3 أسباب تدفع النازحين السوريين للجوء إلى البيوت الطينية

3 أسباب تدفع النازحين السوريين للجوء إلى البيوت الطينية

لجأ بعض النازحين في الشمال السوري إلى (دق) الطوب الطيني بديلاً عن البلوك الإسمنتي، لرخص ثمنه وتوفر مواده الأولية وإقبال النازحين على شرائه بهدف استخدامه في البناء، وذلك بعد أن طال بهم النزوح وغاب أمل العودة وسط تصعيد عسكري لميليشيا أسد وداعميه في المنطقة.

ولم يكن يخطر على بال "أبو صطوف فرحات" الرجل الستيني أنه سيسكن بيوت الطين من جديد، بعد أن كان يدخل إليها صغيراً ليزور جده في بلدته معرة شمشة بريف المعرة الشرقي، فهو قد نزح إلى جبل سرمدا منذ أربع سنوات، وبنى لعائلته وعائلة أخته الأرملة بيوتاً صغيرة من طوب الطين قريبة من أحد الشوارع الرئيسية، ضمن أملاك (المشاع) كما سماها. 

وفي حديثه لأورينت نت، أكد "أبو صطوف" أنه استحدث ورشة صغيرة في المكان وأحضر عدة بسيطة مكونة من (قطع خشبية صغيرة ورفوش وفؤوس وكومة من التراب وكيس خيش من التبن الناعم)، ثم بدأ بصب الطوب والانتظار 3 أيام حتى يجف، تبعها شروعه بالبناء بمساعدة أبنائه لتوفير أجرة اليد العاملة، وحين وصل للسقف وضع عليه أغصان الشجر وفوقها غطاء قماشي (شادر).

وأضاف الستيني السوري أنه منذ أجبرته ميليشيا أسد وطيران الاحتلال الروسي على النزوح، وهو يتنقل بين البيوت المستأجرة، حيث يطالبه كل فترة مالك البيت بالإخلاء بحجة أنه سيزوج ابنه ولكن الحقيقة أنه يرغب برفع الأجرة، كما إن وضعه المادي الضعيف وصعوبة العيش في المخيمات أرغمته على اللجوء إلى هذه المنطقة وبناء البيوت الطينية فوقها لتؤويه وتحميه مع عائلته.

وتابع أن ميليشيا أسد أرجعتهم إلى قرن مضى، حيث إن بيوت الطين والحجر في الريف السوري كانت تنتشر بشكل كبير قبل ظهور الإسمنت والحجر المنحوت، لكنها أصبحت من ذكريات الماضي، وبسبب حاجة الناس إلى مأوى اقتصادي في ظل الحرب عادت هذه البيوت إلى الظهور من جديد في مناطق النزوح.

 

ولفت "أبو صطوف" إلى أن ما يميز بيوت الطين، هو بساطتها وسهولة بنائها، وتوفر معظم مكوناتها في الطبيعة؛ فالحجارة موجودة في كل مكان، وكذلك التراب والتبن، كما إنه استغنى عن اليد العاملة، حيث شاركه العمل كل أفراد عائلته، موضحاً أن هذه البيوت باردة صيفاً ودافئة شتاء، وتبقى في كل الأحوال أفضل من الخيام التي غالباً ما تتعرض للتمزق بفعل الرياح الشديدة إضافة إلى خطر الحريق.

وبيّن أنه انتشرت مؤخراً في أرياف إدلب الغربية والشمالية بعض الورشات الصغيرة التي تصنع الطوب الطيني، وخاصة بعد الزلزال الأخير الذي ضرب المنطقة، والذي أثبتت البيوت الطينية من خلاله مقاومتها للزلازل وعوامل الجو المختلفة.

وفي إحدى هذه الورشات قرب بلدة كفرحوم من ريف حارم الغربي، التقت أورينت نت "حمادي العسكر" صاحب الورشة وسألته عن السوق وأسباب العودة إلى طوب الطين فكان جوابه، أن صناعة طوب الطين مهنة قديمة متجددة، انتشرت هذه الأيام بسبب ظروف الحرب والتهجير والضجر من السكن في الخيم، إضافة لغلاء بلوك الإسمنت الذي يصل للضعف.

ووصف العسكر عملية صناعة الطوب من الطين بالسهلة، حيث تعتمد على "غربلة" التراب لإبعاد الشوائب عنه، ثم مزج التراب مع التبن والماء ويوضع المزيج في قالب مربع من الخشب، أبعاده 40 سم طولاً و25 سم عرضاً و20 سم ارتفاعاً، ثم يوضع تحت أشعة الشمس عدة أيام حتى يجف تماماً، وبعد جفافه تتم عمليات استخدامه في البناء، وبنفس طريقة بناء البلوك الإسمنتي.

ولا يقتصر تصنيع الطوب الطيني على مناطق إدلب، بل وصل حتى جرابلس التي نزح إليها أحمد المطير (70 عاماً) وعائلته من مدينة سفيرة قبل عدة سنوات حيث يقول متألماً: إنه ليس هناك ما يعوض خسارة البيت الذي تربى فيه الإنسان وأنشأ ذكرياته، لكن الوضع الحالي أجبره على صنع بلوكات طين لبناء غرفة تستره وترد عنه الحر والبرد حتى يعود لبيته.

 

يذكر أن موجة الحر الأخيرة وغير المسبوقة التي ضربت المنطقة وامتدت عدة أسابيع، أرغمت العديد من العوائل على ترك الخيام التي تحولت إلى ما يشبه الفرن، والانتقال إلى مكان يقيهم من لهيب هذا الجو، فكانت الغرف الطينية هي الحل الأنسب، الأمر الذي أسفر عن زيادة الطلب على الطوب الطيني. 

من جهته، أكد المهندس المعماري "حسين الأيوب" والذي هُجر أيضاً من ريف سراقب، أن بيوت الطين والحجر كانت موجودة في كثير من المناطق السورية، وتشير إلى مراحل الاستيطان البشري الأولى قبل ظهور الإسمنت والمواد الخرسانية، لكن الآن هناك قرى طينية كاملة ظهرت في الشمال السوري وكلها مبنية من الطين.

وأوضح أن هذه البيوت ظهرت بالتزامن مع الخراب الذي حل في معظم المناطق التي تعرضت للإجرام الروسي والأسدي في سوريا حتى إنها وصلت مناطق سيطرة مليشيا أسد بسبب الفقر المدقع كبديل عن المساكن الإسمنتية، وكحل لمشكلات تأمين مأوى مناسب للنازحين الذين تزايد عددهم بسبب الحرب بشكل كبير.

ودلل "الأيوب" على أهمية البيوت الطينية، من خلال قيام بعض المنظمات الإنسانية بالتعاون مع "الهلال الأحمر القطري"، بتنفيذ عدة مشاريع قرى مبنية من الطين الخالص والتبن في محافظة إدلب، بهدف تأمين مساكن مناسبة للنازحين، وهي مصممة على طراز حديث ومدروسة بشكل جيد، كما إنها مزودة بجميع الخدمات الضرورية، ومنظمة على غرار القرى الإسمنتية الحديثة، والتي أثبتت تماسكها من خلال صمودها أمام الزلزال.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات