عملية نهب مستودعات الأركان التابعة للجيش السوري الحر نهاية عام 2013، شكلت ضربة قاصمة أنهت بموجبها وجود قيادة الجيش الحر، ولحق بها ما كان يُسمى المجلس العسكري الأعلى الذي تقوده أكثرية مدنية وليس عسكرية.
وتعددت الدعوات بعدها لإنشاء مجلس عسكري يشكل رافعة لعمل الفصائل وغطاء عسكري وسياسي لعمله، كانت سمة الفشل هي السمة التي رافقت كل الخطوات والدعوات لتشكيل أي مجلس عسكري بعدها، ثم انخرطت القوى العسكرية في شمال سوريا شرقاً وغرباً وفي الجنوب السوري تحت تحالفات دولية وسيطرة لغرفة الموم Military Operations Command" وغرفة الموك "Müşterek Operasyon Merkezi" اللتين كان يتم عبرهما تذخير وتسليح فصائل الجيش الحر مباشرة، وكانت تُقاد تلك الغرف من ضباط استخبارات تتبع لعدة دول عربية وأوروبية بقيادة أمريكية.
رافق ذلك قيام العميد السوري المنشق "مناف طلاس" عام 2013 بزيارات لعدة عواصم عربية وإقليمية، وفي العاصمة الروسية موسكو والتقى وزير خارجيتها سيرغي لافروف، والتقى بوزراء خارجية تركيا والأردن.
وأوحت نتائج تلك الزيارات أنه لا توجد هناك أي نية أو موافقة عربية أو إقليمية أو دولية على إنشاء مجلس عسكري سوري أعلى يشكل غطاء لمرحلة انتقالية في سوريا، تنهي نظام الأسد وتوقف الاقتتال والفوضى، وتعيد هيكلة الجيش السوري وأجهزة الأمن، وتؤسس لمرحلة جديدة في سوريا، ثم غابت أي طروحات أخرى حول الأمر.
بالمجمل، يمكن القول إن الحديث عن مجلس عسكري يخضع لاعتبارين أساسيين:
أحدهما ينحو باتجاه مجلس عسكري محلي داخلي يشكل غطاءً لعمل فصائل الجيش الوطني التي تسيطر على شمال غرب سوريا وبعض الأجزاء من ريف الساحل السوري، وأمر تشكيل هذا المجلس يخضع لتوافقات محلية وقد يكون للحليف التركي دور بقبوله واختياره.
والاعتبار الآخر، هو الحديث عن مجلس عسكري أعلى مختلف عن السابق ويأتي كجزء من مفردات القرار 2254، ويختص بالشأن العسكري والأمني، ويعنى بالعمل ضمن المرحلة الانتقالية، من خلال إجراءات خاصة تتضمن إعادة هيكلة الجيش والقوى الأمنية، وضبط السلاح المنفلت لدى الفصائل والميليشيات المتعددة على الجغرافية السورية، وفرض حالة الانضباط والاستقرار وتهيئة الظروف لانتخابات واستحقاقات القرار 2254.
عام 2021 كان هناك لقاء مقرر لمنصتي القاهرة وموسكو المعارضتين مع وزير الخارجية الروسي لافروف في موسكو، وبعد اتصالات أجراها المعارض السوري جمال سليمان مع عدة شخصيات عسكرية، وأمام إصرار روسي على رفض أي تغيير للحكم بسوريا إلا عبر وسائل ديموقراطية، وأمام فشل كل جولات التفاوض بين وفود النظام والمعارضة في جنيف وسواها، وخلال اجتماع لأعضاء من منصتي القاهرة وموسكو مع الجانب الروسي، وبوجود الجنرال ألكسندر زورين المسؤول عن الملف العسكري السوري في روسيا، ومستشار الرئيس الروسي بوتين للشؤون العسكرية، اقترح المعارض جمال سليمان وبمبادرة شخصية أن يكون مخرج الحل السوري عبر مجلس عسكري أعلى مكون من ثلاثة أجزاء.
وهي: ثلث من ضباط النظام، وثلث من الضباط المنشقين، وثلث من الضباط الكبار المتقاعدين، وجميعهم لم يشاركوا بالقتل في سوريا، ويكون اختيارهم مناصفة بين النظام والمعارضة، وتكون مهمة المجلس المذكور قيادة المرحلة الانتقالية بشقها العسكري، على أن يكون عمله ضمن مدرجات هيئة الحكم الانتقالي الواردة في بنود القرار الدولي 2254، واستمع الجنرال زورين للمقترح ولم يعلق وانتهى الأمر دون نتيجة.
مؤخراً، ظهرت عدة دعوات لإعلان مجلس عسكري لكنها خلطت بين مجلس عسكري محلي يخضع لقرار سوري داخلي وبين مجلس عسكري يخضع لاعتبارات عربية وإقليمية ودولية نتيجة تدويل القضية السورية وخروجها من يد السوريين، لكن ما يعيب تلك الدعوات أنها كانت رمادية، ضبابية، غير واضحة المعالم، تحاول الاستثمار بالحالة النفسية السيئة التي تجتاح مزاج معظم السوريين، وتحاول دغدغة عواطفهم بوعود غير حقيقية وغير واقعية.
الاجتماع الذي حصل مؤخراً في مدينة عفرين بالشمال السوري وتصدره عدة ضباط منشقين عبر ما يسمى حركة التحرر الوطني التي تُنسب للعميد مناف طلاس، وطرحت فكرة المجلس العسكري الأعلى دون أي توضيح إن كان محلياً أو من ضمن مفردات القرار الدولي 2254.
وأرادت الترويج للمشروع شعبياً عبر دعوة بعض المدنيين وبعض رموز العشائر لحضور الإعلان، وهناك أكد هؤلاء أن الحل السوري قادم وسيكون على يد تلك الحركة، لكن وبلقاء تلفزيوني للناطق الرسمي باسم ضباط المجلس العسكري المعلن في عفرين على إحدى الفضائيات المحسوبة على المعارضة، تهرب فيه من الإجابة على معظم الأسئلة واكتفى بالتحدث بالعموميات، رافضاً التأكيد بشكل واضح عن وجود أي توافق أو موافقة عربية أو إقليمية أو دولية للمشروع المعلن.
والأحداث تؤكد أن ما تم الإعلان عنه ما هي إلا مبادرة خاصة داخلية لا تحمل غطاء عربياً أو إقليمياً أو دولياً، ويستدل على ذلك بغياب العميد مناف طلاس رسمياً عن حضور الاجتماع أو إلقاء كلمة ولو عبر دائرة تلفزيونية وحتى عن إذاعة بيانها، مع معلومات عن قيام قيادة الجيش الوطني بفصل ضابطين يتبعان له حضرا اجتماع إعلان الحركة في عفرين.
ختاماً وجب القول: القضية السورية اليوم تمر بمرحلة حساسة ومتقلبة، والمواطن السوري وعلى ضفتي النظام والمعارضة، يعيش حالة غاية بالسوء من كل النواحي السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
وأي طروحات وهمية أو خلبية غايتها دغدغة عواطف الناس دون قدرتها على إنتاج حلول حقيقية للقضية السورية، هي حالة مرفوضة قطعاً، وإن التلاعب بمشاعر الناس واستغلال الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب السوري عبر مشاريع رمادية، ضبابية، غير واضحة الملامح ستكون نتائجها كارثية على الشعب السوري وقضيته التي يكافح من أجلها.
وقضية احترام تضحيات السوريين والأثمان التي قدموها على مدار 12 عاماً يجب أن تدفع أصحاب المبادرات والمشاريع وطالبي السلطة وأصحاب الأحلام، للتروي قليلاً قبل طرح أي مشاريع غير معروفة النتائج، فالشعب السوري ليس حقلاً للتجارب ولا فئران اختبار.
التعليقات (2)