العشيرة.. النظام البديل

العشيرة.. النظام البديل

حين يهاجم المدافع فإنه يوجه ضربته أولاً إلى المكان الذي يستشعر منه الخطر الأكبر؛ وهذا تماماً ما فعلته قسد وفعله من قبلها النظام السوري منذ عهد حافظ الأسد مع العشائر العربية في الأرياف والجزيرة السورية.

عبر العصور تعارفت الناس على النظام القبلي (حكم العشيرة) وعرفته قبل أشكال كثيرة من أشكال الحكم التي ابتدعها الإنسان فيما بعد تبعاً لمصلحته البحتة، وهذا النظام كان ضامناً فعلياً في المجتمعات وبيده الحل والعقد وله مرجعية واحدة وقوانين سائدة لا يمكن تجاوزها تحت أي ظرف من الظروف.

وكغيره من الأنظمة؛ تضمّن النظام القبَلي العشائري سلبيات لا ينكرها عاقل، واشتمل على إيجابيات كثيرة لم تكن في صالح أصحاب الأطماع والنفوس الجشعة، ولذلك تمت محاربة العشائر بعدة طرق ووسائل ما زالت قائمة وتتطور.

من طرق محاربة العشيرة أن يحاول الحاكم ضمان ولائها بإعطاء زعيم العشيرة أو شيخها امتيازات أكبر من امتيازات غيره، وبالتالي زيادة قوة ونفوذ العشيرة بين مثيلاتها، وتقدمها عليهم فيصبح ولاء العشيرة للنظام الحاكم لضمان استمرار هذه الامتيازات.

ولم يكتفِ النظام بهذا الأمر فهو بحاجة لضمان ولاء أكبر عدد من العشائر إن لم يكن كلها؛ فكان يعطي الامتيازات للجميع أو لمن يظهر استعداداً للطاعة والولاء، ولكن هذه الامتيازات لم تكن متساوية، لكنها تضمن السيطرة على الجميع، حيث يتحكم بمساحة النفوذ المعطاة لكل عشيرة، وبالتالي يعرف متى يقوّي عشيرة ما ويعرف متى يضعفها حسب حاجته وما يخدم مصلحته، لقد كان النظام الحاكم كثيراً ما يزرع الفتنة بين القبائل والعشائر لضمان عدم استقرار مناطق وجودهم؛ لأنهم إن عاشوا الاستقرار لن يستطيع التحكم بهم والسيطرة على طريقة عملهم وتعاملهم.

ولأن المعطيات في تطور دائم فإنّ النظام أيضاً يطوّر أساليبه دوماً في تعاطيه مع ملف العشائر، وهذا ما فعلته قسد أيضاً؛ فبعد التوزع الجغرافي الجديد للقوى على الأرض السورية، بات الاعتراف بشيخ العشيرة سلاحاً يستخدمه الحاكم في كل منطقة ونفوذ، فصرنا نجد أكثر من شيخ وزعيم لنفس العشيرة، وهو أمر لم يعتده السوريون سابقاً، حيث إنّ كل قوة تعترف بشيخ يرعى مصالحها ويراعي أجنداتها، وبالتالي تعددت المشايخ والعشيرة واحدة.

والآن وبعد التصعيد العسكري بين العشائر وقسد من جهة، وبين العشائر والنظام من جهة، وبين العشائر ذاتها من جهة ثالثة، بات الأمر واضحاً وضوح الشمس؛ المرحلة الآن مرحلة القضاء على آخر بدائل الأنظمة الحاكمة، ألا وهو العشيرة التي بدأت تتشتت شيئاً فشيئاً، وبدأ يظهر جيل جديد لا يعرف ما هي العشيرة وما يعنيه نظام العشيرة المتمثل بأخلاقيات أبنائها وما تعارفوا عليه منذ القدم؛ خاصة مع موجة الهجرة التي ساهمت بالتغيير الديموغرافي والفكري في سوريا وأثّرت بشكل كبير على النسيج الاجتماعي لكل منطقة.

الدعوة هنا ليست لتأييد فكرة المناطقية إطلاقاً؛ لكن من المعروف للجميع أنّ الضامن في الأزمات كالحروب أو الكوارث هو حكم أو إدارة المنطقة، وهذا ما يتم التدريب عليه دولياً، والعشيرة نظام أشمل وأقوى لما في من صلة القرابة والدم، فلماذا تتم محاربة نظام العشيرة بهذا الشكل وهو النظام البديل الحقيقي والأكثر ضماناً في سوريا حالَ انهيار الأنظمة الحاكمة فيها وهو انهيار بات قريباً جداً يكاد يكون بين عشيّة وضحاها؟

هذا السؤال يجب أن يكون في بال أبناء العشائر في الجزيرة السورية حاضراً لا يغيب عنهم؛ لأن الإجابة عليه هي التي سترسم مستقبلهم القريب مع الوعي إلى ضرورة التعامل مع الوقائع بحكمة، طالما كان للحكمة سبيل لا يمس بالمبادئ الأساسية التي قامت عليها العشيرة التي ستكون بلا شك النظام البديل في سوريا في قادم الأيام.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات