ويبقى السوري معلق على الصليب!

ويبقى السوري معلق على الصليب!

الخطوة الأمنية والقضائية المتأخرة من السلطات التركية تجاه من يبثون الكراهية ضد اللاجئين السوريين والسياح العرب ويحرضون على العنصرية، لوحظ أنها أثمرت أيضا عن انخفاض ملحوظ بالمنشورات الكريهة التي تحض على ذلك، وهي خطوة مهمة وجيدة على الرغم من تأخرها كثيرا جدا ذلك أن هذا الخطاب لم يكن حديث العهد بل مضى عليه بضع سنوات، صلب فيه السوري وترك للسياط أن تعمل في جسده ماتعمل (!) . 

والسؤال الآن وقد زالت نشوة تلك الخطوة هو ما الذي جعلها متأخرة كل هذا الوقت ؟ ولماذا لم تقم السلطات الأمنية والقضائية بواجبها على نحو تلقائي دون انتظار كلمة السر من الرئيس الذي استشاط غضبا من اقتران صفة العنصرية بالدولة التركية في الخطاب الإعلامي لبعض المؤسسات الإعلامية بعد تواتر الحوادث العنصرية وتفاقمها، وهل تحتاج سلطات إنفاذ القانون لإذن خاص في ممارسة عملها المنوط بها بموجب الدستور والقوانين الوطنية رغم وجود المواد القانونية التي تجعل من تحركها واجبا لأنه جزء من وظيفتها في توفير الحماية والعيش والتنقل الآمن للناس .. كل الناس من مواطنين وسياحا ولاجئين ؟ ألا يعتبر امتناعها عن القيام بوظيفتها ومهمتها المنوطة بها بموجب القانون امتناعا عن القيام بعمل أوجب عليها القانون القيام به ، ويتعين مساءلتها على ذلك ؟؟. 

كان اللافت في هذه الخطوة أنها لم تأت قط عقب تعالي نبرة العنصرية تجاه السوريين والعرب على وسائل التواصل الاجتماعي حتى وصل الأمر لوصفهم بالقذارة والخيانة وأنهم ليسوا بشرا بل حيوانات، كما لم تأت عقب تهديدات بدت وشيكة الخطر تم التعبير عنها بكتابات على الجدران مقرونة بالصليب المعقوف رمز النازية، ولا عقب ملصقات تدعو العرب للعودة الى الصحراء، ولا عبر استهزاء يومي بالقيم الدينية والإسلامية .. وبالطبع والقطع ليس عقب اعتداءات بالأسلحة البيضاء والنارية على السوريين أسفرت عن مقتل ثلاثة منهم في أقل من أسبوع (!) . 

وكان اللافت ثانيا أن تلك الخطوة جاءت عقب حادثة الاعتداء على سائح كويتي قوبلت باستجابة حكومية عالية المستوى من الحكومتين، وعقب حملة ضارية على وسائل التواصل الاجتماعي تدعو لمقاطعة تركيا سياحيا وكذلك لمقاطعة بضائعها وهو ما أسفر عن إلغاء أكثر من 60 % من حجوزات السياحة الخليجية والعربية في تركيا، وكذلك إلى خروج الكثير من الرساميل والاستثمارات خارج تركيا التي لم تعد بالنسبة لأولئك بيئة آمنة للاستثمار.. وهو ما أدى لخسارة قدرت بخمسة مليارات دولار  بحسب ياسين أوكتاي الأكاديمي التركي في مقال له بصحيفة يني شفق التركية  (!) . 

إذا السوري المستباح لم يكن قط دافعا وسببا لمثل تلك الإجراءات وإلا لماذا لم تتخذ مثل تلك الخطوات قبل الآن رغم أن التحريض العنصري وخطاب الكراهية ضدهم وصل أوجه طوال السنوات الثلاث الماضية على الأقل ، ورغم أن الاعتداءات وجرائم القتل بحقهم لم يخل منها شهرا واحدا طوال تلك السنوات .. لقد كان المال والحد من الخسائر الاقتصادية والرغبة في الحفاظ على حسن العلاقات مع الدول العربية الخليجية الدافع الوحيد لها  ،  أما النوازع الإنسانية والأخلاقية فلطالما توارت عندما يتعلق الأمر بالسوريين  . 

وكان اللافت ثالثا ردود الفعل المتحفظة على تلك الحملة من قبل بعض قادة الأحزاب المعارضة، فإذا كان مفهوما أن يهاجم أوميت أوزداغ وقد طالت تلك الحملة بعضا من كوادر حزبه أو المناصرين له ولخطابه العنصري، فإنه من اللافت أن تصعّد السيدة ميرال اكشنر لهجتها ضد اللاجئين في كلمة لها بمدينة إزمير وأن تصدر وعودا بتخليص المدينة اللاجئين من ( الروائح ) ... مع حركة وضحكة هازئة توحي بالقرف من اللاجئين (!).. أما السيد سنان أوغان فقد اكتفى بالتواري وراء حرية الاعلام وصفة الصحفيين التي يحملها بعض الموقوفين لتبرير امتناعه عن دعم تلك الخطوة، وكأن الصحفي يملك حصانة تمكنه من قول مايشاء حتى لو كان كذبا وتضليلا وتحريضا.. وكأن حرية الرأي لم تنتهك بفظاظة في قضية الموز الشهيرة  !!! . 

خلاصة القول .. العنصرية داء صعب المراس ليس من السهل معالجته وتطهير الجسد الاجتماعي منه ، والمسألة أعمق جذورا  من أن تحال أسبابها لتضخم ووضع اقتصادي مأزوم .. هي جزء من التكوين المعرفي والثقافي الذي يتلقاه الطلبة في مناهجهم، وهي كذلك جزء من تاريخ مبتسر ومجمّل كثيرا عن حقائقه الثابتة التي لا يعرفها كثيرون من الأجيال المعاصرة .. وهي جزء من انغلاق لغوي واعلامي لم يعد جزءا من العالم المعاصر .. لذلك فمعالجة هذه الجائحة لا تكون فقط ولا يكتفى التعويل فيها على رابطة الدين الذي لايقيم هؤلاء العنصريون له وزنا، ولا على شواهد قبور مقبرة شهداء ( جنق قلعه ) حيث تنتصب آلافا منها تحمل أسماء سوريين كان لهم شرف انتصاراتها إلى جانب الأتراك  ربما يود العنصريون لو حطموها وغيبوها عن المشهد حتى لا ينسب لعربي جزء من ذلك الانتصار ... المسألة صارت تحتاج لحوار مجتمعي مفتوح ومسؤول ومديد ترعاه وتضطلع به مؤسسات حكومية وغير حكومية تتاح فيه لمختلف الأصوات والآراء والحقائق التاريخية المغيبة أن تبسط وتعرض وتناقش بهدف إعادة تشكيل وعي مجتمعي جديد على حقائق لطالما تعمدت الكثير من القوى والأدوات الحاكمة طوال عقود تغييبها عن وعي الناس ومساحات المعرفة لديهم  ، وإلى أن تتم مثل تلك الخطوة – إن تمت – يبقى السوري عرضة لسياط العنصرية وهو معلق على الصليب  (!)  . 

التعليقات (2)

    ابو عبدو

    ·منذ 6 أشهر 3 أسابيع
    كلام جميل كلام معقول ماقدرش اقول حاجة عنه

    سوري مُشرد

    ·منذ 6 أشهر 3 أسابيع
    و هل تركيا بإستثناء ؟ كل الدول تُفكر بمصالحها الإقتصادية قبل كل شيء و أما الأرواح البشرية فم يعُد لها قيمة في زمننا هذا .لا شك أن خسارة 5 مليارات دولار بسبب إلغاء حجوزات سياحية و سحب استثمارات قد دقت ناقوس الخطر فجعلت الأتراك يستدركون الوضع قبل فوات الأوان. لكن صراع الحزب الحاكم و المعارضة سيظل قائماً مابقيت تركيا على الخريطة و اللاجئون السوريون سيظلون الضحية و كبش الفداء و سيظل قدر هؤلاء اللاجئين أن يظلوا عُرضة للذل و المهانة والتشرد إلا من يتمكن منهم من تحسين وضعه بالهجرة إلى بلد تحكمه قوانين حقيقية تحترم الإنسان و كحالة فردية، أما كحالة عامة فلا أمل بحل لمشكلة اللاجئين السوريين لأن الكل متآمر عليهم و الكل مستفيد من عوزهم و تشردهم و حالتهم تدخل في نطاق الأجندة الدولية لتصفية أهل السنة في المنظور القريب.
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات