"توقف دعم المشفى يعني أن حياتي مهددة بالموت".. بهذه العبارات يتحدث "عصمت سلو" البالغ من العمر 49 عاماً، عن أثر إغلاق مركز غسل الكلى في مشفى "بهار" في مدينة عفرين شمال حلب.
تتسارع نبضات قلب "سلو" أثناء حديثه معنا ويقول: "منذ أن سمعت أن المركز سيتوقف جرّاء انقطاع الدعم وأنا أشعر بالخوف، فأنا لم أتصور يوماً أن تتوقف جلسات العلاج اللازم في المشفى".
يروي سلو لـ"أورينت نت" أنه يعاني منذ خمس سنوات من مرض الفشل الكلوي، وأنه يحتاج إلى ثلاث جلسات أسبوعية لغسيل الكلى، مضيفاً: "كنتُ أتلقى العلاج في مستشفى بهار في عفرين بشكل مجاني، ولكن منذ مطلع الشهر الجاري آب/أغسطس سمعنا أن المشفى سيتوقف نتيجة عدم توفر الدعم اللازم، ما أثار ارتباكاً وخوفاً لدى العديد من المرضى".
يعيش "سلو" مع بناته الثلاثة وأمهم في حي الأشرفية بعفرين، ويعجز عن توجهه خارج عفرين لإجراء عمليات الغسيل، كما يؤكد على أنه غير قادر على شراء الأدوية لغلائها التي تتضمن حبوب "سيتامول، وحديد، وغدّة، وفيتامينات مكملة".
تهديد بالإغلاق
يُقدم مشفى "بهار" خدماته لقرابة 70 بالمئة من أهالي منطقة عفرين، إذ يبلغ عدد المستفيدين شهرياً من خدمات المشفى 5 آلاف مريض، وفقاً لـ"مالك العكاري" الذي يشغل رئيس التمريض في المشفى.
يقول العكاري لـ"أورينت نت" إن المشفى توقف دعمه من قبل الجهات المانحة في تاريخ 23 تموز/يوليو الماضي، بعد مسيرة عمل دامت أكثر من 9 سنوات، لافتاً أن المشفى لا يزال إلى اليوم يُقدم خدماته بالمجان بحسب قدرته التشغيلية التي قد تنتهي بعد شهر تقريباً، لافتاً أن كوادره الطبية تعمل إلى اليوم بشكل تطوعي.
يحوي المشفى وفقاً لـ"العكاري" على قسم للإسعاف وقسم للأشعة ومخبر وصيدلية وقسم للنسائية يضم "عيادة - ولادة طبيعية - ولادة قيصرية"، كما يحوي على قسم للأطفال والحواضن تضم "عيادة - جناح للأطفال - حواضن"، بالإضافة إلى قسم العناية وقسم غسيل الكلى وهو الأكثر أهمية في المشفى والذي يشمل "عيادة وقسم للغسيل".
يُغطي قسم غسيل الكلى أكثر من 70 بالمئة من مرضى القصور الكلوي في منطقة عفرين وريفها والذي يبلغ عددهم 80 مريضاً، بحسب العكاوي، مشيراً إلى أن القسم يحوي على 7 أجهزة غسيل، إذ يُسجل المركز 800 جلسة شهرياً للمرضى، بالإضافة إلى الجلسات الإسعافية التي لا تُحصى.
وبيّن "العكاوي" أن بعض مرضى القصور الكلوي يحتاجون أسبوعياً إلى جلستين والبعض الآخر إلى ثلاث جلسات، في وقتٍ يُقدم المشفى خدمته بالمجان لهم على مدار الـ24 ساعة، كما يُقدم المشفى التحاليل والأدوية للمرضى بشكل مجاني، ولكن مع توقف الدعم فإن حياة المرضى مهدّدة بالموت حتماً، بسبب عدم توفر مراكز غسيل أخرى في المنطقة، وإن وجدت فهي غير قادرة على استيعاب العدد الموجود لدينا.
البدائل مكلفة
وعلى الرغم من وجود مركز لغسيل الكلى في مدينة إعزاز شمال حلب، ولكن المريض "سليم سيد أحمد" (48 عاماً) لا يستطيع الذهاب إليها، بسبب بعد المسافة وغلاء الأجور، خاصّة أنه يحتاج أسبوعياً للذهاب ثلاث مرات للغسيل.
يقول "سيد أحمد" لـ"أورينت نت" إن وضعه المادي لا يسمح له بالمطلق الذهاب إلى إعزاز، فأجور المواصلات أمر مكلف جداً، وبذات الوقت لا "أستطيع غسيل كليتي في المشافي الخاصة بسبب ارتفاع تكاليفها".
الطبيب "عبد الرحمن عجيجو" الذي يشغل المدير الطبي لمشفى بهار، يقول لـ"أورينت نت" إن نسبة وجود خدمة غسيل الكلى نادرة في المشافي الخاصّة لأنه يعتبر أمر مكلفاً جداً، إذ تبلغ أجرة الجلسة الواحد فقط قرابة 50 دولاراً أمريكياً، مشيراً أنه مهما كان حال المريض جيد مادياً فهو عاجز عن تأمين ثمن جلساته لأشهر في المشافي الخاصّة.
وأوضح أن مرض "القصور الكلوي" مزمن، أي إن المريض المصاب مضطر أن يخضع لعمليات غسيل مدى الحياة، وفي حال تأخره 10 أيام فقط عن الغسيل فمصير المريض حتماً هو "الموت".
يضيف المدير الطبي "عجيجو" أن المشفى كان يُقدم التحاليل بشكل دوري ومجاني داخل المشفى لمرضى القصور الكلوي، بالإضافة إلى صور شعاعية وأدوية لكل مريض تتضمن مكملات بسبب فقر الدم الذي يُصيب عادة هؤلاء المرضى، بالإضافة إلى الأدوية الضرورية التي يحتاجها كل مريض.
موازنة تشغيلية
وعن توقف الدعم، أكّد "عجيجو" في حديثه لـ"أورينت نت" على أن الأسباب تكمن بأن دعم المشفى خارجي وليس محلياً فهو مدعوم من منظمة بهار الإنسانية.
وأوضح أن على الرغم من توقف الدعم لكن إدارة المشفى تملك موازنة من شأنها ألّا تغلق الأقسام والعيادات، بسبب الحاجة الملحّة للسكان، إذ يعمل المشفى حتى تاريخ اليوم بشكل مجاني، على الرغم من التكلفة التشغيلية العالية لليوم الواحد.
واسترسل قائلاً: "إن المشفى يحوي أقساماً عدّة أبرزها "الإسعاف، والأطفال، والنسائية"، ويومياً يستقبل قسم الأطفال 10 حالات مرضية، بالإضافة إلى الحالات اليومية للولادات الطبيعية والقيصرية، ولكن لا ندري إلى متى قد يعمل المشفى في هذه الموازنة"، مؤكداً أن توقفه سينعكس سلباً وسيشكل كارثة تهدد حياة السكان في عفرين وريفها.
تحذيرات مسبقة
أنذر تقرير صادر عن منظمة "منسقو استجابة سوريا" نُشر مطلع العام الجاري، من مخاوف توقف الدعم عن منشآت غسيل الكلى في شمال سوريا، وما قد يخلف من عواقب كارثية على حياة المرضى.
ووفقاً للتقرير فإن الدعم توقف عن العديد من مراكز غسيل الكلى خلال العام الماضي، وإن المرضى باتوا يعتمدون على شراء المواد على حسابهم الشخصي لضمان استمرار العلاج، الأمر الذي زاد من الأعباء على المرضى، إضافة إلى تنقل المرضى من منطقة إلى أخرى بحثاً عن مراكز، وفي كثير من الحالات لا يستطيع المريض إجراء العلاج بسبب إغلاق بعض المراكز.
وطالب التقرير وقتئذٍ الجهات المانحة للقطاع الطبي في الشمال السوري، بإعادة الدعم المقدم وفي مقدمتهم منظمة الصحة العالمية WHO، وخاصةً في ظل الضعف الكبير للاستجابة الإنسانية ضمن القطاع الطبي والتي لم تتجاوز 33 بالمئة خلال العام الماضي.
انخفاض الدعم 40 بالمئة
ومنذ سنوات يشهد القطاع الطبي في المناطق المحررة (شمال غرب سوريا)، تهديدات بانقطاع الدعم، الأمر الذي ينذر بأزمات صحية، وفقاً لتقرير صادر في 25 كانون الثاني الماضي، عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، الذي أكّد على أن نسبة كبيرة من المراكز الصحية في شمال سوريا خارج الخدمة أو متوقفة جزئياً بسبب توقف الدعم.
وبحسب تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية، فإن نسبة انخفاض دعم القطاع الطبي بلغت 40 بالمئة منذ مطلع العام الفائت على شمال غرب سوريا، ما ترك عشرات المرافق الطبية والمشافي تعيش في حالة أزمة.
ويؤكد التقرير على أن تضاؤل المساعدات الدولية لشمال غرب سوريا في العام الماضي ترك ما يقارب 3.1 مليون شخص، من بينهم 2.8 مليون نازح داخلياً يواجهون أزمة صحية، حيث تكافح المستشفيات والمرافق الطبية الأخرى للعمل بموارد منخفضة.
التعليقات (0)