مع استمرار موجة العنصرية وغلاء المعيشة والمستقبل المجهول الذي بات يُهدّد غالبية السوريين الموجودين في تركيا، بات الطلاب السوريون وذووهم في حالة من القلق الدائم في ظل القرارات الجديدة التي تخص قضيتهم ووجودهم المشروع على الأراضي التركية.
ورغم أن معظم الطلاب السوريين الذين التحقوا بصفوفهم هذا العام، يذهبون إلى المدارس التركية الحكومية أسوة بأقرانهم الأتراك، إلا أن قسماً كبيراً من الأهالي، اشتكوا من عدم المساواة والتتميز على حساب أبنائهم من بعض الكوادر التدريسية والطلاب، وهو ما شكّل لديهم هاجس خوف مستمر من ظلم قد يتعرضون له "دون رقيب أو حسيب".
وقال "حسن الخليل" المدير التعليمي والتربوي لمعهد زيتونة السلام في إسطنبول لـ أوينت نت، إن المخاوف التي تؤرق الطلاب السوريين هذا العام ازدادت بشكل كبير، مشيراً إلى أنها تعود لعدة أسباب منها سياسية واقتصادية واجتماعية.
الأسباب السياسية
يرى الخليل من خلال متابعته واحتكاكه اليومي بالطلاب وذويهم، أن قسماً كبيراً من أهالي الطلاب يخشون من توجّه الحكومة التركية للتطبيع مع نظام أسد من جهة وإعادة أكبر عدد من اللاجئين السوريين إلى الشمال السوري من جهة أخرى، وهو ما يثير رعباً حقيقاً لدى الجميع لما يترتب على هذه السياسة من تدمير لمستقبل دراسي يحاولون بناءه منذ سنوات.
الأسباب الاقتصادية
أما عن الأسباب الاقتصادية، فيرى "الخليل" أن هذا العام لم يكن كغيره بالنسبة لكثير من الأسر محدودة الدخل، فالتكاليف اللازمة لتجهيز الطالب ومتابعته تضاعفت بشكل لا يستطيع تغطيته قسم كبير من الأهالي الذين يعتمدون في معيشتهم على الحد الأدنى من الأجور، مشيراً إلى أن هذا ما دفع بعضهم لإخراج أحد الأبناء من المدارس وزجه بإحدى الورشات أو المصانع لمساعدة والده بتغطية التكلفة الباهضة التي باتت تحتاجها أي أسرة للعيش في تركيا.
الأسباب الاجتماعية
ولعل من أكثر الأسباب وضوحاً وأقربها إلى المعاناة اليومية هي الأسباب الاجتماعية، حيث أكد "نبيل حمادة" وهو أحد المعلمين السوريين في إسطنبول ممن واكبوا الطلاب السوريين منذ لجوئهم إلى تركيا حتى دمجهم بنظام التعليم التركي، أن ظاهرة التنمّر والعنصرية وازدياد خطاب الكراهية تجاه السوريين باتت الحديث شبه اليومي للطلاب وأهاليهم.
وأضاف: "دفع ذلك عدداً من العوائل للهجرة نحو أوروبا أو مصر هرباً من العنصرية، وبحثاً عن مستقبل أفضل وغالباً ما يذهب الأب أولاً وتبقى الأسرة في تركيا بانتظار لم الشمل، وهذا ما يُجبر أحد الأبناء أو الزوجة للعمل بسبب غياب المعيل"، مشيراً إلى أن كل هذه الأسباب مجتمعة أدت لعزوف الكثير من الطلاب في المراحل ما قبل الجامعية عن الدارسة، وباتت أعداد السوريين الملتحقين بالمدارس التركية تقل يوماً بعد يوم، أما بالنسبة للتعليم الجامعي فالحال أسوأ والمخاوف أكبر.
الوضع "حسّاس" ولا حلول في الأفق
ويصف "محمد السكري" الأمين العام لاتحاد طلبة سوريا في حديثه لـ أورينت نت، وضع الطلاب السوريين في تركيا بـ "الحساس"، مشيراً إلى أن سعيهم الحثيث يتركز على حلول تساعد أكبر عدد ممكن من الطلاب على تجاوز عقبة الأقساط الباهظة، ومن خلال عقد اجتماعات مع عدة جمعيات ومنظمات ومؤسسات دولية وحكومية أهمها وزارة التربية التركية ومفوضية الأمم المتحدة في إسطنبول، لافتاً إلى أن الأخيرة أخبرت الاتحاد بأنه لن يكون أي تغيير على المستوى القريب، خاصة مع تغير سياسة الحكومة التركية تجاه اللاجئين والمهاجرين.
وذكر: "البدائل محدودة جداً، حيث يسعى الاتحاد إلى التواصل مع الجمعيات السورية لتوفير منح جزئية أو كاملة للمتوفقين، تساعدهم في متابعة تعليمهم الجامعي".
ضاع الحلم
شهد العام الجديد تغيراً مفاجئاً في سياسات عدة جامعات تزامناً مع احتقان الوسط السياسي بشكل خاص حول قضية اللاجئين السوريين، فعلى سبيل المثال فقد رفعت جامعة "Ege Üniversitesi" قسطها لطلبة الطب البشري من 50 ألف ليرة تركية إلى 10 آلاف دولار أمريكي، ليس هذا فقط بل اشترطت على الطلاب المسجلين في العام الفائت دفع القسط عن العامين الماضي والحالي لمتابعة تعليمهم.
وأكد "فراس العلي" وهو طالب في قسم الطب البشري في جامعة Sağlık Bilimleri Üniversitesi لـ أورينت نت، أن "هذا القرار المفاجئ أدى لصدمة كبيرة للطلبة الأجانب وخاصة السوريين، ودفعهم لترك الجامعة ليضيع حلم كبير سعوا لأجله ويذهب جهدهم لعام كامل هباءً منثوراً، فلا قدرة لهم على تأمين أقساط جامعتهم.
وتابع: "معظم الجامعات التركية بما فيها جامعته رفعت قيمة أقساطها لكل الاختصاصات وخاصة الطب بما يزيد عن 100 ألف ليرة تركية بكثير، منوهاً إلى أن هذه القرارات كلّفت بعض الطلاب حلم حياتهم وسنين دراستهم ليتركوا جامعاتهم ويتجهوا إلى سوق العمل بمهن بعيدة عن اختصاصاتهم، وفي أفضل الأحوال اختاروا فرعاً لا يرضي طموحهم ولكن يمكنهم دفع أقساطه".
أما عن النتائج البعيدة المتوقعة لهذا القرار، فيؤكد الطالب فراس أن هذه القرارات ستؤثر على جودة الطلاب الأجانب بعموم الجامعات التركية، ما يحصر دراسة الاختصاصات الطبية بين طلاب طبقة اجتماعية واحدة ويجعل الغني يدخل بأمواله إلى الجامعات الحكومية وبالنتيجة يحرم النخبة التي تحصد أعلى الدرجات في امتحان القبول الجامعي والتي كان أغلبها من السوريين من دراسة الطب.
أحضّر للجامعة التي قد لا أستطيع دخولها
أما بالنسبة لطلاب الثالث الثانوي (البكالوريا) من السوريين، والذين بدؤوا مبكراً هذا العام بالتحضير لامتحان القبول الجامعي للطلاب الأجانب "YÖS"، فلم تكن صدمتهم أقل ممن سبقوهم إلى مقاعد الجامعات هذا العام.
وقال الطالب السوري "عمر أحمد" في حديثه لـ أورينت نت: "لقد تراجع مستواي في دراسة " اليوس" بعد أن صُدمت بأقساط الجامعات هذا العام، وأشعر أني أحضّر لجامعة قد لا أتمكن من دخولها إلا بمنحة، فحلمي هو دراسة الطب وأراه يتبخر أمام عيني، فأبي لا يستطيع تحمل تكلفة نصف هذه الأقساط، أفكر الآن بالسفر نحو أوروبا ومتابعة دراستي هناك.
وكانت الحكومة التركية قد ألغت قرار إعفاء اللاجئين السوريين من دفع أقساط الجامعات عام منذ العام الدراسي 2020/2021، وتركت الخيار مفتوحاً أمام رئاسة الجامعات لتطبيقه تدريجياً، لتبدأ بعض الجامعات بمطالبة السوريين بدفع الأقساط مباشرة فيما تأخرت أخرى عن هذه الخطوة، فيما ألغت بعض الجامعات الإعفاء تزامناً من رفعها للأقساط، ما يزيد الضغط على الطالب السوري.
التعليقات (3)