عرف العالم أنواعاً كثيرة من الاختطاف، لكن أول مرة يحدث أن يُختطف شعب كامل، هذا النوع الجديد في سورية الجملكية، حيث يعيش نحو 8 ملايين سوري في قبضة حديدية، تنعدم أدنى مقومات الحياة، لا كهرباء لا ماء لا غاز ولا دواء ولا دخل يغطي ارتفاع الأسعار التي لا تثبت 24 ساعة، ترتفع حسب أهواء الباعة بحجة تقلبات سعر صرف الدولار، ولا رقابة على فوضى السوق، فضلاً عن الفلتان الأمني ونهب الناس.
حدّثني جارنا أن مربّي أغنام كان لديه 1800 رأس غنم هي ثروته وإخوته، هجم عليهم ما تسمّى القوات الرديفة، هم سوريون تحت سيطرة إيران وحزب الله، هجموا في وضح النهار وسلبوا قطيع الأغنام بعدما ضربوا أصحابه ضرباً مبرحاً، والضحايا حمدوا الله على بقائهم أحياء، لأنه قبل أشهر نفس القوات الرديفة، قتلت صاحب الغنم وسلبت قطيعه 1000 رأس غنم، ما عدا فرض الحكومة الضرائب باستمرار، فأصبح زهاء 97% من السوريين تحت خط الفقر بكثير، إذ يُقدّر متوسط الرواتب بنحو 15 دولار، لا تكفي 3 أيام بالحدّ الأدنى للنفقات.
ومن جهة أخرى يوجد في سوريا 4 جيوش، أمريكي شرق الفرات، وتركي في الشمال السوري، وروسي في الساحل غرب سورية ، وإيراني في مناطق أسد، إضافة إلى انتشار مليشيات متعددة الجنسيات باكستانية، عراقية، أفغانية بمسمّيات عجيبة الزينبيون والفاطميون وأحفاد الحسين وأسماء أخرى تقودها إيران، كقطّاع الطرق يفرضون الإتاوات على وسائل النقل عبر الحواجز على الطرقات ومعهم أفراد من الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد شقيق بشار.
أمام هذا المشهد التراجيدي جلس بشار رأس النظام في قصره بالمهاجرين غير مكترث بمعاناة السوريين، متفرجاً على هذه الجيوش عاجزا عن هشّ ذبابة بوجهها، وقال "انتصرنا" ليس مهمّاً على من انتصر بعد تدمير سورية، وتهجير شعبها، وانتشار مخيمات اللجوء بدول الجوار والشمال السوري، وحصر المعارضة المسلحة في إدلب، تصطادها الطائرات الروسية بين الحين والآخر، ويزعم الجولاني بإدلب أنه حاكمها، امتلكها أرضاً وشعباً فظهر في ثرائه الفاحش، لديه حكومة الإنقاذ، وفي شمال شرق سورية حكومة ميليشيا قسد، والائتلاف في حضن تركيا لديه الحكومة المؤقتة، وفي دمشق حكومة النظام تزعم سيطرتها على أغلب جغرافيا سورية، ومعاناة السوريين واحدة في ظل الحكومات الأربع .
لا نقول جديدا في هذه "التغريبة السورية" ومعاناة الشعب السوري، الذي تفرّق وتشتت داخل وخارج سورية، بل الجديد أن السوريين داخل سورية أصبحوا رهائن " كالطائرة المختطفة" بيد بشار الأسد رئيس الجملكية العربية السورية، متفاخراً في رئاسته على خازوق الاحتلالات المتعددة، تبسط نفوذها على الجغرافيا السورية، وقال في حديثه لسكاي نيوز: "سر صمودنا الوعي، وكنا نعرف الحرب طويلة، ولو عاد الزمن 12 سنة لاتخذت نفس القرارات حفاظاً على القرار السوري ومصالح سورية"، هل يعي ما يقول هذا الرجل أمام هذا الخراب والاحتلالات التي بيدها قرار سورية؟
حدّد الخاطف بشار الأسد مطالبه للإفراج عن السوريين الرهائن في مناطق سيطرته:
1- رفع العقوبات الاقتصادية عن النظام.
2- تدفّق استثمارات الخليج لسورية لأن دول الخليج تسببت بالفوضى داخل سورية.
3- عاجز كدولة عن مكافحة صناعة وتجارة الكبتاغون لأن الفوضى تسببت بتوطينها في مناطقه، فعلى المتسبّبين بالفوضى دفع ما يعادل أرباح الكبتاعون، وتُقدّر بـ5.7 مليار دولار عام 2020، تكون ارتفعت أرباحه بعد تطوير الصناعة وإنتاج أنواع مختلفة من المخدرات، واتساع جغرافيا توزيعها عالمياً.
4- لا عودة لللاجئين في دول الجوار / 3 مليون في تركيا/ مليون في الأردن ومثلهم أو يزيد قليلاً في لبنان/ لانعدام البنية التحية لاستقبالهم، لا كهرباء ولا ماء ولا مدارس ولا طبابة كما قال، يجب إعادة إعمار سورية، وهو ليس مسؤولاً عن هذا الدمار بل الإرهاب دمّرها.
هذه مطالب بشار الأسد للإفراج عن 8 ملايين سوري رهائن لديه، يسومهم أشدّ أنواع الإذلال، الكهرباء ربع ساعة كل 6 ساعات، لا ماء ، أصبحت الناس تشتري 200 ليتر ماء بـ 6000 ل س ، بالصهاريج غير المعالجة، تسبب الأمراض ولا يوجد دواء، وإن وُجد فأسعاره مرتفعة لا يقوى السوريون على شرائها بدخلهم الضعيف ( 8 دولارات شهرياً)، ولا غاز للطبخ ، الأسطوانة المدعومة 18000 ل س كل شهرين، فيضطر السوريون لشراء حاجتهم من السوق السوداء بـ 120000 ل س. هذا مع ارتفاع أسعار المحروقات المازوت والبنزين، وهي سلع جرارة لارتباطها بالزراعة والنقل، فارتفعت أسعار تلك السلع أضعاف سعرها الحقيقي. ونتيجة الانهيار الاقتصادي أصبح التهريب هو السائد لتوفير السلع، ما يرفع الطلب على العملة الصعبة الدولار، فتهاوت القيمة الشرائية لليرة السورية، لتصبح أكثر من 14000 ل س للدولار بعد ساعات من حواره مع قناة سكاي.
حزمة المطالب هذه أعلن معها رفضه مبادرة الجامعة العربية جملة وتفصيلاً، وبالتالي وأد الحل السياسي المطلوب دولياً وفق قرار مجلس الأمن 2254، القاضي بمرحلة انتقالية تقودها حكومة واسعة الصلاحيات، والإفراج عن المعتقلين، وكشف مصير المفقودين، تنتهي بانتخابات رئاسية تحت رقابة الأمم المتحدة، يشارك فيها السوريون بالداخل والخارج.
يعرف بشار أن هذا إنهاء لحكمه، لذا رفض قرار 2254 للأمم المتحدة الصادر 2015. لذا قال بصريح العبارة "لا أفكر بالتخلّي عن السلطة لأنه هروب من المسؤولية ".
فهل يستمر التطبيع العربي بعد كل هذا ومع استمرار تجارة مخدرات الكبتاغون؟
من المتوقع أن تشهد سورية موجة من التفجيرات في ظل توتر عسكري بالشمال السوري وشرق الفرات، لتكون ذريعة النظام في إسكات السوريين، لا صوت يعلو فوق صوت البندقية فنحن في حالة حرب، على الشعب الالتفاف حول " قائده"، وعلّق سوري جائع من الساحل الذي يعتبره النظام حاضنته الشعبية: "نحن نلتف حول نفسنا ونحكي لحالنا، صرنا على حافة الجنون، ماذا فعلنا لك يا سيادة الرئيس لتعاقبنا؟".
للتذكير بشار نفى أن يكون رئيساً بالتوريث، ذكّرني بقول جوزيف غوبلز، بوق الإعلام النازي وذراع هتلر القمعية ضد حرية الفكر والتعبير: "اكذب ثم اكذب حتى يصدّقك الناس" لكن بشار "اكذب ثم اكذب حتى تصدّق نفسك".
في سورية كان ولي العهد للرئاسة باسل، لكنه توفي بحادث سير1994، فأصبح بشار خليفة باسل بولاية العهد، وحصلت مشكلة بالتوريث لأن سنّ بشار عند وفاة والده حافظ أسد كان 34 عاماً، والدستور يحدد سن رئيس الجمهورية بـ40 سنة عند استلامه الحكم، فاضطر البرلمان( مجلس الشعب) لتعديل المادة بربع ساعة ليصبح دستورياً 34 سنة. ورغم ذلك كذب بشار وقال ليس توريثاً.. "الحزب رشحه وفاز بالاستفتاء". ماذا نقول عن مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية، التي حضرت جنازة حافظ أسد يونيو 2000، واختلت ببشار ساعة قبل الدفن، لتفرضه بلادها على السوريين رئيساً كل مؤهّلاته أنه ابن الرئيس؟ وأصبح رئيس الجملكية العربية السورية حتى اليوم.
التعليقات (4)