الموقف الأمريكي ومحدّداته من انتفاضة العشائر العربية ضد قسد

الموقف الأمريكي ومحدّداته من انتفاضة العشائر العربية ضد قسد

لا تزال محددات السياسة الأمريكية من انتفاضة العشائر العربية شرق الفرات ضد ما يسمى (قوات سوريا الديمقراطية) غير واضحة وجلية، فهذه القوات والتي يُطلق عليها اختصاراً تسمية "قسد"، هي قوات تنفّذ سياسة معادية للعشائر العربية ومصالحها في هذه المنطقة.

ويمكن القول إن انتفاضة العشائر هي انتفاضة لها أبعاد سياسية واقتصادية وأيديولوجية، وإن قراءة موضوعية وهادئة لهذه الانتفاضة، يمكنها إضاءة بنيتها واتجاه حركتها وآفاقها النهائية، هذا من جهة، أما من جهة ثانية، فانتفاضة العشائر تستدعي معرفة الموقف الأمريكي منها، سيما، وأن قوات للولايات المتحدة موجودة على الأرض في هذه المنطقة.

إن انتفاضة العشائر العربية في دير الزور على الضفة اليسرى لنهر الفرات، يمكن اعتبارها صراعاً بين عشائر عربية ترفض سياسات ميليشيا "قسد" على كل الأصعدة الرئيسية، فقسد، التي يقودها كوادر حزب العمال الكردستاني PKK المصنف إرهابياً على اللوائح التركية والغربية، تتبع سياسة إخضاع هذه المناطق العربية لإرادتها الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية، وهو أمر يدفع هذه العشائر لرفض هذه الإرادة، لأنها تتناقض مع بنيتها ومصالحها.

ميليشيا قسد التي اختلفت مع أحمد الخبيل "قائد مجلس دير الزور العسكري" ومع مجلس محافظة دير الزور السياسي، كانت تريد أن ترتّب بنية هذين المجلسين بما ينسجم مع مصالحها الإستراتيجية المتوسطة أو البعيدة، بحيث تلغي قسد كل دور مستقل لهذين المجلسين، وتلحقهما مباشرة بما يسمى "الإدارة الذاتية".

العشائر العربية في دير الزور عانت كثيراً من انتهاكات ارتكبها أحمد الخبيل، والمعتقل حالياً لدى قسد، وهي بالتالي، لم تنتفض من أجله، بل انتفضت من أجل خصوصية سكان المنطقة، وهم كلهم من العرب.

تريد العشائر العربية أن تعيد تشكيل قيادات مجلس دير الزور العسكري المتحالف مع ميليشيا قسد، بما يخدم أمن المنطقة واستقلالها النسبي المؤقت، ريثما يتم الانتقال السياسي في سوريا، وتريد أيضاً أن يتم تشكيل المجالس المحلية للبلدات والمدن والقرى دون تدخل من قسد.

هذا يعني إعادة توزيع الثروة في هذه المنطقة، بما يستجيب لمصالح أهلها، وهو أمر ترفضه قسد، لأنه يقف ضد نهبها لبترول المنطقة بشقيه النفطي والغازي، وكذلك ترفض العشائر البرنامج التعليمي الذي فرضته قسد، خصوصاً، بما يتعلق بمواد التاريخ والجغرافيا ومفهوم الوطنية ومادة التربية الإسلامية.

إذاً، يمكننا القول: إن التناقض بين ميليشيا قسد والعشائر العربية كبير، وهو من يقف خلف انتفاضتها، وبالتالي، فهذه الانتفاضة ستؤثر بدون شكٍ على سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا والمنطقة، أي على إستراتيجيتها المعلنة ضد إيران، وهو ما تسعى إليه لحصارها في سوريا عبر قطع الممر البرّي القادم من العراق عبر منطقة البوكمال وصولاً إلى منطقة التنف على الحدود السورية الأردنية العراقية المشتركة في هذه النقطة. 

الولايات المتحدة التي تشغّل ميليشيا قسد كذراع لمحاربة داعش، لا يمكنها الركون لها بمهمة قطع هذا الممر البرّي، الذي تستخدمه إيران في الاتجاهين لصالح إستراتيجيتها المبنية على الهيمنة على المنطقة، بسبب أن قسد ترتبط بمصالح اقتصادية مع إيران والنظام، وبالتالي فإغلاق الممر البري سيكون خسارة لها.

إذاً مهمة قطع الطريق البري بين سوريا والعراق تعتبر مهمةً أساسية في إستراتيجية الولايات المتحدة بهذا الشأن، وإن اعتمادها على العشائر العربية في المنطقة هو سبيلها الوحيد لتحقيق إستراتيجيتها، وهذا يتطلب منها أن تعيد النظر بموقفها من سياسة قسد حيال العشائر العربية.

ميليشيا قسد ليست في موضع خلق تناقضات بينها وبين مشغلتها الولايات المتحدة الأمريكية، فإذا ذهبت إلى حدّ الوقوف بوجه الإستراتيجية الأمريكية، فهي ستخسر كل دور لها، وبالتالي ستجد نفسها عارية أمام الأتراك في مناطق شرق الفرات أو في منبج، وهي فرصة إذا ما سنحت لتركيا، ستمنحها القدرة على سحق هذا التنظيم المعادي لها على حدودها مع سوريا.

الأمريكيون، إذا ما أرادوا إنصاف العشائر العربية ولو بالحدّ الأدنى، ينبغي عليهم رسم محددات سياساتهم تجاه هذه العشائر، وحدود استقلالها النسبي عن سلطات "الإدارة الذاتية الكردية"، التي يشرف عليها ويتحكم بهيمنتها تنظيم PKK، فإذا لم يفعلوا ذلك، فإنهم سيبقون على التناقض العميق بين العشائر العربية وقسد.

إن الولايات المتحدة الأمريكية سترتكب خطأً إستراتيجياً في تقييم طبيعة التناقض المذكور، وهي بذلك، ستُبقي جمر التناقض تحت رماد التسكين المؤقت الذي فرضته، ولن يكون بإمكانها إغلاق الممر البري بين العراق وسوريا بدون تعاون فعّال مع العشائر العربية.

الولايات المتحدة لن يمكنها وقف حرب (العصابات الثورية) التي يشنها مقاتلو العشائر ضدّ قسد، فهذه الحرب محقّة تتعلق بحقوقهم السياسية والإدارية والاقتصادية والإيديولوجية، وبالتالي فهذا المجهود العسكري وردّ فعل ميليشيا قسد عليه، سيؤثّر على سياستها، وربما يعيقها، مما يفُشل هذه السياسة لصالح خصومها الإيرانيين والروس.

وكي يمكن للولايات المتحدة من تنفيذ رؤيتها الإستراتيجية حيال الممر البري بين العراق وسوريا، ينبغي عليها منح العشائر العربية استقلالها النسبي عن قسد، وهذا يعني أن مجالسها المحلية يمكن انتخابها محلّياً دون تعيينات أو تدخلات من ميليشيا قسد.

كذلك لن تشعر القبائل العربية باستقلالها النسبي بدون سياجٍ حامٍ لها ولمصالحها في مناطقها، وهذا يتطلب إعادة تشكيل مجلس دير الزور العسكري، بحيث يصبح تعبيراً عن إرادة مجموع العشائر العربية الموجودة في دير الزور شرق الفرات، وليس حكراً على قائد لهذا المجلس مثل أحمد الخبيل، والذي أساء للعشائر العربية خارج عشيرته، وارتكب انتهاكات قتل واغتصاب مثبتة عليه.

الولايات المتحدة يجب أن تُبعد عن الملف السوري شخصيات مثل روبرت مالي وبريت ماكغورك واللذين ينحازان، أولهما لإيران، والثاني لميليشيا قسد.

إن الحل السياسي على أساس القرار الدولي 2254 هو الوحيد الكفيل بحل تناقضات الوضع الذي يتجاذب القضية السورية، فإذا أرادت الولايات المتحدة دفع المنطقة للتحالف معها على إستراتيجياتها البعيدة، فعليها أن تتبنى فرض الحل المذكور على الأطراف الرافضة له، أو التي تتهرب من استحقاقاته مثل نظام أسد.

فهل تعيد الولايات المتحدة رسم محددات سياساتها بما يتواقف ومصالح الشعب السوري؟، أم ستُبقي دورها بعيداً عن الحسم في حلّ هذه القضية المعقدة؟

 

التعليقات (1)

    Samir Twair

    ·منذ 7 أشهر 3 أيام
    ممتاز
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات