مستقبل ثورة السويداء.. ما أهميتها وماذا تحتاج لإسقاط النظام؟

مستقبل ثورة السويداء.. ما أهميتها وماذا تحتاج لإسقاط النظام؟

بعد أن تجاوز الحراك الشعبي في السويداء أسبوعه الأول بخطوات راسخة، بدأ الجميع يفكر في المستقبل، طارحين أسئلة الاحتمالات والمآلات في ظل صمت إقليمي وعربي، فهل يمكن أن يستمر هذا الحراك بنفس الزخم؟، وكيف سيتعامل معه نظام ميليشيا أسد في النهاية؟، وما احتمالية أن يؤدي لسقوط هذا النظام؟.

عندما اندلعت الموجة الحالية من الاحتجاجات في الجنوب، ورغم ملامحها المختلفة هذه المرة، إلا أن الكثيرين قابلوها بالحذر، خشية أن تكون ردة فعل لا أكثر على قرار حكومة نظام ميليشيا أسد رفع أسعار المحروقات.

لكن ما بين يومي الخميس 17 آب، والأحد العشرين منه، بدا أن ما يتمخض عنه رحم جبل العرب سيكون مولوداً مختلفاً هذه المرة، حيث انتشرت الدعوات من أجل إضراب شامل في محافظة السويداء، وعصيان مدني.

وبالفعل انطلق الحراك ليظهر نضجاً استحق معه أن يوصف بالمغاير، حيث تدفقت جموع السكان من مختلف أنحاء المحافظة إلى ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء، بعد البدء بالإضراب العام الذي شمل القطاعين الخاص والحكومي.

لكن الأبرز كان إعلان مختلف المرجعيات الدينية الدرزية تأييدها للحراك، وعلى رأسهم الشيخ حكمت الهجري، الذي كان لإعلانه وقع خاص شجّع أهالي جبل العرب على إعلان موقفهم الحاسم من النظام، ورفع شعارات سياسية تطالب برحيل بشار أسد ونظامه، وخروج إيران من سوريا، وتطبيق القرار الدولي 2254 بشكل كامل، وفي المقدمة منه البند المتعلق بتشكيل هيئة حكم انتقالي.

وعلى مدار أيام الأسبوع الماضي، اشتعلت المحافظة بالتظاهرات التي تفاعل معها السوريون في حوران ومن ثم بقية المناطق الخارجة عن سيطرة ميليشيا أسد، حيث كان يوم الجمعة يوماً استثنائياً، خرج فيه مئات الآلاف في إدلب وريف حلب والرقة ودير الزور والحسكة للتعبير عن تضامنهم وتفاعلهم مع حراك السويداء، والاستمرار به حتى النهاية.

لكن الاستمرار بالإضراب الشامل كان التحدي الرئيس لأهالي الجبل، الذين بدؤوا بالتفكير بالخيارات التي يمكن أن تسعفهم في حال الاستمرار بالإضراب، أو القطع مع مؤسسات النظام الخدمية والتموينية.

شروط استمرار الحراك وإقامة إدارة محلية

ثلاثة أسئلة كانت على رأس قائمة الأولويات فيما يتعلّق بالأيام القادمة ومستقبل انتفاضة السويداء، وهي أسئلة وجد الجميع، وفي مقدمتهم أبناء جبل العرب، أنهم مطالبون بالإجابة عليها من أجل تسهيل مهمة المضي قدماً حتى النهاية.

هل يمكن أن يتوقف الحراك في السويداء وما الذي يمكن أن يوقفه؟، سؤال طرحناه على اثنين من الصحفيين السياسيين من السويداء، وهما مزن مرشد رئيسة رابطة الصحفيين السوريين، والإعلامي نورس عزيز، من ضمن الأسئلة الثلاثة التي أجابا عنها تباعاً.

بالنسبة للسؤال الأول، ينبّه عزيز إلى أن الحراك بزخمه الحالي لا يمكن أن يستمر "لأن الناس بمرور الوقت سيتراجع شغفها من جهة، وستعود للاهتمام بيوميات حياتها وتدبّر سبل عيشها، وبالتالي سيتم العمل على تخصيص أيام محددة للتظاهر، وفعاليات معينة للتعبير عن الموقف السياسي والشعبي".

ويضيف، أما متى يمكن أن يتوقف الحراك بشكل نهائي فهذا سيحدث عندما يستجيب النظام لمطالب الناس، أما عن استمراره بنفس الزخم فلا أعتقد إلا إذا كان هناك تفاعل من بقية المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، لأن حراك السويداء بمفرده لا يمكن أن يسقط هذا النظام.

بدورها، تقول مزن مرشد رداً على سؤالنا الأول "هل يمكن أن يتوقف الحراك في الجنوب؟: طبعاً ممكن يتوقف إذا لم يتم فتح معبر مع الأردن، لأن شريان تغذية المحافظة الوحيد حالياً هي العاصمة دمشق، فالمياه والكهرباء والوقود والطحين كله يأتي من هناك، وعلى سبيل المثال تحتاج السويداء إلى 2.5 طن طحين يومياً، تؤمن المطحنة الموجودة فيها طناً ونصفاً، وتحتاج لطن إضافي من دمشق، ناهيك عن الأدوية والأجهزة والمواد المستوردة وكل شيء، لأن السويداء ليس فيها أي مشروع حيوي. 


وتتابع مرشد: لذلك فإن الحل الوحيد وجود إدارة محلية منتخبة تستطيع أن تأخد موافقة الأردن على فتح المعبر، وقتها ممكن أن يستمر الحراك إلى ما لا نهاية.


والواقع فإن الحديث عن تشكيل إدارة محلية لمحافظة السويداء، مستقلة عن حكومة ميليشيا أسد، خيار طرحه الكثيرون بمن فيهم ناشطون كثر من أبناء المحافظة، بينما يرى آخرون أن هذا الطرح يصبح أكثر جدوى إذا ما شمل الجنوب بالكامل، أي السويداء ودرعا والقنيطرة.


لكن وإلى جانب الوجود الأمني للنظام في تلك المحافظات، فإن جيش أسد منتشر على نطاق واسع في الجنوب بشكل يجعل من المقترح غير وارد، إلا إذا شهدنا انتفاضة شعبية شاملة هناك وفي بقية المناطق التي تسيطر عليها ميليشيات أسد وحلفاؤه.


أما فيما يتعلق بالسويداء، فإن الحذر واضح على فعالياتها الدينية والسياسية حيال هذا الطرح، خاصة مع عدم توفر أي بديل يعوض الاستغناء عن العاصمة، بينما يرى البعض أن إعلان إدارة محلية سيكون في صالح النظام، الذي سيجد ذلك مبرراً للتوقف عن إرسال مخصصات المحافظة من الوقود والغذاء والمياه والكهرباء والدواء والرواتب وغيرها، ما يجعل الأمر معقداً وليس بالخيار السهل.


هل يمكن أن يستخدم النظام القوة والعنف ضد السويداء؟

نحن أمام سيناريوهين فيما يتعلق بموقف النظام مما يجري في السويداء. الأول أن يعتبر الأمر فرصة للتخلي عن التزاماته تجاه المحافظة في ظل الأزمة المالية الخانقة التي يعيشها، والتي دفعته لرفع أسعار المواد الأساسية مرتين خلال الأيام العشرة الماضية، ولكن على أساس مؤقت إلى أن يحصل على المساعدات التي يأمل بتدفقها إليه، ومن ثم يعمل على استعادة السيطرة الكاملة على المحافظة.


لكن استعادة السيطرة عليها سيتطلب بالضرورة منه اللجوء إلى استخدام القوة، وهو سيناريو يمكن ألا يؤجّله وقد يلجأ إليه مباشرة، رغم تضاؤل احتمالاته كما يقول المحللون.


مزن مرشد ترى أن "النظام لا رادع يردعه إذا ما أراد استخدام القوة، والخوف كبير من لجوئه إلى هذا الخيار في السويداء لأنها مدينة صغيرة جغرافياً، ويكفي ثلاثة براميل لمحوها عن بكرة أبيها بشجرها وحجرها وبشرها".


وتضيف: أيضاً من الممكن ألا يستخدم النظام العنف لنفس السبب السابق، أي صغر مساحة المدينة من جهة، وثقته بأن السويداء لا تستطيع الاستغناء عن دمشق، وبالتالي لا حاجة للوصول إلى هذه المرحلة التي قد تسبب له مشاكل كبيرة جداً.


من جهته، يرى نورس عزيز أن "احتمال استخدام القوة من قبل النظام في السويداء ضئيل جداً لكنه يبقى قائماً، مؤكداً أنه لو أراد اللجوء إلى هذا الخيار لقام بذلك مبكراً، منذ اليوم الثاني أو الثالث للحراك، كي لا يسمح بتمدّده وتجذّره في المحافظة بالشكل الذي بات عليه اليوم".

هل يمكن أن يؤدي حراك السويداء إلى سقوط النظام؟

هذا هو السؤال الثالث الكبير الذي يطرحه الجميع بأمل الحصول على إجابة واحدة هي "نعم".


وبغض النظر عن نسبة ضئيلة جداً من السوريين المعارضين ممن لم يترددوا عن إظهار عدم تحمسهم لانتفاضة السويداء، فإن خروج مئات الآلاف من السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام للتعبير عن تأييدهم لثورة جبل العرب وتفاعلهم معها وتحمسهم لها، أكد أن جميع السوريين يعوّلون على أن تكون الضربة القاضية التي تسقط حكم عائلة أسد وتوقف نزيفهم وتطوي صفحة المعاناة الممتدة منذ اثني عشر عاماً.

لكن هل تتوفر الشروط الموضوعية الداخلية والخارجية لكي يكون حراك السويداء المسمار الأخير في نعش نظام ميليشيا أسد؟

سؤال تجيب عليه الإعلامية مزن مرشد بالقول: تمنينا أن يكون سقوط النظام قد حصل منذ أول صرخة حرية قبل 12 سنة، لكن النظام الذي دمر سوريا وقتل شعبها وهجره ولم يرحل، فإنه اليوم لن يرحل بسبب ( نيّف) من المتظاهرين، بل يحتاج هذا السقوط لما هو أكثر من ذلك.

وتقول: الأمل أن يكون بشار وزبانيته قد اكتفوا بما نهبوه، خاصة بعد أن لم يتبقّ في سوريا شيء يمكن أن يسرقوه، وشخصياً أرى أن الأمل الممكن لتحقيق الخلاص هو أن يقتنع بعدم وجود مستقبل له ولنظامه، وأن يتخذ قرار الخروج وهو حي بأمواله وعائلته، وأن يعيش بأي مكان آخر يختاره، لأنه إذا استمر بتعنّته ولم يرحل الآن، فإن نهايته القتل الذي لن يتوقف عنده بالطبع، بعد أن بلغ حقد السوريين تجاهه حده الأعلى، ولم يبق أي سوري مستعد للوقوف معه إلا المستفيدين وهم قلة.

أما الصحفي نورس عزيز فيرى أن الأمر يتطلب أكثر من ذلك، ويقول: إن سقوط النظام لا يمكن أن يحدث بسبب مظاهرات السويداء فقط.

ويضيف: إذا ما بقي الحراك مقتصراً على محافظة السويداء فإن ذلك لن يؤدي لمثل هذه النتيجة على أهمية هذا الحراك ودلالاته، لكن المطلوب هو تحرك بقية المناطق الخاضعة لسيطرته أو بعضها على الأقل، أما إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه الآن، فإن النظام لن يمانع في منحها هي ودرعا إدارة ذاتية بشكل يجنبه المواجهة والصداع معهما، ويجعله أكثر تفرغاً للمناطق الأخرى.

قناعة "عزيز" هذه يشاركه فيها الكثير من المحللين، بل وحتى السوريين العاديين الذين يرون أن نظام ميليشيا أسد لن يقبل بأن تنجح السويداء بليّ ذراعه وإجباره على تقديم التنازلات السياسية المطلوبة في القرارات الدولية الخاصة بالحل في سوريا، وهو الذي رفض تقديمها قبل ذلك رغم كل الظروف والمتاعب التي مر بها.

وعليه فإن القناعة الأكبر حضوراً بين السوريين حالياً، هي أن هذه الثورة التي تفجرت بالجنوب ستؤدي إلى إضعاف نظام الميليشيات، وأن على قوى الثورة والمعارضة التقاط اللحظة من أجل البناء عليها بما يسهم في تحقيق هدف إسقاط هذا النظام والتخلص منه.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات