هل من نوح.. وسفينة للسوريين؟

هل من نوح.. وسفينة للسوريين؟

يكاد لا يمر يوم واحد على السوريين في تركيا دون أن يتعرض أحد منهم لاعتداء لفظي أو بدني بدوافع عنصرية، وبالكاد تسمع أو تقرأ عن إجراء قضائي تم اتخاذه من قبل السلطات لمواجهة مثل تلك الاعتداءات. ولربما يتعين علينا التماس بعض عذر لها، فهي لا تستطيع حبس نصف شعبها على الأقل لأنه يتصرف بعنصرية!!.

اليوم لم يعد خطاب الكراهية للسوريين وللعرب عموماً يقتصر على مجرد كلمات ينشرها قائلها على صفحته الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، بل تحولت لجزء من سلوك مجتمعي يمارسه قطاع لم يعد صغيراً من المجتمع التركي، بعض هذا السلوك انتقل إلى فعل عدواني واعتداءات بدنية بعضها أفضى إلى موت المعتدى عليه، وهذه الأفعال لا تلقى الاستجابة القانونية اللازمة والزاجرة من قبل السلطات المنوط بها توفير الحماية لجميع من يعيش على أرضها وتوفير العيش الآمن والطمأنينة المجتمعية. 

مشكلة العنصرية المستجدة في تركيا أنه بدأ يظهر لها أنياب، وبدأت مجموعات فاشية تطل برأسها وفق ما تداولته ونشرته صحيفة يني شفق وقناة Halk TV التركيتين عن قيام مجموعة من المتطرفين برفع علم النازية والتقاط صور يعلنون فيها تحديهم الواضح للسلطات وموجهين رسالة قاسية أن اعتداءاتهم لن تقتصر على اللاجئين فحسب بل ستشمل حتى المتدينين الأتراك، وبالتالي لم تعد العنصرية قاصرة على السوريين بل طالت أظافرها لتشمل العرب، ثم بدأت تتغول على أتراك آخرين من المحافظين لمجرد أنهم يرتدون الحجاب! كما حصل مؤخراً مع سيدة تركية محجبة تعرضت لاعتداء لفظي مشين من سيدة تركية أخرى في أحد المشافي التركية، وتلك مؤشرات خطيرة بلا شك، وإرهاصات أولى لحالة احتراب أهلي – لا قدّر الله - ربما يسعى إليها أولئك المتطرفون العنصريون، وبالتالي فإنه ما لم تتلمس السلطات خطورة ما يحصل وخطورة العتبات التي وصل إليها المتطرفون العنصريون وتتخذ ما يلزم من إجراءات قانونية زجرية وقاسية، فنحن مقبلون على كارثة محققة لا يحول دونها الدعاء والابتهال إلى الله.

الحقيقة أن مشكلة العنصرية ليست هي الوجع الوحيد الذي يعانيه السوريون الآن في تركيا، وإنما يضاف لهذا الجرح ملح الإجراءات والقرارات التي لا تنتهي بعضها المتعلق بإعادة تنظيم وضبط أوضاعهم القانونية، وبعضها لا يمكن قراءته إلا بوصفه إجراءات يقصد منها التضييق على السوريين وخنق حلمهم بإمكانية الاستقرار وبناء حياتهم في أسس مستدامة،

ولا يمكن فهمها أيضاً إلا كرسالة تقول لهم أيها السوريون إن تركيا لن تكون لكم مستقراً فعودوا من حيث أتيتم أو غادروها إلى أي وجهة تقبل بكم، وشهور العسل التي عشتموها هنا قد انتهت وولّت إلى غير رجعة.    

 وفق التصريحات الرسمية فقد بلغ عدد السوريين الذين عادوا طوعاً (أو بمعنى أصح أعيدوا قسراً) إلى بلدهم أكثر من 600 ألف سوري، وبحسب رئاسة الهجرة التركية فقد بلغ عدد المغادرين (المُرحّلين) السوريين 21634 سورياً خلال شهر آب/ أغسطس الماضي، أي بمعدل 721 شخصاً يومياً! فيما بلغ مجموع السوريين المغادرين (المُرحّلين) منذ أوائل العام حتى الآن 205894 سورياً تم نقلهم جميعاً إلى مناطق شمال غرب سوريا! كل ذلك ولم يبدأ بعد مشروع العودة (الطوعية والآمنة) لمليون سوري يُفترض إسكانهم في المساكن التي يتم بناؤها ولمّا تنتهِ بعد!. 

وبالتالي فالسياق الواضح أن تركيا تعمل بدأب وجهد حثيثين على إنهاء وجود اللاجئين السوريين لديها وطيّ هذا الملف بشكل نهائي، وأزعم أنه إذا ما حصل أي اختراق تطبيعي مهما كان محدوداً في العلاقات بين الحكومة التركية والنظام السوري فلا أستبعد على الإطلاق – وخلال سنوات قليلة جداً ربما لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة - إعلان انتهاء برنامج الحماية المؤقتة بشكل رسمي ومنح مهل قصيرة لا تتجاوز بضعة أشهر للاجئين لتصفية أمورهم تمهيداً للعودة إلى بلدهم، لأنه لم يعد لديهم مركز قانوني يخولهم البقاء المشروع على الأراضي التركية. 

ما العمل إذاً وما هي الحلول المتاحة لتلك المعضلة بالنسبة للسوريين؟ وهل يتعين على السوري أن يدفع حياته ثمناً لتقلب السياسات وأمزجتها؟ وهل عليه أن يسفح عمره في لجة البحر أو متاهات الغابات بحثاً عن ضفة آمنة يأوي إليها؟. 

ضاقت المنافي وكل سبل الوصول إليها بالسوريين الذين وصلوا حد الاختناق، فهل تكون مفوضية شؤون اللاجئين نوحهم الذي ينجيهم من الغرق المحقق وينقلهم بسفينته إلى بر جديد آمن يقدم لهم السلام والسلامة؟. 

لم يعد من سبيل إلا أن يتوجه السوريون زرافات ويعتصموا بصمت أمام مقرّها وهم يرفعون لوحة كتبوا عليها "نريد وطناً آمناً فإمّا سوريا بلا أسد ولا مفترسات أخرى، أو فلتصنعوا لنا سفينة تجوب بنا البحار بحثاً عن وطن".

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات