درعا والسويداء تعيدان ألق الثورة.. هل بدأ السوريون بطي آخر صفحات حكم الأسد؟

درعا والسويداء تعيدان ألق الثورة.. هل بدأ السوريون بطي آخر صفحات حكم الأسد؟

وقع مالم يكن يتوقّعه بشار الأسد، فغرور الديكتاتور دائماً يقوده إلى الخطأ الإستراتيجي، الذي لا يصحو على نتائجه إلا حين تصبح حقيقة، فقد صبر السوريون ولا سيما في من مناطق سيطرته عليه سنوات علّ القادم يكون أفضل، لكنه سدّ جميع الأبواب بوجههم، وأمام مستقبل أطفالهم، كما سدّها أمام العرب الساعين للحل السياسي المدعوم دولياً، والذي ينتظره السوريون من أجل إنهاء معاناتهم وإنقاذهم من الكارثة التي وضعهم فيها بشار الأسد.

بشار والأهالي

الخطأ الأكبر لبشار كان الحكم على الأهالي في مناطق سيطرته بالتجويع وعلى مستقبلهم باستمرار العيش ضمن الكارثة إلى ما لا نهاية من خلال إجراءات رفع الدعم والأسعار التي جاءت دليلاً ليس على استمراره في سياسة التجويع فحسب، بل والتغول فيها.

بشار استند في الضغط على الأهالي إلى كذب روّجه بنفسه وصدّقه وانتشى به، وهو أنه انتصر على أكثر من مئة دولة، و بالتالي فإن الأهالي كما صوّر له عقله هم منتشون أيضاً والسيارات الفارهة لشبيحته التي تجوب الشوارع، والحفلات التي تقام وينقلها الإعلام بكثافة هي دليل على تلك النشوة. 

 بشار والعرب

الخطأ الآخر الذي ارتكبه بشار كان عشيّة اندلاع الاحتجاجات في السويداء ودرعا حين دعاه العرب للتعاون لإنقاذ البلاد، وتنفيذ ما اتفقوا عليه من خلال بيان عمان، على أساس القرار 2254، لكنه أرسل وزير خارجيته إلى القاهرة في 16 آب الجاري، ليهاجم نظراءه في لجنة الاتصال ويقول لهم: إن هناك مساعي لدول عربية كان لها دور في الحرب على سوريا، تضغط على ما أسماها الحكومة لإجبارها على التسليم بشروط الخارج، محدداً أن الجانبين المصري والأردني لعبا دوراً كبيراً في خلق هذه المناخات". بحسب ما أوردته صحيفة الأخبار اللبنانية القريبة من النظام.

الخطآن كانا متلازمان، وارتكبهما بتوقيت واحد وهو ما أدى إلى تقاطع بتداعيات نتائجهما بين الأهالي والعرب في الحاجة إلى التغيير بعد نفاد الصبر، نظراً للخطر الذي سيلحقه استمرار هكذا نظام على مستقبل ومصالح الجانبين، وهذا اتضح من خلال التعنت والتحدي اللذين ساقهما بشار ولا سيما في مقابلته مع سكاي نيوز وما فعله وزير خارجيته في القاهرة، وأيضاً وهو الأهم من خلال ممارسات النظام على أرض الواقع، سواء بالضغط على الأهالي أو بالنسبة لاستمرار تدفق المخدرات للأردن. 

التداعيات على الأهالي

انتفاضة الأهالي في السويداء ودرعا والتي دخلت أسبوعها الثاني، جاءت بعد طول صبر على النظام، وفقدانهم أي أمل بإنقاذهم من الكارثة التي وضعهم فيها، وبعد وضوح الصورة أمام السوريين بأنّ النظام يقودهم إلى مصير مجهول بتعنته وعنجهيته وغروره ومطالبتهم بتنفيذ القرار 2254 وإسقاط النظام.

المظاهرات أعطت تباشير ربيع سوري جديد، وأنعشت آمال السوريين بالتغيير، ولا سيما أنها حظيت بتضامن واسع من قبل السوريين في المناطق المحررة وفي دول الشتات، وأكدت أن التغيير لا يمكن أن يأتي إلا من السوريين أنفسهم، ولا سيما أنها مبنيّة على تضحيات لم يقدم مثلها أي شعب آخر في التاريخ الحديث، وهذا كفيل ليس باقتلاع النظام من جذوره فحسب بل وأيضاً حماته الروس والإيرانيين وميليشياتهم الذين مد بشار الأسد البلاد ورقبته مداساً لهم بينما عاند في مصالحة شعبه.

وما حققته انتفاضة السويداء ودرعا شريكتَي الوجع والأمل حتى الآن بأنها أعادتا الوجه الحقيقي للثورة السورية التي انطلقت في العام 2011 بسلميتها ومدنيتها بعد أن كان بشار الأسد عسكرها بعد أن قصف المتظاهرين بالصواريخ والطائرات والمدفعية والكيميائي.

إزالة الأهالي صور بشار من ساحات المدن والبلدات كان إعلاناً بسقوط النظام، واستكمالاً لإلغائهم المادة الثامنة من الدستور السابق على أرض الواقع وبشكل عملي مع إغلاق مكاتب حزب البعث في المحافظة، ما شكّل صفعة قوية لرأس النظام الذي حاول إنعاش الحزب ومن خلال النفاق بأنه هو من رشّحه للرئاسة وليس المقبور، الذي ورث عنه أسوأ ما فيه، مع عمالة جده سليمان، مصحوباً بسطحية وتفاهة زوجته.

التداعيات على العرب  

تغيّرت لغة الخطاب ولا سيما بالنسبة للأردن بشكل خاص، إذ يشكل أساس المبادرة العربية وأكثر المتضررين من النظام، إذ ظهرت في وسائل إعلامه عدة مقالات تعبر عن استنكاره لسلوك النظام، ونشرت صحيفة الغد تحت عنوان: "الأردن غاضب من دمشق" دعت فيه إلى تغيير صفحة سياسة "القفازات الناعمة" مع نظام الأسد لأنها سياسة فاشلة وقالت: إن الاستياء الرسمي اليوم في الأردن، في أعلى مستوياته من تصرفات دمشق الرسمية، حتى لو لم تظهر هناك تعبيرات سياسية علنية من عمان الرسمية بسبب عدم وقف محاولات تهريب السلاح، والمخدرات، وتموضع تنظيمات ومليشيات قرب الحدود مع الأردن.

كما نشرت الغد مقالاً آخر تحت عنوان: "دمشق.. عندما تتذاكى على الأردن"، قالت فيه إن النظام السوري يصرّ على بث رسائل غير إيجابية تجاه المملكة، عبر بوابة التظاهر بالتعاون بخصوص الوضع الأمني على الحدود المشتركة بين البلدين، وتحديداً في ملف المخدرات، لكنّ الأردن لن يقف مكتوف الأيدي أمام ما يقوم به من تحايل في محاربة أوكار المخدرات وتجّارها، مشيرة إلى أن حقيقة الموقف السوري يشكّل خطراً على دول الجوار، وتحديداً الأردن، لأن مواقف النظام تضعنا أمام مسؤولية تأمين حدودنا التي تمتد إلى نحو 378 كيلومتر. 

وإذا كان العلاقة حديثة العهد بين الأردن أو غيره من العرب مع النظام تحكمها الدبلوماسية واحتمالات الأخذ والرد تبعاً لتغير المواقف، وهذا مستبعد إلى حد كبير من جانب النظام، وقد حسم بشار الأسد في مقابلته مع سكاي نيوز بأن الحرب على المخدرات ليستْ حربَه فإن الاحتجاجات قطعت شعبياً معه، ولا رجعة عن تلك القطيعة، وهو ما أعلنه الأهالي بوضوح لبشار الأسد: ارحل وإلا سنرحلك غصباً عنك، ونريد تطبيق القرار 2254.

ما الذي سيفعله بشار؟

وبالنسبة للأردن والمبادرة العربية فإن أقصى ما يمكن للنظام أن يفعله هو أن يتخلى للأردن عن المنطقة الجنوبية على غرار شرق الفرات وشمال سوريا، مقابل سحب مبادرتهم للتخلص من كابوس القرار 2254، مقابل ضمانات باستمراره في سوريا المفيدة، وعدم دعمهم الاحتجاجات، أي إنه سيفضّل التخلي عن منطقة لتأجيل سقوطه ليس أكثر من ذلك مراهناً على عامل الوقت. 

المنطقة العازلة مشروع طُرحَ سابقاً بحسب ما أوردته صحيفة الغد الأردنية التي أعادت الحديث عنه مجدداً، لكنها أشارت إلى أن مثل هكذا سيناريو لا ينفذه الأردن وحيداً، بل بشراكة أمريكية وإقليمية، بما يحمي حدود الأردن من جهة، وبما يؤسّس لحل للاجئين السوريين من جهة ثانية على طريقة النموذج التركي، وقالت إن الأردن بحاجة إلى دعم إقليمي ودولي فعلي لوقف حرب السلاح والمخدرات على الأردن، خصوصاً من الأمريكيين الذين لهم قواعدهم العسكرية في المنطقة.

أما بالنسبة لانتفاضة الأهالي فقد ظهر النظام عاجزاً ضعيفاً في مواجهة سلميّتها التي انتزعت منه سلاح التطييف الذي كان يستخدمه، وبأنه حامي الأقليات، بهدف زرع الفتنة والعداء بين السوريين، ودحض الأهالي الروايات التي أنفق عليها ملايين الدولارات لمكاتب العلاقات العامة الدولية من أجل ترويجها.

وأكثر ما يخشاه النظام بعد أن أصابته لعنة جبل العرب كما أصابت غيره من الأنظمة عبر التاريخ هو انتشار الانتفاضة إلى الساحل، والاستعراض المرتجف لماركات سيارات يقوم به الشبيحة سيزيد من احتمالات اندلاعها في تلك المناطق التي يجتاحها الجوع هي الأخرى. 

ليس للنظام فائض قوة ليستخدمه ضد الأهالي في السويداء، فهو سيواجه بضعفه، والتلويح بالتهديد من بعيد وعبر أبواق إعلامه، والحل العسكري مستبعد لأنه سيغرق البلاد بالدماء، ويقلب عليه القوى الإقليمية وخاصة العرب، ويسرع من سقوطه، ولا سيما أنه عاجز دون إيران وروسيا والأخيرة من الصعب أن تتوافق معه وتدخل طرفاً في ظل أزمتها في أوكرانيا، ووجود قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا في سوريا. 

بين الداخل والخارج

وبين الخارج والداخل أو بين العرب والانتفاضة، يبقى الأهم هو استمرارها وشموليتها، فهي التي تنتزع من الخارج الشرعية والدعم، والخارج يبني مواقفه على ما يحققه الداخل واليوم بات من غير الممكن استمرار بشار في الحكم، فقد أصبح بينه وبين غالبية السوريين ثأر شخصي، وهؤلاء يقولون لبشار ارحل فكيف يمكن إذاً أن يستمر؟ وعليه يرجح أنه وصلنا إلى مرحلة نستطيع أن نقول فيها ليس هناك دولة تبني سياساتها على أساس أن بشار الأسد غير مستمر في الحكم، وأنه بات خارج أي حسابات، فهو لم يستطع أن يحكم الناس التي انتفضت ضده.

وأيضاً يمكننا القول بأننا نعيش ربيعاً سورياً جديداً يطل من السويداء ودرعا ومناطق متعددة، وكانت الإجابة على السؤال الصعب بأن دماء مئات آلاف السوريين الذين قتلهم النظام وإيران والروس بدءاً من درعا مهد الثورة إلى حمص عاصمتها ودمشق وغوطتيها والقنيطرة وحماة وحلب وجميع المحافظات، ستطارد الأسد حتى توصله إلى حتفه.

التعليقات (3)

    سوري

    ·منذ 7 أشهر 4 أسابيع
    عما قريب قد نسمع بانقلاب عسكري علوي مؤيد عربيا وغربيا بغية تبييض صفحة العلويين السوداء الملوثة بالإجرام والتشبيح والفساد وطي ملف المحاسبة للمجرمين الذين يشكلون الغالبية الساحقة من ضباط الجيش والأمن وبغية الحفاظ على مكتسبات الطائفة الأمنية والعسكرية بالدرجة الأولى وأهمها استمرارهم بحكم الأكثرية السنية ولا بأس هنا من تقديم بعض القرابين وعلى رأسهم شبيحة السنة.

    عبد الله عبدالرحمن

    ·منذ 7 أشهر 4 أسابيع
    في الوقت الذي يستغل فيه عدو الشعب اي حدث كان حتى لو تصريح لممثل او مطرب يطبل له من بعيد او زيارة شخص مغمور يتكلم بالشأن السياسي ،او حتى حدث رياضي لا علاقة له به ليحول اي شيء لدعم دعايته الوهمية وانتصاره الدونكي شوتي على المؤامرة التي يقصد بها الشعب السوري الذي انتفض بوجهه ، لم نجد استثمارا من قبل قوى الثورة وقاداتها للحدث الذي مرغ وجه داعميه الروس حين نزلوا بغرور إلى مستنقع اوكرانيا ومما يؤلم ما سمعناه من البعض منهم أنهم متعاطفين مع الروسي بحجة أنه يقف ضد اوروبا التي تدعم المثلية ! وكأن شعبنا في شتات الداخل سمع بالمثلية أساسا او أن رفضها او قبولها كان أحد أولويات الغارقين في بحار العالم والهائمين في شوارع تركيا ومخيمات لبنان والأردن أقول أفيقوا أيها القوم من سباتكم فإن السويداء ودرعا أسمعت حين نادت وإن لكم في الداخل سندا وفي جبل العرب هناك ،دعوة ماجد لا يخذل ها هو سيد بني معروف وشيخ الوطن وضمير كل سوري حر شريف ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا

    Lula

    ·منذ 7 أشهر 4 أسابيع
    لا يفل الحديد إلا الحديد؟؟؟ لا سلمية ستحل الوضع المذري الراهن مع هذا الخنزير بشار ونظامه الفاشل ولا السياسة ولا اللجوء إلى الأمم المتحدة ولا كل هذا الزفت هو اختارها بالرصاص ولن يتم النصر عليه إلا بالرصاص.
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات