قيادة "معارضة" تجرّنا نحو القاع

قيادة "معارضة" تجرّنا نحو القاع

ما تضمّنته الرسائل المسربة من محاضر اجتماع الهيئة السياسية بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وما قالته السيدة "ربا حبوش" على إحدى شاشات الفضائيات، شكل صدمة قاسية للمواطن السوري الذي ضحى بكل ما يملك كرمى لثورته لكنه فُجع بقيادة لا تختلف كثيراً عن السلطة الأسدية التي ثار الشعب السوري ضدها.

وعدا عن قذارة أسلوب التفويضات الذي تحدثت عنه "حبوش" _ وكانت في حينها تشغل منصب نائب رئيس الائتلاف_ وتلك المصادرة لأصوات الأعضاء وخياراتهم، بحيث يسيطر بعض أعضاء من الائتلاف لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة يسمّون (جي فور أو جي فور زائد واحد) على معظم الكتلة الانتخابية في الائتلاف عبر توكيلات وخضوع لتلك الحفنة، فيسيدون ويميدون ويتخذون من القرارات ما يشاؤون.

وبعد تكتيك تبديل الطرابيش كتجربة ديمقراطية فريدة عبر تبادل المناصب، علت بعض الأصوات لتقول ليس هناك توافق على انتخاب "هادي البحرة" رئيساً للائتلاف، خرج أحد أعضاء الكتلة المتحكمة بالائتلاف ورئيس الحكومة المؤقتة المنتهية ولايته منذ عامين "عبد الرحمن مصطفى" ليقول للجميع وعلى عينك يا تاجر: بالصرماية ستجتمعون يوم الثلاثاء 12 أيلول، وبالصرماية ستنتخبون هادي البحرة رئيساً.

وانتخابات "الصرماية" سارت وفق مشيئة هؤلاء وعُيّن البحرة رئيساً وعُيّن النواب والأمين العام وفق سيناريو "الصرماية" الذي رسمه رئيس الحكومة المؤقتة المعظّم، لكن ما تم كشفه لاحقاً عبر معلومات عن قيام "بدر جاموس" بإلزام الأعضاء باطلاعه مسبقاً على الأسماء التي سيصوتون لها، والخوف من عدم حصول هادي البحرة على النسبة الكافية لتعيينه، حيث قدّم عدد من أعضاء الائتلاف استجوابات لـ"البحرة" بشأن ذلك لكنه رفض النظر فيها، وكان من ضمنها رسالة بعث بها الدكتور نصر الحريري الرئيس الأسبق للائتلاف وهيئة التفاوض جاء فيها:

«الأستاذ هادي البحرة، عضو هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية، عضو اللجنة الدستورية المصغرة، عضو اللجنة الدستورية، رئيس اللجنة الدستورية، ممثل الائتلاف في صندوق الائتمان، رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، السادة النواب، السيد الأمين العام:

لديّ سؤال لحضراتكم أتمنى الحصول على إجابة رسمية له: هل صحيح أن الدكتور بدر جاموس رئيس ‎هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية وأثناء إجراء انتخابات الائتلاف الأخيرة، كان واقفاً على الصندوق الذي توضع فيه أوراق الاقتراع، وكان يقوم بفتح أوراق الاقتراع التي يقدمها الأعضاء، منفردين أو بالتفويض عن آخرين، ويتأكد من الأسماء المكتوبة في الورقة قبل وضعها في الصندوق؟.
 
سقطات الائتلاف لم تتوقف عند هذا الحد وكأنهم فلتوا من عقالهم، فخرج أحدهم ليهاجم كل محطات الإعلام المحسوبة على الثورة وكذلك المعارضين ممن لا يتفقون مع إستراتيجية "الصرماية" التي تسيّر الائتلاف والمعارضة السورية ووفودها التفاوضية، ولم يسلم منه حتى الناشطون.

واعتبر "بهجت الأتاسي" عضو الهيئة السياسية بالائتلاف الوطني عبر تسجيل صوتي موثق، أن المحطات التلفزيونية التي تغطي الثورة السورية (أورينت، تلفزيون سوريا) وكل معارض أو إعلامي لا يقبل بسياسة التبعية وبيع القضية السورية (كما يريد الائتلاف والحكومة المؤقتة)، هم عملاء ومأجورون وتم شراؤهم بالدولار ويدسّون السم بالعسل على حد تعبيره.

لكن المستغرب ألا أحد يعلم لمن يوجّه "بهجت الأتاسي" رسالته، باعتبار أن الشمال السوري بكتلتيه (المقيم والنازح) يعتبر الائتلاف ولداً لقيطاً لا ينتمي للثورة السورية، خاصة بعد ما طال رئيسه وبعض أعضائه أثناء محاولتهم الدخول لإحدى ساحات مدن الشمال، حيث تم سحبهم على وجه السرعة قبل وقوع المحظور والاكتفاء بما نالوه من لكمات وبعض صفعات الأحذية التي لاحقتهم حتى السيارة التي قامت بالهروب بهم خارج المنطقة.

الأخطر لم يأتِ بعد

في هذا الإطار كتبت الإعلامية والباحثة في العلوم السياسية "صبا مدور" تقول: الأخطر أن الأمر لم يكن مجرد لهاث خلف سلطة الائتلاف، ولا مجرد انشقاق في قمة الجسد السياسي الأساسي للثورة، بل هو كما يبدو مقدمة لتنفيذ أجندة سياسية تُفرض على الجميع في مرحلة فاصلة يمكن أن تشهد تسويات وتنازلات، لن نستغرب إن شملت القبول ببقاء "بشار الاسد" حاكماً لسوريا، مقابل مطالب هامشية، كثير منها منافع لذات الشخصيات المتسلقة.

ويتوافق الصحفي السوري "عقيل حسين" مع الإعلامية مدور حيث كتب يقول: "يرجّح البعض أن تكون المرحلة هي المصالحة بين مؤسسات المعارضة الرسمية مع نظام ميليشيا أسد، وخاصة أن كل المعترضين على تسلم البحرة حقيبة رئاسة الائتلاف، حاولوا إقناع الجانب التركي بأن وضعه في هذا المنصب يمكن أن يفجّر الأمور داخل المؤسسات وفي أوساط الرأي العام، لكن مع ذلك أصرّت أنقرة عليه، كما فعلت عندما أصرت على أن يبقى بدر جاموس رئيساً لهيئة التفاوض".

ويتوقع هؤلاء أن تكون تركيا قد تعهدت للجانب الروسي بتهيئة هذه المؤسسات من أجل الوصول لاتفاقية المصالحة، وأنها بعد التمديد لجاموس في رئاسة هيئة التفاوض، كان لا بد لها من تعيين هادي البحرة في رئاسة الائتلاف، بينما لا يوجد أي ضرورة لإحداث تغيير فيما يخص رئاسة الحكومة المؤقتة، ليكون الرؤساء الثلاثة موافقاً عليهم من قبل الروس.

تكتيك "التطنيش" الذي مارسه جمهور الثورة في المراحل السابقة تجاه كل المؤسسات التي كانت محسوبة على الثورة (ائتلاف، وفود تفاوضية، حكومة مؤقتة) لم يعُد مُجدياً، فالكارثة باتت على أعتاب ثورتنا، والتنازل للأسد بات قريباً، وضياع كل شيء أصبح مُخيفاً، وعلى جمهور الثورة الذي ثار ضد أعتى سلطة ديكتاتورية في العالم، أن يعيد الكرة مع هؤلاء ممن يدفعنا نحو القاع، وإلا سنجد أنفسنا نندب على الأطلال ونقول: وكأنك يا أبو زيد ما غزيت.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات