تركيا.. مأساة لاجئ سوري في ساعة واحدة: من العمل إلى البيت

تركيا.. مأساة لاجئ سوري في ساعة واحدة: من العمل إلى البيت

خرج متعباً من عمله الطويل واستقل المترو عائداً إلى منزله في "باشاك شهير"، كانت المقطورات تضج كعادتها في وقت الذروة بركاب عائدين من العمل أعينهم في هواتفهم ويرتسم فوقها عقدة صغيرة تنم عن مستوى التعب والتوتر بعد نهاية يوم عمل شاق.

رن هاتف عمر وحمله على استحياء ولم يجب على مكالمتين لزوجته، رغم تقطع الشبكة في مترو الأنفاق، خوفاً من أن يكتشفه أحد الركاب بأنه عربي، ويتصرف معه بعنصرية ويتطور الموضوع إلى شجار هو بغنى عنه أو يسمع إهانة يضطر إلى "بلعها"، رغم كونه حاصلاً على الجنسية التركية ويتكلم اللغة بشكل جيد، إلا أنه لم يتقن "اللكنة" كونه جاوز الأربعين.

 يقول عمر الذي عدل أسماء بعض أولاده كي يجنبهم بعض المواقف العنصرية التي تعرض لها: "كان اتصال زوجتي ضرورياً إلا أني أجلته خوفاً من إقحام نفسي في مشكلة قد يكون الخروج منها صعباً، كما حدث مع أحد ركاب المترو الذي تعرض لإهانة من مواطن تركي رغم أنه تركي ومن ولاية سيواس في الشمال التركي إلا أن ذلك لم يشفع له وطالبه العنصري التركي بالرحيل موجهاً له عبارات مسيئة". 
عمر يخشى من الترحيل كما يحدث مع الكثير من اللاجئين السوريين الذين باتوا يعيشيون في رعب وترقب من شبح الترحيل إلى الشمال السوري وتفريقهم عن عائلاتهم، فأصبح بعضهم يعيش بعيني صقر لتفحص محطات طريقه من دوريات "البوليس" وبفم أبكم طيلة رحلته لكيلا يتلفظ بكلمة عربية قد تكون مدخلاً لشجار ينتهي بترحيله.

هجمات عنصرية يغذيها الإعلام المعارض 

إن المراقب للصحف والمجلات والمواقع التركية يدرك تماماً أن ما يحدث ليس تصرفاً عابراً أو حالات فردية، إنما هي هجمات منظمة وممنهجة ضد العرب واللاجئين عموماً والسوريين بالأخص، فلا يكاد يمر يوم واحد دون خبر يحمل كلمة سوري (suriyeli)، وغالباً ما يسيس الخبر حتى وإن كان تافها أو كاذباً ضد الوجود السوري، لتغذية مئات آلاف المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي بجرعات عنصرية تتراكم للتحول إلى ظاهرة عدائية تجاه السوريين، تحول بعضها إلى هجمات على محال سوريين ووصل بعضها إلى اعتداءات لم يسلم منها حتى الأطفال وارتكاب جرائم قتل ضد لاجئين سوريين.

السياح العرب والعنصرية

موجة العنصرية المتفاقمة في تركيا وصل تأثيرها إلى السياح العرب الذين صدموا ببعض التصرفات العنصرية، حتى إن أحدهم حذر في مقطع مصور من استفزازات العنصريين، مشيراً إلى أنه تعرض لمعاملة سيئة جداً وعنصرية من موظفي المطار، وركاب القطار بسبب كونه عربي.

ونوه الصحفي التركي عبد الرحمن أوزون عبر فيديو في قناته على يوتيوب من تصاعد الحملة العنصرية ضد السياح العرب، التي أجبرت العديد منهم على إلغاء حجزه في تركيا وتحويلها إلى دول أخرى كجورجيا والبوسنة والهرسك بسبب العنصريين.

وفي الأيام الأخيرة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عدة مقاطع مصورة لتصرفات عنصرية مع سياح عرب في مراكز التسوق والمناطق السياحية في تركيا، ما أثار استياء العديد من المتابعين.

تحذيرات مسؤولين ومؤثرين

وبعد تصاعد خطاب العنصرية ضد اللاجئين في تركيا وترحيل عدد كبير منهم إلى الشمال السوري، حذر المستشار السابق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان من هذه السياسية العدائية ضد السوريين قائلاً "لا تظن أن البلد الذي يصبح غير آمن للسوريين سيكون أكثر أماناً وراحة لمواطنيه، فالكراهية الفاشية والعنصرية البشعة ستطال الجميع حتى تقتل صاحبها نفسه".

وفي سياق متصل، حذر عدد من المؤثرين منهم الإمام السابق لجامع آية صوفيا "محمد بوين كالن" من تصاعد الكراهية ضد العرب واللغة العربية بعد إزالة لافتات مكتوبة باللغة العربية من محال سوريين في عدة ولايات تركية قائلاً" إن عدم لمس اللافتات المكتوبة باللغة الإنكليزية واللغات الأخرى وإزالة فقط اللافتات العربية هو عداء تجاه الإسلام والمسلمين، سواء كان بعلم أو غير علم هو عداء لحرف لغتك ودينك، هذا الهراء يجب أن ينتهي".

بروباغاندا عدائية اللاجئين وقادتها

ورغم أن التصرفات العنصرية والحالات التي تم  فيها الاعتداء على لاجئين لا يمكن حصرها لكثرتها، إلا أن قادة البروباغندا العنصرية معروفين للجميع، ويكفي أن تكتب في خانة البحث في غوغل لتظهر لك صور أوميت أوزداغ وإيلاي أكسوي وتانغو أوزجان إضافة لدينيز بستاني.

ويعد أوميت أوزداغ زعيم حزب "النصر" الأكثر تأثيراً بينهم ويمتلك قاعدة شعبية معظمها من الشباب والمراهقين، وخاض أوزداغ السباق الانتخابي لرئاسة تركيا، حيث أسس تحالف الأجداد الذي رشح " سنان أوغان" لمنصب رئيس تركيا، ورغم أنهم لم ينجحوا بتجاوز العتبة الانتخابية إلا أن دورهم كان محورياً في جولة الإعادة، حيث انضم أوزداغ لتحالف الشعب بقيادة كمال كليشدار أوغلو الذي غيّر وعوده الانتخابية وركز على طرد السوريين. بينما انضم أوغان لتحالف الجمهور بقيادة أردوغان الذي أجرى تعديلات كبيرة في الحكومة الجديدة.

وعلى عكس ما توقّعه السوريون فقد أعاد الرئيس التركي مؤخراً هيكلة إدارة الهجرة والداخلية، ورغم اتخاذها إجراءات حازمة في ملف اللجوء والهجرة غير الشرعية، غير أنها لم تتخذ أي أجراء رادع حتى الآن يُجرّم العنصرية أو العنصريين، خاصة أن حملاتهم تسهم في الاعتداء على السوريين إلى درجة تصل إلى القتل وقد سجلت جرائم عديدة في مدة قصيرة مؤخراً.

السوريون "الحلقة الأضعف"

ويعتبر اللاجئون السوريون في تركيا وخاصة حملة "الحماية الموقتة" هم الحلقة الأضعف ويواجهون مشاكل في كل إجراءات حياتهم بما فيها التنقل بين الولايات، يضاف إلى ذلك عدم وجود جهة رسمية أو جالية منظمة تدافع عنهم كما حدث عند الاعتداء على الشاب اليمني في إسنيورت، ورغم أن "الائتلاف السوري" هو الجهة الرسمية الوحيدة التي تمثل المعارضة السورية، إلا أنها مؤسسة صورية ولم يسجل لها أي موقف إلى الآن في الدفاع عن اللاجئين السوريين في تركيا وحل مشاكلهم.

وصل عمر إلى بيته بأمان هذه المرة، لكنه في كل مرة يظل متوتراً متوجساً من أي نظرة مريبة داخل وسيلة النقل وكأنه سوريته وجنسيته أصبحت جريمة.

التعليقات (2)

    أبو عمر

    ·منذ 8 أشهر أسبوعين
    كلام منطقي وواقعي ومعاناة يومية .لكن ألفت انتباه كاتب هذه القصة بأنه ذكر في سياقها أن السيد عمر قد حصل على الجنسية التركية وبعد أن ذكر ذلك قال أنه يخاف من الترحيل والمجنس لايتم ترحيله بل تتم معاملته على أساس مواطن تركي .

    عبد الحكيم كيالي

    ·منذ 8 أشهر أسبوع
    السوري الحاصل على الجنسية التركية لا يتم ترحيله بل يعامل معاملة المواطن التركي ....... ويمشي واثق بنفسه وبقوة لايهمه أحد ..... أرجوا ممن ألف القصة ان يحبكها بشكل افضل ......
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات