يُقبِل الشمال السوري الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة السورية على تطورات جديدة من شأنها أن تنسف جميع الوعود التركية، إذ ترتبط هذه التطورات بفتح الطريق الدولي "حلب - غازي عنتاب" الذي تم الحديث عنه في أولى مباحثات مؤتمر "أستانة" برعاية الضامنين للملف السوري "روسيا - تركيا - إيران".
وتتقاسم السيطرة على طريق "حلب – غازي عنتاب" اليوم قوى إقليمية عدّة تختلف في الأهداف والرايات، أولها ميليشيا أسد إذ تسيطر على القسم الممتد من مدينة حلب حتى بلدة دير جمال شمال حلب بمسافة تُقدر بـ 19 كم، ومن ثم تفصله سيطرة ميليشيات شيعية موالية لحزب الله وإيران في مدينتي نبل والزهراء وتسيطر هذه الميليشيات على مسافة 8 كم من الطريق، تليها سيطرة "قسد" وروسيا على قرابة 5 كم من الطريق، وتبدأ من بلدة منّغ ووصولاً إلى قرية مرعناز، وثم مدينة إعزاز حتى معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا، والتي تخضع لسيطرة فصائل المعارضة.
مصدر عسكري
يقول مصدر عسكري في الجيش الوطني السوري فضل عدم ذكر اسمه لـ"أورينت نت" إنه يتم التجهيز منذ أيام لفتح الطريق الدولي بين مدينتي حلب وغازي عنتاب التركية، إذ تم طرح أربعة خيارات حول أربع مناطق يمكن أن يمر منها الطريق وهي (السيد علي _ سد الشهباء)، (الشيخ عيسى _ تل رفعت _ حلب)، (كلجبرين _ تل رفعت _ حلب)، (حلب _ الشط).
وأوضح المصدر أنه يتم النظر في الوقت الحالي في مناطق معينة لاعتبارها جزءاً من المسار الجديد للطريق الدولي، كما سيتم إغلاق معبر أبو الزندين شرق حلب وكافة المعابر الأخرى وخصوصاً غير النظامية، والتي يتم تهريب البشر منها، وضبط الخط الفاصل بين مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري "قسد" وميليشيا أسد.
ولفت إلى أن فرقة السلطان مراد التابعة للجيش الوطني التي تعتبر من أكثر الفصائل المدعومة من تركيا تعمل منذ أيام للسيطرة على جبهات "إعزاز - تل رفعت - مرعناز"، بهدف إجراء بعض التغييرات.
مصدر آخر يؤكد
من جهته، أكّد الأمين العام للمؤتمر السوري العام شمال سوريا "بشير عليطو" الذي شغل محافظ حلب الحرة سابقاً لـ"أورينت نت" جميع الأنباء التي تحدثت عن فتح طريق "حلب - غازي عنتاب" والتجهيزات التي تتحضر لافتتاحه، لافتاً أن الطريق سيتم فتحه إن حصل ذلك كمعبر مثل "منبج"، ولا علاقة له بتغيير نقاط التماس بين فصائل المعارضة وقوات "قسد" وميليشيا أسد.
وأوضح أن الطريق سيكون تحت الوصاية 'التركية - الروسية" وذلك من خلال القوات الموالية لهما من كل طرف.
ولفت إلى أن موضوع فتح الطرقات موجود منذ بداية انعقاد مؤتمرات أستانة بخصوص سوريا، وأن الطريق الدولي الذي كان يراد افتتاحه بدايةً هو "حلب - باب الهوى"، ولكن اليوم الولايات المتحدة الأمريكية تسعى لتضييق الهوّة بين تركيا وقوات "قسد"، ولعلّ الطريق الدولي هو أنسب الحلول بينهما، مشيراً إلى أنه عندما يتم فتح معبر باتجاه بلدة "تل رفعت" فهذا يعني أنه قد يصل لأي مكان في سوريا، وخاصّة أن المعابر بين قوات "قسد" وميليشيا أسد لم تغلق بينهما إلى اليوم.
وتخضغ بلدة تل رفعت بالإضافة إلى أكثر من 10 قرى وبلدات مطلّة على الطريق الدولي لسيطرة قوات "قسد" وميليشيا أسد شمال حلب، إذ تعتبر هذه القرى هي العقدة الأبرز والتي يمر منها الطريق الدولي الّذي يصل مدينة غازي عنتاب التركية بمدينة حلب السورية.
نسف الوعود التركية وأحلام المهجرين
خلال حديثنا مع "عليطو" أكّد لنا أن فتح الطريق سيكون على عكس الإرادة الشعبية ومطالبهم، مشيراً أن قرار الافتتاح سيكون هدراً لحقوق الأهالي على حساب التخفيف عن النظام المجرم وعصابات "قسد" الإرهابية.
وبحسب عليطو فإن فتح الطريق ليس بالأمر السهل أبداً، إذ سيلقى ذلك معارضة من الأهالي وخاصة مئات الآلاف من المهجرين قسراً من المناطق التي احتلتها "قسد" وهجرت أهلها إلى مخيمات عشوائية منتصف شباط 2016 حتى الآن، ونهبت أرزاقهم وسكنت عائلات مقاتليها في بيوتهم.
وسيكون فتح الطريق وفقاً لـ"عليطو" له ردّة فعل كبيرة من قبل الأهالي الذين عاشوا كل هذه السنوات في أسوأ الظروف، وبسبب تلقيهم عشرات الوعود بالعودة، الذين كانوا دائماً في حالة انتظار ما استنزفهم مادياً ومعنوياً، فمخيماتهم هي الأسوأ ومعيشتهم هي الأكثر سوءاً بسبب هذه الوعود التي لم تتحقق.
أهمية طريق حلب - غازي عنتاب
يعتبر من أكثر الطرق السورية أهمية وعملاً، إذ يصل مناطق شمال سوريا بجنوبها حتى معبر نصيب الحدودي مع الأردن ولكنه توقف عن العمل منذ بداية الحراك الثوري في البلاد عام 2011، وفي مطلع عام 2017 أعادت تركيا وروسيا ملف الطرق الدولية إلى الاجتماعات الخاصة بسوريا، ولكن هذه المباحثات لم تنجح إلى اليوم رغم طرح فكرة إعادة عمل الطرق منذ ما يزيد عن خمسة أعوام في الجولة السادسة من مباحثات أستانة في كازاخستان.
وخلال السنوات السابقة للثورة السورية استماتت ميليشيا النظام وروسيا وإيران للسيطرة على الطريق بشكل كامل بهدف إعادة الحياة إلى مناطقها، ولكنها لم تستطع.
خلاصة القول، إن فتح الطرقات الدولية في سوريا سيمنح نظام ميليشيا أسد وشبيحته أن يؤمنوا بنظرية النصر الذي يتغنى بها الأسد منذ سنوات، وخاصّة أنها جاءت بعد التطبيل العربي له وإعادة للجامعة العربية، كما إن فتح الطريق سيأتي في وقت تعاني مناطق الأسد من أزمة معيشية واقتصادية كبيرة، وانهيار متسارع للعملة السورية مقابل العملات الأجنبية التي سجلت ما يزيد عن 13 ألف ليرة مقابل كل دولار أمريكي واحد.
فهل ستنجح مساعي روسيا وتركيا في فتح الطرق الدولية في سوريا والإشراف عليها وإعادة الحياة إلى مناطق مليشيا أسد؟ وفي حال فتحت الطرقات هل ستكون بداية عودة العلاقات بين السلطات التركية وسلطات أسد؟
التعليقات (4)