هؤلاء هم أمراء دروز سوريا

هؤلاء هم أمراء دروز سوريا

بعد اندلاع مظاهرات السويداء قبل عشرة أشهر ومن ثم انتشار مضمون الاتصالات الهاتفية ما بين قائد حركة رجال الكرامة "ليث البلعوس" ومسؤولي المخابرات بنظام القرداحة، بعد هذا بدأ أنصار نظام الطائفة بشن هجوم إعلامي شنيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي على دروز سوريا وتاريخهم محمّلاً بكل الأكاذيب القذرة من عمالة وإرهاب وغيرها مما برروا به قتل سنّة سوريا، لتصدر أوامر مخابرات القرداحة لاحقاً بوقف الحملة التي استمرت (وإن بشكل محدود) من قبل طائفيي النظام ممن لم يستطيعوا ضبط أحقادهم تماماً، واليوم يتكرر الأمر بعد اندلاع الثورة عملياً في جبل العرب .. لكن أكثر ما استفزني في تلك الحملة قبل عشرة أشهر (وهو ما يتجنبه كتبة النظام حتى اللحظة بأوامر من أسيادهم) هو الهجوم القذر يومها على الزعيم السوري الوطني لجبل الدروز "سلطان باشا الأطرش" وخطه الوطني، قبل وبعد والاستقلال، وهو من ترفع عن أي منصب أثناء الحكم الوطني منذ الاستقلال حتى انقلاب الطائفيين بقناع البعث عام 1963 رافضاً بعدها أي تعاون مع الانقلابيين الطائفيين حتى وفاته.

تُوفيت السيدة "منتهى سلطان باشا الأطرش" قبل فترة ونعاها كثيرون بكلمات عامة، لكن قلة قليلة جداً ذكرت مواقفها التي تُظهر سبب عداء نظام الطائفة وجماعته لهذا الفرع من "آل الأطرش" الذي مثّل عبر التاريخ الحديث زعامة دروز سوريا، فكان من هؤلاء القلة المحامي "مهند الحسني" الذي كانت الراحلة تعامله كابن لها بحكم العلاقة التاريخية بين والد مهند وعائلة "سلطان الأطرش"، حيث كانت الراحلة تشير عليه وتستشيره في كثير من أمور السياسة، كما كانت عضو مجلس الأمناء في "المنظمة السورية لحقوق الإنسان" التي أسسها المحامي "مهند الحسني" والتي لعبت (أي المنظمة) دوراً محورياً في فضح النظام قبل الثورة وكانت نتيجتها اعتقال "مهند الحسني" لبضع سنوات، ويذكر أن مجلس الأمناء كان يضم إضافة للسيدة منتهى الطرش كلاً من د. صادق جلال العظم ود. الطيب التيزيني رحمهما الله.

ربما كان الظرف مناسباً لأعرض بعضاً من مواقف السيدة الإعلامية الفاضلة الراحلة "منتهى سلطان باشا الأطرش" رحمها الله، فذلك خير ما نستذكرها به بما يتجاوز الرثاء الاعتيادي إلى المواقف التي تميز الشخص ويتبين من خلالها موقف معظم دروز سوريا عبر موقف زعامتهم الحقيقية ومنه مواقف الراحلة التي كانت الامتداد الأخير لوالدها؛ موقفهم وموقفها من نظام القرداحة بعيداً عن بعض المرتزقة الذين يعتمدهم النظام متحدثين باسم الدروز، ومن خلال كل ذلك نرى تفسيراً لما يجري اليوم.

قامت الثورة السورية فكان للوطني ابن جرمانا "أدهم مسعود القاق" دور كبير في التنسيق مع الراحلة واصطحابها بجولات لكل مجالس عزاء الشهداء التي انتشرت في دمشق وغوطتها، مطلقة (أي الراحلة) كلماتها النارية بوجه نظام القرداحة متحدثة باسم دروز سوريا تأييداً للثورة السورية .. وعلى التوازي كانت تطلق نفس الخطاب في وسائل الإعلام العربية وخاصة تلك السورية التي اصطفّت إلى جانب الثورة وهو ما كان يدفع بعض أبناء عمومتها المقيمين في الخارج للضغط عليها لتمتنع عن هذه المواقف.

بعد خروجي من المعتقل عام 2006 تعرّفتُ إلى السيدة "منتهى سلطان باشا الأطرش" رحمها الله عبر الصديق المشترك المحامي "مهند الحسني"، فكانت لها مواقف شهدتُها شخصياً معها، سأعرض بعضاً منها لنعرف سر عداء نظام القرداحة وجماعته للدروز عامة "ولآل سلطان باشا الأطرش" خاصة، استكمالاً لبعض مواقفها التي عرضها المحامي "مهند الحسني" عند وفاتها.

في كل مرة ضغط أبناء عمومتها من آل الأطرش عليها لتخفف من نشاطها وتصريحاتها؛ كان تسألني رأيي (كما بعض المقربين منها كبعض أبناء إخوتها وأدهم القاق ومهند الحسني)، فكنت (وكنا) بالكاد نستطيع تهدئة خطابها الناري، ورفع بعض النقاط النارية منه التي كانت تثير جنون النظام كالإشارة المباشرة إلى رأس النظام ووالده وطائفية النظام ومخابراته بما يليق بهم من دور لا وطني على مدى نصف قرن، يدفعنا إلى تهدئتها خوفنا عليها من التصفية، فكانت تستجيب لفترة ثم تعاود وتتجاوز هذه المحاذير في خطابها، ما اضطرها أخيراً وبضغط من كل من حولها لمغادرة دمشق إلى بيت العائلة في "القريا" حيث قضت آخر سني حياتها.

كنت أصطحب الراحلة إلى جلسات المحاكمة الهزلية للمحامي "مهند الحسني" قبل الثورة بسنوات، فاقترب منها يوما أحد مبعوثي مخابرات الأمن السياسي المكلف بمتابعة نشاطات المعارضة، سلّم عليها بودّ واحترام مقدّماً نفسه باسمه وليس بعمله حيث كان درزياً من محافظة السويداء ليتقرب منها من خلال ذلك، فسارعت أنا إلى تعريفها بانتمائه الوظيفي المخابراتي، فما كان منها له إلا نظرة احتقار لم أرها منها من قبل وهي المتواضعة، ثم طردته ليبتعد عنها بكلمات وحدة لم أرها منها إلا لاحقاً في خطاباتها النارية في مجالس عزاء الثورة وعند مداخلاتها مع وسائل الإعلام بعد اندلاع الثورة السورية.

في يوم 16/03/2011 أي قبل يومين من اندلاع الثورة السورية؛ دُعِيَ من قبل الأهالي إلى اعتصام لهم عند وزارة الداخلية تضامناً مع معتقليهم، فكان الاعتصام بحضورٍ معظمه من الأهالي وقلة من الناشطين كنت منهم، فقررت الراحلة المشاركة حاملة صورة المحامي المعتقل "مهند الحسني" .. اصطحبتها إلى مكان الاعتصام الذي حضره ما يقارب مئة وخمسون شخصاً اعتُقل يومها ثلثهم.

في لحظة معينة بدأ الهجوم الوحشي من قبل المئات من عناصر المخابرات بلباسهم المدني على الحشد بالضرب والاعتقال وتمزيق الصور ليختلط الحابل بالنابل؛ أهالي وناشطين وعناصر مخابرات، مضروبين وضاربين، في منظر غير مسبوق على رصيف الاعتصام (في ساحة المرجة قبل طلعة شارع رامي) بينما وعلى بعد أمتار منه في الجهة المقابلة وسط ساحة المرجة كانت المخابرات تنظّم مظاهرة تأييد للنظام تغطيها وسائل إعلامه بينما الضرب الوحشي والاعتقال يجري خلف الكاميرات.

وسط تلك المعمعة رفعت السيدة "منتهى سلطان باشا الأطرش" صوتها موجهة الإهانات للنظام ومخابراته وعناصره بينما كان الضرب الوحشي والاعتقال على بعد أمتار منها، لينتبه عناصر المخابرات لذلك حيث كان تركيزهم على الشباب بينما هي السبعينية كأمثالها من كبار السن لم تكن هدفهم .. وكان بالقرب منا ووسط تلك الحشود ضباط وزارة الداخلية وبعض عناصرهم بلباسهم الرسمي لكن دون التدخل بكل ما يجري، كنت بجوار الراحلة أعمل على حمايتها تجنباً لتعرضها لأذى وسط تلك المعممة وهي المسنّة دقيقة الجسم (لكن بعينين كعيني الصقر).

سمعها وانتبه لها عناصر المخابرات وهي تُهينهم ونظامهم ومخابراتهم فاندفعوا نحوها، وخلال لحظات تسارعت الأمور .. حُلتُ بينها وبينهم صارخاً بهم أن "إياكم أن تمسوها فأنتم لا تعرفون من هي"، كان على بعد مترين منا ضابطان من وزارة الداخلية برتبة عميد ونقيب يراقبان المشهد منذ بدايته، فصرخ العميد بعناصر المخابرات المندفعين نحوها أن "توقفوا" ففعلوا على مضض واستغراب .. اقترب منا العميد فقلت له "إنها السيدة منتهى سلطان باشا الأطرش" ولو مُسَّتْ شعرة منها سيقوم كل جبل الدروز بوجهكم" .. فهم الوضع فأمر العناصر بحدّة بالتراجع وقال لي "أقدّر ذلك تماماً، ولكني لا أستطيع ان أضبط الوضع كما ترى في هذه المعمعة، لذلك أرجوك أن تقنعها بالمغادرة خوفاً عليها أولاً وأخيراً فالأمر قد انتهى ولا داعي لبقائها أكثر" .. كان صادقاً بل ومتعاطفاً كمعظم ضباط الداخلية يومها معها ومع المعتصمين لكنهم بلا حول ولا قوة وسط حضور كل وحوش شعب المخابرات الذين اجتمعوا ونادراً ما يفعلون، حيث يتوزعون المهام القذرة والمناطق غالباً.

كنت أحمل نفس قناعة العميد في وزارة الداخلية، فقد قامت بما أرادت ولا بد من المغادرة خوفاً عليها لا خوفاً منها من النظام ومخابراته وهي التي لم تكن تقيم لهم وزناً بشجاعة أعطتني يومها مشهداً كنت أرى فيه مثالاً حياً لما كنا نقرؤه عن "سلطان باشا الأطرش" صاحب النخوة والشجاعة والوطنية ومقولة "المنيّة ولا الدنيّة" .. اقتنعت الراحلة على مضض، فرافقتها إلى شارع النصر عبر شارع رامي لأوقف لها سيارة أجرة ثم أعود للاعتصام، أو حفلة الوحوش المفترسة في ساحة المرجة.

ستلتقي جموع أحرار الدروز اليوم عند ضريح الباشا سلطان الأطرش في بلدة "القريا" التي فاح منها دائماً عبق الوطنية السورية، فكتبت ما كتبت سابقاً واليوم لاحقاً، فهكذا أتذكر الراحلة "منتهى ابنة ابيها سلطان باشا الأطرش"، وهكذا أرى من خلالهم كل درزي وطني سوري شريف وما أكثرهم، وهكذا أنظر لرجال الكرامة، أما أكاذيب وأحقاد نظام طائفة القرداحة بحق هؤلاء وزعامتهم الوطنية التاريخية فليست إلا غثاء سيلٍ مكانه هو قائلوه مزبلة التاريخ.

التعليقات (1)

    الطائفة العلوية

    ·منذ 8 أشهر أسبوع
    الطائفة العلوية الخائنة عديمة الوطنية منذ سرقة واحتلال سوريا لم يتركوا فيها حجر على حجر من دمار و قتل واعتقال و سرقة ونهب وتهريب وفساد ومحسوبية واستيلاء بقوة السلاح ... همها الوحيد الاستيلاء على كل شي من البشر والشجر والحجر ... اقذر طائفة جائعة عديمة الشرف والوطنية
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات