ما قيمة أي مشروع مستقبلي للتغيير عندما تعجز الشعوب عن التغيير؟.. كما تعلّمنا من أفكار الماركسية أن الدولة هي أداة السلطة والسيادة الطبقية للأفراد المسيطرين اقتصاديا عن طريق حماية الطبقات المضطَهدة والمستغَلة وحماية علاقات الملكية والإنتاج الموجودة من هجمات الطبقات المضطَهدة. وهنا أراها لا تختلف حالياً مع الفكرة البرجوازية بأنها ظاهرة فوق الطبقات والمجتمع مهمتها "تنظيم" العلاقات الطبقية وتمثيل "المصالح العامة".، بمعنى أنها تمثل المصالح الطبقية والمدافع عنها، أي مصالح الطبقة السائدة اقتصادياً.
كان ماركس يقول إن سيادة الطبقة العاملة هي المستقبل، وإن الدولة ظهرت كشجرة… وستصبح غابة في المستقبل ولم يتوقع أنه سيظهر مع الأيام حطاب يحرق البشر و الشجر، ليجعل من الدولة صحراء قاحلة تدفن البشر ليتحولوا لمواد إحفورية لإنتاج النفط اللازم لتيسير عجلتها الاقتصادية.
أكد اليساريون في بدايات القرن العشرين أن سيطرة الحكومة على قيادة الاقتصاد هو لضمان التوزيع العادل للثروات، وهو يشكل أمراً محتماً بالنسبة إلى جميع الدول المتقدمة على اختلاف شكل أنظمتها.
ولكن ما شاهدناه كان بعكس توقعات ماركس، حيث توقفت الطبقة العاملة عن الاتساع، واتخذت مساراً تنازلياً، حينما بدأت الخدمات غير المنتجة أو ما يعرف بالاقتصاد الاستهلاكي تحل محل السلع الصناعية و برزت طبقة جديدة من الفقراء أو المحرومين، تكوّنت من الفئات المهمشة اجتماعاً، بسبب الدين أو العرق أو الإثنية أو بسبب الجنس كالنساء والمثليين والمعاقين. وبذلك تحولت الطبقة العاملة في المجتمعات الصناعية، مجرد أعضاء في النقابات العمالية تطالب ببعض من حقوقها للحصول على بعض المكاسب التي كانت تمتلكها في الماضي.
لقد ظن ماركس أن الطبقة الوسطى، أو على الأقل الشريحة المالكة لرأس المال التي أطلق عليها البرجوازية، ستظل دائماً أقلية صغيرة ومتميزة في المجتمعات الحديثة، لكن ما حصل بالفعل هو أن البرجوازية عموماً استأثرت بالغالبية الساحقة من السكان في معظم العالم المتقدم، والطبقة الوسطى اندثرت عندما تحولت البرجوازية إلى نظام لرأسمالية الدولة.
واعتقد الاشتراكيون حتى وقت قريب اعتماداً على أفكار ماركس أن الاشتراكية سوف تنتصر بسبب عدم جدوى المجتمع الرأسمالي ثقافياً، ولا بد للنظم الحاكمة في النهاية الخضوع لإرادة الغالبية الساحقة من الناس في المجتمعات الحديثة ومصالحها في النظام الاشتراكي.
وحتى حينما تخبّطت الساحتان السياسية والعسكرية بصراعات القرن العشرين شهدت الساحة الاجتماعية تغييرات حاسمة. وقد ضربت تلك التغييرات بالسيناريو الماركسي عرض الحائط. بسبب ارتقاء عدد من العمال أو أسرهم من الطبقات الفقيرة العاملة إلى الطبقة الوسطى.
بينما العدد الأكبر من الطبقة العاملة ازداد فقراً، وفي الاثناء ظهرت أفكار الليبرالية كشكل مناسب للحكم بعد فشل كل الأيدلوجيات التاريخية.
تنص الليبرالية كما شرحها المفكرون على أن شرعية سلطة الدولة تنبع من قدرتها على حماية الحقوق الفردية لمواطنيها، وسيادتها محكومة بالالتزام الصارم بالقانون، ومعاداة لفكرة السلطة القوية للحاكم. وتنفيذ الدستور باعتباره أساس الدولة وبالفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. ويشك الليبراليون،في النظم الديمقراطية للحكم ، ويروا أن المشاركة السياسية تتطلب خلفية تعليمية ومقدار من الملكية.
لا عجب من أن يكون المحرضون الرئيسون على ثورات "الربيع العربي" من المصريين، والسوريين هم المتعلمون ممن أحبطت الديكتاتوريات التي يعيشون في كنفها توقعاتهم في شأن الوظائف والمشاركة السياسية. ممن قرأوا المادية التاريخية وأحداث كومونة باريس و عشرة أيام هزت العالم ثم لم تمضِ فترة قصيرة حتى رحل هؤلاء وبقي من يقرؤون كيف سيقوم السحر بترويض العشاق أو بدهسهم، ومن يقرؤون كيف يقوم الضباط بقتل شعوبهم وكيف يستولون على المناجم والآبار والأبراج، وصارت ثروات البلاد لسلطات هذه البلاد وصار الذين بيدهم السلاح يلغون مواطنيهم ويلغون حكوماتهم ويلغون أحزابهم وبعد ذلك وصلوا إلى إلغاء الماء والكهرباء والغاز والدفء وإلغاء حليب الأثداء وحليب الأطفال وإلغاء الأمومة وإلغاء الآثار لأنها تشي بحضارة شعوبهم وصارت الموارد لشراء السلاح وصارت البحار مقابر للمهزومين من بلدانهم وصارت القطارات ألغاماً لتنفجر خارج دروبها وصارت الكورونا ملاذاً للخلاص وصارت المخدرات عطراً للمحتالين ولم يبقَ شيء في مكانه وأصبح كل إنسان على موعد مع أحد الحواجز الثابتة أو الطيارة ليقوده إلى السجن أو التعذيب أو الجوع أو البحر.
ألم يقل ذلك الشاب الروسي حين همّ القرش بابتلاعه أن رئيسه بوتين يملك الأسلحة النووية التي تستطيع تدمير العالم الطبيعي بما فيه عالم البوادي والبحار، لم يستطع ذلك الشاب مخاطبة رئيسه لأن بينه وبين رئيسه بحار وحواجز ومكتب لمدير مكتب الرئيس، ومكتب للرئيس وحتى للرئيس نفسه لديه ما يشغله عن فتى سائح…ولكن الفتى السائح نادى أباه…نادى أباه عدة مرات ولكن أباه لم يسمعه…وكان القرش مستعجلًا فلم ينتظر حتى يسمع الأب..ولو سمع الأب لركض إلى ابنه ولالتهمه القرش مع ابنه..
لوأن ذلك الفتى استنجد بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقال له أنا جئت مع أبي لنقيم مشاريع سياحية حقيقية تخدم مصر لأجابه السيسي بأنه مشغول بالأرقام والمشروعات وتشييد القصور، وبلاده تعاني من فقر متزايد واقتصاد متداع وديون لم تشهد مثلها البلاد.
لو أن ذلك الفتى استنجد بالقيادة في السودان لأجابه بأننا مشغولون بالمعارك في الخرطوم وأم درمان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
لوأن ذلك الفتى استنجد بالمعتصم وصلاح الدين وغيرهم، وقال لهم إننا سندافع عنكم في المستقبل فأنقذوني من هذا القرش، لكنهم كانوا مشغولين، بأشياء أخرى، بينما لم يمهل القرش الجائع الفتى ليستنجد بكل هؤلاء وأجهز عليه وعلى أمنياته..وعلى اتصالاته.
الجائعون لا يفكرون
الجائعون يهجمون بدون منطق
الفلاسفة يفكرون ويكتبون
المفكرون يقولون إن المنطق يلغي
والتفكير يلغي
والفلسفة تلغي
عندما المعدة تحرض صاحبها على التهور
لكن المتخمين ذوي الضمائر المنخورة لا يشبعون هناك أعضاء غير المعدة تدفعهم إلى البطش، البطش بعمالهم إذا كانوا أرباب عمل، والبطش بجنون الأسعار إذا كانوا بائعين، والبطش بشعوبهم إذا كانوا حكاماً
الحاكم لا يفكر بشعبه، يفكر كيف يجمع خصوم شعبه لمساعدته على إبادة شعبه، الحاكم يفكر بأن إرهاب شعبه يجعل شعبه غبياً، وذليلًا ومستكيناً وخاوياً، ويفكر بأن الإصرار على التعذيب والإصرار على التجويع والإصرار على الاستهانه بحالة الناس العاديين من جوع وخوف وشعور بالنقص، وشعور بالذنب وشعور بقوة الحاكم وشعور بتغول الحاكم وشعور باليأس وفقدان الأمل كل هذه المظاهر وكل هذه المشاعر تجعل النصر المؤزر هو حليف الحاكم المستبد.
فيا أيها الفقراء استعدوا فإن القروش تجهز أفواهها لابتلاعكم وستقام المجمعات بعدها وستقام الولائم بعدها، وستعقد الدبكات بسبب اندثاركم
ولكن انتظروا المفاجأة كل المغارات المغلقة بالصخور ستنخلع.. وستخرج كائنات وبدون منطق وبدون محاكمه سيخرجون وسيدكون المجمعات وسيدكون التماثيل والمطاعم وحدائق الحيوان
أيها الدهماء لا تنتظروا، فالعاصفة قادمة قبل أن تنتظروا.
التعليقات (55)