طباخ السمّ يذوقه

طباخ السمّ يذوقه

ما زال النظام الحاكم في دمشق يُبهر العالم ويتفوق على نفسه في كل مرة يجتهد فيها محاولاً التملص والتخلص من مآزقه المتكررة التي يقع فيها جرّاء قلة خبرته وتهوره منقطع النظير.

نظام حكم ومعارضة.. شكل منطقي وطبيعي بل وصحّي في كل دولة في العالم حتى لو كانت مصطنعة في كثير من نماذج الحكم حول العالم؛ وغالباً ما تكون هذه المعارضة داخلية تعيش ضمن حدود الدولة وتتمتع بكامل المواطنة وما يتبعها من حقوق وواجبات؛ وهذا تماماً الفخ الأخير الذي أسقط رأس النظام السوري بشار الأسد نفسه فيه مؤخراً حين خرج على الإعلام ليرفض ويتبرأ من المعارضة الخارجية المصنّعة في أقبية المخابرات والتي ترتدي ثوب العمالة والخيانة على حد قوله، ثم يقول إنه على استعداد تام لقبول المعارضة شريطة كونها معارضة داخلية مصنوعة وطنياً.

مع حالة التخبّط التي يعيشها النظام السوري لم يستطع تقدير حالة الغليان التي تمر بها البلاد حين قدم مثل هذا التصريح الذي ينم عن سذاجة سياسية واضحة ومفضوحة؛ لأن الشعب وصل إلى آخر مراحل الخسارة ولم يعد يملك ما يخسره بعد الكرامة وأمل العيش بسلام وشيء من أساسيات الحياة؛ هذا الشعب الغارق في المجهول والعيش الضنك وجد في هذا التصريح طوق نجاة ليحاول الوصول إلى ضفة حياة بات مقتنعاً أنها غير موجودة إلا في رحيل الأسد بعد محاولات الهجرة أو تحسين الأوضاع وهو يقتات خبز صبره المر.

خرجت الجموع إلى الشوارع صارخة (لا) بكل ما بقي لها من قوة، وهذا بالتحديد هو ما كان صدمة ومفاجأة للسوريين في كل أنحاء العالم على اختلاف أعراقهم وطوائفهم وانتماءاتهم؛ خاصة بعد جملة المصالحات والتفاهمات الأخيرة مع النظام عربياً، وبعد مرور تلك السنوات ظن الجميع أن بقاء النظام في السلطة بات أمراً واقعاً وأن فكرة رحيله رهان خاسر، وخاسر جداً.

وكأنها صورة واقعية وتجسيد حقيقي لـ ((سنعيدها سيرتها الأولى))، مع كل هتافات وشعارات الثورة السورية ورموزها من الثوار الأحياء منهم والأموات؛ إضافة للرمز الأقوى والأوضح، علم الثورة السورية.

لعل النظام السوري من خلال بعض أبواقه في الساحل أراد أن يوهم العالم بوجود معارضة داخلية وطنية في فصول مسرحية هزلية على طريقة الثمانينات التي اعتادها والده؛ لكنه لم يُقدر أن الظرف تغيّر والوقت تقدّم والمعطيات تطورت؛ فصار الممثل يرتجل أحياناً ويخرج عن النص بطريقة توحي للمشاهدين بأنها مسرحية مفتوحة ويحق للجميع المشاركة بكتابة النص أو الإخراج أيضاً، فخرجت الأمور عن السيطرة وانتشر العصيان انتشار النار في الهشيم وبات خارجاً عن السيطرة تماماً.

الغريب في الأمر وجود من يقول إن كل ما يجري متفق عليه ومخطط له ويجري تنفيذه بالحذافير وبدقة متناهية؛ وهذا بعيد كل البعد عن المنطق، ومن يراقب مجريات الملف السوري عن قرب يوقن بأنها بداية النهاية بكل تأكيد.

هذا ما يجري في الداخل، فما هو الواجب على الذين في الخارج؛ والخارج هنا نوعان:
1. داخلي ضمن الحدود السورية وخارج عن سيطرة النظام
2. خارجي خارج حدود الدولة السورية

وأعتقد أن الواجب على من يوجدون ضمن المناطق المحررة أن يكونوا مؤازرين للمتظاهرين ضمن مناطق سيطرة النظام من خلال تنظيم مظاهرات في مناطقهم أيضاً، بالإضافة إلى إعادة ترتيب أوراقهم لتصدير صورة مدنية منتظمة يمكن أن تكون بديلاً موضوعياً وحقيقياً للنظام الحاكم يقتنع من خلاله المجتمع الدولي بوجود البدائل الحقيقية سياسياً وعسكرياً وسياسياً وثقافياً واجتماعياً ولعله الملف الأهم.

أما من هم خارج حدود الدولة السورية فعليهم أن يصرفوا كل جهدهم أيضاً في طريقين؛ إيصال ما يجري على الأرض إعلامياً إلى العالم وتوضيح ما يحتاج إلى توضيح، وهذا دعم ضروري خاصة في هذه المرحلة، بالإضافة إلى الاستفادة القصوى من كافة علاقاتهم التي أسسوها على مر سنوات إقامتهم خارج سوريا في بلدان كثيرة وقرب الكثيرين منهم من صنّاع قرار في تلك البلدان.

ما يجري اليوم في سوريا ربما يكون فرصة أخيرة أو شبه أخيرة للخلاص من هذا النظام الفاشي والفاشل؛ والعالم بحاجة لأن يرى تكاتفاً حقيقياً بين السوريين على اختلاف أطيافهم وانتماءاتهم، وربما الطريق الأكثر أماناً للوصول إلى الخلاص هو ترك كل شيء والتمسك بالانتماء فقط إلى سوريا السوريين وليس سوريا الأسد.

لعل لسان الحال في سوريا اليوم يقول: ((هالمرة ما زبطت معك))؛ لأن النظام السوري سقط في حفرة عميقة كان حفرها بيديه حين قدّم نفسه حامياً للأقليات في سوريا؛ في حين أن أول من يطالب برحيله اليوم في السويداء هم من الأقليات التي كان يثبّت من خلالها نظام الأسد حكمه، فهل بدأت أوتاده تتقطّع واحداً تلو الآخر؟

وهل مازال المدافعون عنه يملكون حجة للدفاع عن كل ما فعله من جرائم في حق سوريا والسوريين من كل عرق وجنس وطائفة؟
الجواب عن مثل هذه التساؤلات يأتي واضحاً صريحاً عبر حناجر الأحرار على امتداد خريطة الأمل السوري (سوريا لينا وما هي لبيت الأسد)؛ ولعل المسألة برمّتها باتت مسألة وقت قصير.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات