد من المستنقعات خاصة مع المؤشرات التي توحي بإمكانية تغيرات تطال الجمود السياسي السوري. للجميع وللكل من يسعى للفتن وهدر الدماء وإهانة الكرامات، الكُرد والعرب لن يتقاتلوا، ولن يدخلوا في صراعاتٍ لأجل تناطح السياسيين أو غيرهم.
التعليقات (7)