انتفاضة دير الزور.. ضرب عصافير عدة بحجر واحد

انتفاضة دير الزور.. ضرب عصافير عدة بحجر واحد

ليس مفاجئاً أن تنتفض عشائر دير الزور ضد ما تسمى "قوات سوريا الديمقراطية"، والتي يُطلق عليها اختصاراً (قسد)، وضد ما تُسمى أيضاً إدارة حزب الاتحاد الديمقراطي PYD الذاتية.

سنضع النقاط على الحروف منذ البداية، ليتضح أمر الانتفاضة، والأسباب الحقيقية التي تقف خلف تفجّرها، وهذا يساعد على فهم الواقع وآفاقه.

هجوم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على دير الزور كان لطرد داعش من الضفّة اليسرى "الشرقية" لنهر الفرات، حيث أوكل لقوات قسد أن تشن الهجمات برياً بمساندة الطيران الحربي للتحالف الدولي، وبهذا تمّت السيطرة على هذه المناطق.

إدارة المناطق في الضفة الشرقية كانت من مهام الإدارة الذاتية التي شكّلها حزب PYD (الذراع السوري لحزب PKK الإرهابي) في محافظة الحسكة، وبذلك، أرادت هذه الإدارة الاستفادة القصوى من هذا الوضع الجديد في دير الزور خدمة لمشروعها الإستراتيجي "إنشاء دولة كردية" أي مشروع معادٍ لاستقلال ووحدة أراضي وشعب سوريا.

قسد أرادت تغيير المناهج الدراسية بما يخدم أهدافها السياسية، وهي وضعت يدها على آبار النفط والغاز في هذه المنطقة، وبذلك تكون قد أوجدت وارداً مالياً كبيراً ومستمراً لتقوية ذراعها العسكرية المسماة "قوات سوريا الديمقراطية"

أمرا التعليم والسيطرة على البترول أزعجا سكان هذه المناطق، إذ ينحدر الجميع من صلب قبائل عربية تسكن المنطقة منذ ما بعد الفتح الإسلامي لبلاد الشام، فالثروة البترولية في حقول دير الزور لم توظّف قسد قسماً منها لتطوير البنية التحتية في هذه المحافظة، بل كانت أموال البترول تذهب في خدمة مشاريع PKK / PYD السياسية الإستراتيجية.

كذلك ما يتعلق بمناهج التعليم، خصوصاً مادة التاريخ، التي بات واضحاً للعرب، أنه تمّ تزوير حقائقها بما يبرّر أفعال الإدارة، هذه الإدارة فرضت رؤى جديدة، لا تنتمي للواقع الذي حدث في المنطقة، وبهذا أرادت تسويق قضية المكوّن الكردي السوري، ليس كما جرى في الواقع، بل سوّقته كما تتخيله، ومارست تدريسه في المدارس وفق هذا التخيّل، اعتقاداً منها أنه سيصبح وعياً لدى الأجيال.

هذه التراكمات أدّت إلى تشكيل وعي جديد لدى القبائل والعشائر العربية في محافظة دير الزور، فكانت تطرح على نفسها أسئلة تحتاج إلى أجوبة شافية.

 أول هذه الأسئلة كيف يمكن لميليشيا PKK/PYD أن تحكم منطقة كل سكانها من العرب، بينما هذه الميليشيا ليست ميليشيا لمكوّن سوري (المكون الكردي)، بل إنها ميليشيا إثنية، قادتها الحقيقيون جاؤوا من مخابئهم في جبال قنديل العراقية، أي إنهم ينتمون لحزب العمال الكردستاني التركي الأصل، والمصنّف على أنه تنظيم إرهابي.

وثاني هذه الأسئلة يتعلق بالعملية التعليمية، فكيف توضع برامج تعليم لا علاقة للعرب بها، وتحديداً بما يتعلق منها بتاريخ المنطقة، وتاريخ المكوّن الكردي فيها، إذ اتضح لكل من اطّلع على البرامج التعليمية أن هناك تزويراً للتاريخ فيها، وتمريراً لأفكار متخيلة، وليس ذكراً لأحداث جرت حقيقة في الواقع الذي عاشته المنطقة من قبل.

السؤال الثالث يتعلق بنهب اقتصاد المنطقة، إذ تسيطر ميليشيا PKK/PYD على ثرواتها، وفي مقدمة هذه الثروات الثروة البترولية (نفط وغاز)، وتسخّرها في خدمة سياساتها الإستراتيجية المبنيّة على خدمة قيام دولة كردية كبرى، يتمّ إنشاؤها على اقتطاع أراضٍ من أربع دول هي (العراق وإيران وتركيا وسوريا).

هذه العوامل إضافة إلى سياسة أمنية تعسفية قمعية تمارسها ما تُسمى (قوات سوريا الديمقراطية) ضد المواطنين السوريين، هي من يقف الآن خلف انتفاضة القبائل والعشائر العربية في دير الزور.

هذه السياسة تُزعج الولايات المتحدة، التي تُعدُّ الداعم الرئيس لهذه الميليشيا، سيما وأن الإستراتيجية الأمريكية تقوم على مبدأ التضييق الجغرافي للميليشيات الإيرانية، والتي تنفّذ سياسة ما يسمى (الهلال الشيعي).

الولايات المتحدة منزعجة من محاولات PKK/PYD الاتفاق مع نظام أسد حول دور تلعبه ميليشياتها في مستقبل سوريا، ومنزعجة من خدمة هذه الميلشيات لنظام أسد وحلفائه الإيرانيين في الجانب الاقتصادي، فالعقوبات الأمريكية على إيران ونظام الأسد تخرقها هذه الميليشيات، إذ تسهّل تهريب المواد البترولية وغير البترولية، إضافة أنها لا تريد المشاركة في إغلاق الحدود السورية العراقية، لأنها تتضرر من إغلاقها.

القبائل والعشائر العربية في محافظة دير الزور لها مصلحة وطنية كبرى في إغلاق الحدود مع العراق المسيطَر عليه إيرانياً، وهذا يعني أنها مستعدة للتوافق مع إستراتيجية التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة بهذا الشأن، ولكن لا يمكنها القيام بهذا الدور في ظل تحكّم وسيطرة ميليشيات PKK/PYD.

كذلك يمكننا القول ألا مصلحة لهذه القبائل والعشائر العربية في تسهيل دخول النظام إلى مناطقها، لأن ذلك يتعارض بالجوهر مع تأييدها للثورة السورية، ويتعارض مع رؤيتها لضرورة تنمية المنطقة اقتصادياً واجتماعياً وعلمياً بصورة مستقلة، أي عدم السماح بأي نفوذ لما تُسمى (قوات سوريا الديمقراطية)، أو السماح بأي نفوذ لنظام أسد أو حليفته إيران، إذ إن القبول بتعاون مع نظام ذبح السوريين هو مستهجن ومرفوض لدى مواطني محافظات المنطقة الشرقية، وهو تعاون سيقوّي نفوذ نظام أسد الآيل للسقوط.

إن الصراع العسكري الذي تقوده قبائل وعشائر دير الزور ضدّ ما تُسمى قوات سوريا الديمقراطية هو صراع في مصلحة انتقال سياسي في البلاد، لأنه يُضعف مشروع PKK/PYD في سوريا، أي منع تشكيل حكم ذاتي في منطقة الجزيرة والفرات، هذا الحكم الذاتي يعتبر مقدمة لتقسيم سوريا، أو على الأقل لاقتطاع جزء من أرضها لصالح مشروع معادٍ للسوريين من قبل هذين التنظيمين، اللذين لا يخدمان وحدة سوريا واستقلالها وانتقالها إلى دولة مواطنة ومؤسسات حكم ديمقراطية.

هذا الصراع يحتاج لبرنامج عمل واضح الأهداف، ولعل إخراج قوات قسد من المنطقة يعتبر هدفه الأول، وثاني هذه الأهداف أن تتشكل إدارة مدنية مؤقتة يديرها أبناء المنطقة ممن يملكون المؤهلات العلمية والخبرات الإدارية في انتظار الحل السياسي الشامل في سوريا، والهدف الثالث يكمن في تشكيل ذراعٍ عسكرية من أبناء المنطقة لحمايتها ومنع العبث بأمنها إلى حين الانتقال السياسي في البلاد.

كذلك ينبغي أن تكون هناك شفافية في إدارة الموارد الاقتصادية المتوفرة في هذه المحافظة، بما يخدم تنميتها الشاملة الشفافة على كل صعدها، وأولها تحديث البنية التحتية للمنطقة، ويخدم تحرير بقية مناطقها من قبضة الميليشيات الإيرانية وميليشيات نظام أسد العدوّة للشعب السوري.

إن إعلان القبائل والعشائر عن تأييدها لإغلاق الحدود مع العراق هو موقف سيكون على أهمية، إذ يلتقي مع إستراتيجية التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وذلك لحصار المشروع الإيراني الخبيث بحق الشعوب العربية في منطقة الشرق الأوسط، هذا الموقف يعجّل من انهيار نظام أسد وتنفيذ القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي وفي مقدمتها القرار 2254.

المطلوب من قوى الثورة والمعارضة، ومن كل من له مصلحة في إضعاف قسد ودورها في سوريا، دعم انتفاضة القبائل والعشائر في محافظة دير الزور، على قاعدة الوطنية السورية، وليس على قاعدة ذات محدودية اجتماعية (القبلية والعشائرية).

فهل سيحدث وتنتصر انتفاضة القبائل والعشائر في دير الزور؟ إنه أمرٌ مرهون بعوامله المؤثرة فيه داخلياً ودولياً.

التعليقات (14)

    قول الحق

    ·منذ 7 أشهر 4 أسابيع
    مع إني لست كردي، لكن الحق يقال أن الأكراد همشتهم حكومة صدام رحمه الله بل قصفهم بالكيماوي في حلبجة، وحكومة الخنزير الأسد عليه اللعنة وكذلك حكومة إيران وتركيا، لن أنسى منذ 25 كيف كان الأتراك يمنعون المرأة الكردية من ارتداء الحجاب في الشوارع ولم أنس سوء معاملة الطلاب الأكراد في المدارس التركية والاعتداء على حقوقهم، ولن أنسى عندما تسلم المقبور حافظ الحكم عمل على إقالة جميع الضباط الأكراد ونفى منهم إلى الخارج بمساعدة فرنسا ومنع الأكراد من تسلم أي منصب حساس في سوريا مع أن الأكراد كانوا أمناء عبر التاريخ على سوريا والعراق وتركيا على جميع الأصعدة ابتداء من الدين وانتهاء مروراً بالوطنية و انتهاءً بصيانة القومية العربية بالذات بل إن دعاة القومية العربية كانوا اكراد الأصل ولا زالوا، والحديث يطول عن الأكراد ومساهمتهم في التطور الحضاري للأمة العربية والإسلامية على جميع الأصعدة، و السؤال الآن كيف لا نريد لهم وطن يهربون إليه ممن ظلمهم عبر الزمان وما كان منهم إلا الأعمال الحميدة التي شهدها التاريخ.

    سوري

    ·منذ 7 أشهر 4 أسابيع
    يا سيدي إن عاجلا أو آجلا سيتم اختراق العرب في شرق الفرات كما تم اختراقهم من قبل في غرب الفرات وفي كل منطقة في سوريا لصالح إحدى الجهات وليس بالضرورة أن تكون تلك الجهات تريد الخير لسوريا وللسوريين .... ولوووو .. ... يعني راح يختلفوا عن بقية السوريين ؟ خلينا نسأل الجولاني وأبو عمشة وأبو مخطة وسواهم ماذا فعلوا لأجل السوريين ولأجل سوريا ؟ .... وسلم لي على الوطنية والعروبة والبيتنجان من عندك.

    صالح

    ·منذ 7 أشهر 4 أسابيع
    انه ما يصير مشاكل بين العرب والاكراد

    احمد

    ·منذ 7 أشهر 4 أسابيع
    العرب والاكراد متصاهرين ومتزوجين من بعضهم البعض ملايين المرات عبر الاف السنين كيف سيتم الفصل بينهم انا غير فهمان هذا الشيء

    ابو عياش

    ·منذ 7 أشهر 4 أسابيع
    لو يعلم الطرفين ان عدوهم واحد هو الذي يفرق بينهم

    عربي

    ·منذ 7 أشهر 3 أسابيع
    والله لا نتمنى العراك والخلاف مع الاكراد لأنهم أهلنا وحبابنا

    عوض

    ·منذ 7 أشهر 3 أسابيع
    يعني للأسف بذال ما يتعالقون الكراد والعرب والثنين يخسرون بعضهم البعض يروحون يقاتلون الملعون أبو رغبة

    جديدة الشيباني

    ·منذ 7 أشهر 3 أسابيع
    من المحزن ان العرب والاكراد يتقاتلون فيما بينهم وهم اهل

    جاسر

    ·منذ 7 أشهر 3 أسابيع
    بعد عشرة جيف تخلون الفصعون بو رغبة يفرق بيناتكم ياول خسا عليكم الاثنين

    شامي

    ·منذ 7 أشهر 3 أسابيع
    على ما يبدو التقسيم قادم كما تريده امريكا وكما يريده الخنزير الاسد كي يطلب الانفصال بقرداحته عن سورية بالقريب العاجل

    مراقب

    ·منذ 7 أشهر 3 أسابيع
    كلاهم خاسر بالمستقبل لأنهم من دين واحد والمستفاد الوحيد هو عدوا الدين ان كانت امريكا او روسيا او الاسد او غيرهم

    عادل

    ·منذ 7 أشهر 3 أسابيع
    التفاهم سيد المواقف

    عزام

    ·منذ 7 أشهر 3 أسابيع
    طائرات "التحالف الدولي" تخرق بروتوكولات تفادي التصادم في سوريا 13 مرة خلال اليوم الماضي في دير الزور

    احمد

    ·منذ 7 أشهر 3 أسابيع
    انا كعربي لامانع من اقامة دوله كرديه ضمن حدودها التاريخيه وهذا حقهم ان اجمعوا عليه. وكرد على المعلق الاولد انه في سوريا قام حافظ الاسد بسلب الاراضي لمالكين عرب وتوزيعها للاكراد بحجة الارض لمن يعمل بها وتابع بشار لاعطاء الجنسيه السوريه لاكثر من ١٠٠ الف كردي من اصل غير سوري
14

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات