تعثر منطقي للتطبيع العربي مع بشار الأسد

تعثر منطقي للتطبيع العربي مع بشار الأسد

تعثّرت مسيرة التطبيع العربي مع بشار الأسد ونظامه. بدا التعثر منطقياً كون المسيرة محكومة بالفشل منذ البداية لأسباب ذاتية وموضوعية تتعلق بالأنظمة المطبّعة، كما بالأسد الميّت سريرياً من الناحية السياسية منذ انطلاق الثورة السورية، وإصدار الشعب العظيم حكماً نهائياً باتاً ومبرماً حيث لا جدوى ولا إمكانية أصلاً لتعويمه وشرعنته وإعادته إلى الحياة من جديد.

تراكمت شواهد التعثّر في الأيام والأسابيع الأخيرة، حيث أبرم النظام مزيداً من اتفاقيات التبعية والذل وواصل رهن أصول ومقدرات البلد لإيران بالتوازي مع عرقلة الاستثمارات العربية بالبلد، كما تجدد خلاف السعودية العلني مع رعاة الأسد بطهران، بينما عمدت الرياض إلى تجميد عملية ترميم سفارتها في دمشق وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام، والطلب -مع دول خليجية أخرى - من رعاياها مغادرة لبنان الذي عاد لتبعية ووصاية طهران وحلفاء الأسد وعملائه وأدواته في بيروت.

كتبنا هنا منذ أسابيع عن التطبيع العربي مع بشار الأسد، حيث من لا يملك يعطي لمن لا يستحق بمعنى أن الأنظمة العربية لا تملك حق إعطاء الشرعية لبشار كون الأمر منوطاً حصراً بالشعب السوري بصفته المرجعية العليا، والذي قال كلمته الحاسمة منذ سنوات ولا يزال بكل الطرق والأساليب المتاحة، كما إن بشار الأسد لا يستحق بالتأكيد شرعنته وتعويمه بعد الجرائم الموصوفة التي ارتكبها ولا يزال بحق البلاد بشراً وحجراً، كما بحق العرب وأمنهم القومي ومصالحهم الحيوية والإستراتيجية بمعناها التاريخي الواسع والعميق مع استقدام الغزاة الأجانب على اختلاف مسمياتهم فقط للبقاء في السلطة ولو شكلاً ضد إرادة الشعب الثائر. وفي السياق التحوّل إلى حلقة مركزية في العمود الفقري لإمبراطورية الدم والوهم الفارسية التي تتباهى باحتلال أربع عواصم عربية من بينها دمشق، إضافة إلى صنعاء وبيروت وبغداد باعتبارها عاصمة الإمبراطورية المزعومة.

أما في أسباب وخلفيات فشل التطبيع وهو أمر حتمي، كما توقعنا فيمكن الحديث عن عدة معطيات أساسية ومركزية أولها وأهمها أن الأنظمة العربية التي تفتقد في معظمها للشرعية والتفويض الديموقراطي اللازم من شعوبها لا تملك أخلاقياً حق وسلطة وصلاحية شرعنة الأسد وتعويمه، ومع التراجع العربي الرسمي الناجم أساساً عن منظومة الاستبداد والفساد الرسمية التي ينتمي إليها بشار فلا يملك المطبّعون القدامى والجدد نفوذاً وتأثيراً إقليمياً ودولياً يسمح لهم بتجاوز العقوبات الدولية الغربية "تحديداً" ضد نظام بشار الأسد، ناهيك عن رفعها نهائياً في ظل استمرار نهج وممارسات النظام الإجرامية على كل المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية ضد شعبه كما دول الجوار والمجتمع الدولي بشكل عام.

فيتو دولي أممي

وفيما يخص المطالب أو الشروط المطروحة "المتواضعة" من المنظومة العربية الرسمية كي يشجعها الأسد على المضي قدماً في مسيرة التطبيع معه والمتضمنة عودة آمنة للاجئين السوريين إلى مدنهم وقراهم وبلداتهم، وإعادة إعمار شفافة ونزيهة وجادة، وهي أمور لا يمكن أن تتم بعيداً عن الأمم المتحدة وقراراتها وشرعيتها ورعايتها، كما دعم وتأييد المجتمع الدولي ليس فقط سياسياً وإنما قانونياً واقتصادياً أيضاً.

هنا، لابد من التذكير بحقيقة أن المنظومة العربية لا "تمون" على اللاجئين ولا تستطيع طمأنتهم أو ضمان عودة آمنة وكريمة إلى بلادهم التي دمرها الأسد واستقدم الغزاة الأجانب لحماية سلطته الشكلية عليها.

في السياق، لا بد من التذكير أن المنظومة الغربية أي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا واليابان، وهي الجهات الفاعلة سياسياً وقانونياً واقتصادياً بالمجتمع الدولي رافضة تماماً لأي تطبيع مع نظام الأسد حتى مع عدم تحركها باتجاه موقف إيجابي لإسقاطه، وتقديم المساعدة الأخلاقية والسياسية والعسكرية الضرورية للشعب السوري المستعد دوماً للتضحية لإنجاز المهمة.

وفيما يخص الاستثمارات العربية بمناطق سيطرة النظام فما من بيئة آمنة ومناسبة خاصة أن الأنظمة المطبّعة لم تعد في وضع اقتصادي يسمح لها بتقديم المساعدات المالية المجانية، كما كان الحال في الماضي زمن الأسد الأب، وهي سعت وراء الاستثمار الصعب وحتى المستحيل بمناطق النظام بظل الافتقاد إلى البنى التحتية المؤسساتية والإدارية والخدماتية الضرورية، كما لتصرفات ومقاربات النظام وغياب الأمن والأمان لضمان أي تدفق للأموال كما حصل مع بعض الدول والشركات  العربية حيث قيل لها أن الدولة لا تزال تعيش حالة حرب وظروف استثنائية رغم خطاب النظام وحلفائه المناقض لذلك وادعاء تحقيق الانتصار الحاسم وترويج أكذوبة عودة الحياة إلى طبيعتها بالمناطق الخاضعة لسيطرته.

 إلى ذلك لم يتجاوب النظام مع المطالب العربية المتعلقة بوقف تجارة وتهريب المخدرات كونه يتولى إدارتها بشكل مباشر باعتبارها مصدر تمويله المركزي وأداة ابتزاز لدول الجوار والمجتمع الدولي ناهيك عن التهرب من أي خطوات ولو متواضعة باتجاه تهيئة البيئة المناسبة لعودة اللاجئين وإعادة الإعمار كما قال بشار الأسد في لقائه الإعلامي الأخير الخميس الماضي.  

 وبالنسبة لمطلب أو وهم الابتعاد عن إيران فقد رفض الأسد ذلك كونه لا يريد أي غطاء عربي مع تبعيته التامة للاحتلالين الإيراني والروسي، وحصوله حتى على دعم الاحتلال الإسرائيلي لبقائه كحرس للحدود مع فلسطين المحتلة.

بالعموم، كما توقعنا هنا فلا مفاجأة في وصول مسيرة التطبيع العربي مع الأسد إلى طريق مسدود، حيث الأنظمة مأزومة في معظمها وتفتقد للشرعية، ولا قدرة أو تأثير لها في قضايا وملفات عربية عديدة، والمطبّعون العرب هم أنفسهم بحاجة إلى الحماية والضمانات الأمنية الأجنبية ، في ضوء اختطاف واحتلال حواضرنا الكبرى في دمشق والقاهرة وبغداد وهي التي أخذت على عاتقها تاريخياً صد الغزاة وحماية الأمن و المصالح القومية العربية.

في الأخير باختصار وتركيز، لا حل ممكناً مع الأسد والتعاطي معه باعتباره عضواً فعّالاً وإيجابياً كونه غير ذي صلة لا يريد ولا يستطيع هذا إذا أراد تلبية ولو الحد الأدنى من المطالب العربية على علاتها، وهو يعتقد أن الواقع الراهن لصالحه ولا يريد تغييره ولو بتنازلات شكلية كما رأيناه في لقائه الإعلامي الأخير، حيث بدا متغطرساً ومنفصماً لم يقرأ أو يفهم ويتعلم شيئاً من السنوات السابقة، مع ترديد نفس الخطاب الخشبي عن المؤامرة المزعومة والانتصار الوهمي، والأهم تخليه عن تحمل المسؤولية رغم ادعائه شرعية تمثيل الشعب السوري، وحاكم لا يستطيع توفير خدمات الماء والكهرباء والتعليم والصحة لا يستحق البقاء في السلطة، ناهيك عن توفير الأمن والأمان مع تحول النظام إلى عصابة بالمعنى الحرفي والدقيق للمصطلح. وعليه لا يمكن الحديث عن أي حلّ جدي بوجوده ولابد بالتالي من إزاحته ورحيله وتفكيك نظامه وإعطاء الشعب السوري الثائر حقه الأصيل في تقرير مصيره بسوريا العظيمة بعد جلاء الغزاة والقوى الأجنبية التي استقدمها الأسد لحمايته وبقائه بالسلطة قسراً على أنقاض البلاد والمدن والحواضر التي دمرها وهجّر أهلها وناسها.

التعليقات (1)

    اهبل وريث

    ·منذ 8 أشهر أسبوعين
    ااهبل ورث بلد من احلى البلاد من شدة طائفيته وحقارته وانتماءة لايران الارهابية حوله الى دمار وخراب وظلم وظلام
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات