عندما يُصر النظام على الغباء

عندما يُصر النظام على الغباء

على مدار 12 عاماً أصبح باستطاعة أي مواطن سوري أن يقول لبشار الأسد ونظامه ما قاله عمرو ابن العاص لمسيلمة الكذاب عندما ادّعى النبوة: (والله إنك تعلم أنك كاذب وتعلم أني أعلم أنك كاذب), ومع ذلك استمرت الآلة الإعلامية في نظام الأسد بترويج الأكاذيب والأضاليل على الشعب السوري, فلم يكن مستغرباً أن تخرج فتاة لتدعي أنها تعرضت لاغتصاب من شباب الثورة في مدينة حرستا بريف دمشق, ثم يستطيع أحد الأحرار العاملين بالتلفزيون الأسدي تهريب الشريط الحقيقي للفيديو من أرشيف التلفزيون يتضمن ما حصل أثناء تصويره وهي تقرأ العبارة بشكل غلط لتصحّح لها من عناصر مخابرات أسد فترد قائلة: (أنتو كاتبينها هيك), والمثال ليس حصراً على حادثة بل مثالاً لآلاف الفبركات التي عجّ بها إعلام أسد حتى بات يوصف لدى أقرب مقرّبيه بالإعلام الكاذب.

على مدار 12 عاماً ضخ إعلام أسد ومواليه آلاف آلاف الفيديوهات والروايات والقصص التي تهدف للنيل من قدسيّة الثورة السورية وعدالة القضية التي خرج من أجلها الشعب السوري بثورة على منظومة الطغاة والاستبداد، والنظام يدرك أن نسبة تصديقها لا تتعدى بضعة أرقام مئوية، ومع ذلك استمر بهذا الطريق ليس لإقناع الناس بل لإقناع نفسه ومن يدور في فلكه أنه منتصر وأنه اكتشف المؤامرة الكونية, واكتشف مخطط بندر بن سلطان, واكتشف استهدافه كنظام مقاوم وممانع، لكن الأخطر كانت لعبة حماية الأقليات التي ادّعاها هذا النظام الفاجر، وهو أكثر من عمل على ضرب وحدة السوريين والتفريق بين مكوناتهم وضرب النسيج الاجتماعي للدولة السورية.

في 12 مارس «آذار» 2004، وبعد مباراة كرة قدم جمعت فريقين محليين في الجزيرة السورية هما الجهاد والفتوة ونتيجة خلاف بسيط، حولّها النظام لنزاع طائفي وقومي، وحرّضت استخبارات أسد العشائر وشيوخ عشائر السلطة على أكراد القامشلي وأوقع بهم في مجزرة رهيبة كانت غايتها ضرب مطالب الكرد بأن يحصلوا على حقوق المواطن بعد أن أنكرهم النظام ورفض منحهم الهوية السورية ورفض إدخال أبنائهم المدارس والتوظيف والسفر، ومن المؤكد ممنوع عليهم حتى الاحتفال بعيدهم "عيد النيروز", ومع تلك الحادثة وما قبلها وما بعدها انطلقت استخبارات النظام لتفريق المكونات السورية كون النظام يدرك تماماً أن وحدة السوريين هي الخطر الأكبر على استمراره, بعد أن ثبّت نظام حكمه لدى الخارج وأهمها لدى إسرائيل، لذلك وجدنا ابن خال بشار الأسد الملياردير اللص رامي مخلوف (وحينها كان على وفاق مع بشار) وجدناه يخرج مع بداية الثورة ولدى التهديد الشعبي بإسقاط نظام أسد ليقول: أمن إسرائيل من أمن دمشق.

ألاعيب وفبركات النظام لم تتوقف طيلة مراحل الثورة السورية، فاشترى بعض شيوخ العشائر وخلق شقاقاً بينهم وبين العشائر العربية الأصيلة والوطنية, ثم قتل الشيخ أحمد الهجري أحد شيوخ عقل الطائفة الدرزية الكريمة، بعد أن أفشل الشيخ الهجري الكثير من محاولات استخبارات النظام لبث روح الفرقة والنزاع بين جبل العرب وسهل حوران, وعمل على اغتياله بطريقة مزدوجة بعد أن حضّر له حادث سيارة مفتعلاً ثم أجهز عليه في المشفى لاحقاً، وكرّر النظام الأمر ثانية عبر اغتيال مشعل الثورة السورية السياسي المعارض مشعل تمو الذي كان رمزاً للتآخي والتعاضد بين المكون العربي والكردي, فرتّب له عملية اغتيال إحساساً منه بخطورته، كونه عمل على وحدة الكرد والعرب، واستبدله بأحزاب وتنظيمات عابرة للحدود مثل تنظيم البي كي كي (pkk) الذي دمّر العلاقة العربية الكردية وأطلق مشاريع الانفصال والمشاريع العابرة للحدود.

ألاعيب وكذب وفبركات النظام طالت كل المكونات السورية, والرسائل الدموية لاستخبارات النظام وعصاباته لم تتوقف، فـمع انفجار الموجة الثانية للثورة في جبل العرب وسهل حوران والساحل مؤخراً, عاد النظام لديدنه الإجرامي عبر أبواقه المأجورين ليهدد، فخرج بوقه المعتمد حسين مرتضى ليحذر من إرسال الأمريكان لسيارات مفخخة وانتحاريين إلى السويداء من قاعدة التنف، والتجربة علمتنا أن ما يحذر منه النظام هو دائماً إجراءات يكون قائماً على إعدادها وتنفيذها، خاصة أن المعلومات الأخيرة المرصودة لتحركات ميليشيات أسد وحلفائه وأدواته تقول إن حزب الله أرسل أرتالاً من ميليشياته لأطراف سهل حوران ومطار الثعلة خوفاً من انتفاضة الجنوب، والمعلومات أيضاً تؤكد أن استخبارات الأسد والأمن العسكري بالتحديد قامت بنقل حوالي 400 عنصر من تنظيم داعش الإرهابي من منطقة السخنة بالبادية السورية لأرياف السويداء الشرقية تحضيراً لهجمات تعيد للذاكرة الجريمة النكراء بحق أهالي السويداء التي صنعها نظام الأسد في عام 2018 وأدت حينها لمقتل أكثر من 300 من أرواح أهلنا بالسويداء وخطف 54 امرأة وطفل.

أما حراك أهل الساحل بعد ارتفاع أصوات بعض الناشطين فلم يسلم أيضاً من سطوة وفجر استخبارات الأسد، فتم اعتقال الموظف أحمد إسماعيل ابن مدينة جبلة من قبل استخبارات أسد وتمّ الزج به بأقبية معتقلاتها، وتمت ملاحقة الناشط أيمن فارس الذي لجأ لإخوانه من جبل العرب في بلدة جرمانا لكن تم القبض عليه وهو بطريقه للسويداء ليشارك إخوانه انتفاضتهم المباركة برفقة بعض الناشطين من جبل العرب.

بالخلاصة يمكن القول:

أكثر ما يرعب النظام هو وحدة المكونات السورية وأكثر ما يهدد كرسي سلطة بشار الأسد هو الوعي لدى المكونات أن هذا النظام يتاجر بالأقليات ولا يحميها، والمرعب أكثر للنظام هو خروج فعاليات ورموز من تلك المكونات تفضح النظام وخاصة من أهل الساحل ومن العلويين بالتحديد، لذلك يعمل النظام على اتجاهين: الأول اغتيال وتصفية كل الأصوات التي تعمل على توحيد صوت وهدف المكونات السورية، والثاني: بث الأكاذيب والدعايات والأخبار التي تهدف لضرب وحدة المكونات ووحدة المجتمع السوري.

يبقى السؤال: بعد أن أدرك الشعب السوري وبكل مكوناته ألاعيب وفبركات وأضاليل نظام أسد واستخباراته، متى تتحرك كل مكونات الشعب السوري وبصيحة واحدة لتقول: كفى ... الشعب يريد إسقاط النظام، ثم تتفرغ لبناء سوريا المستقبل ... سوريا بلا أسد؟؟

التعليقات (1)

    متولي عبدالتواب

    ·منذ سنة 3 أشهر
    تحياتي لك سيادة العميد واختلف معك في العنوان لا يصر على الغ باء لأن الغب اء فيه طبع أصيل متجذر لكنه يحاول الخروج منه فيغوص أكثر والسبب ناتج عن الأصالة في الطبع
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات