أسئلة عديدة طرحتها زيارة المقداد إلى إيران؟ وأهم هذه الأسئلة هو ما يتعلق منها بقدرة إيران على وقف تدهور قيمة الليرة السورية التي تجاوز سعر صرفها قرابة 12000 ليرة سورية مقابل الدولار الواحد.
الحديث عن زيارة فيصل المقداد وزير خارجية نظام أسد إلى إيران، يمكن القول فيها، إنها زيارة تبحث عن مغيث في انسداد أفق الحل السياسي، هذا الحل السياسي ظنّ النظام وحلفاؤه أنهم قادرون على فرضه على المجتمع الدولي، بعيداً عن تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2254 الصادر بتاريخ الثامن عشر من كانون أول / ديسمبر عام 2015.
نظام أسد الذي لا يبدو أنه ليس في وارد تقديم تنازلات جوهرية للشعب السوري الثائر، أوقف عملية التفاوض برعاية أممية حول التوافق على مسودة دستور سوري جديد، واعتقد إلى حينٍ قريب أن تصنيعه للمخدرات، واستخدامها كسلاح ضد الدول العربية، سيجبر العرب على التطبيع معه أولاً، ثم سيضع المجتمع الدولي أمام حقيقة يعتقدها أن لا حلّ بدون بقاء الأسد، سيما بعد تطبيع المملكة العربية السعودية مع حليفة النظام إيران.
الحضن العربي والتأثير الإيراني
العرب الذين أعادوا نظام أسد إلى الجامعة العربية، كانت لهم حسابات خاصة بهم، حيث ظنّوا أن النظام بعودته إلى الحضن العربي، سيخفّف من التأثير الإيراني على قراراته السيادية، وأن النظام سيكون مستعداً للتجاوب مع المبادرة العربية بشأن الحل السياسي. لكنهم اكتشفوا أن حراكهم نحو التطبيع معه كان مجرد رؤية غير مكتملة، لا بل متغافلة عن بنية هذا النظام المغلقة.
نسي العرب أن نظام أسد خسر استقلاله السيادي بعد استقدام إيران وروسيا إلى سوريا لمواجهة ثورة شعبها، كذلك نسي العرب أن نظام أسد لا يفكّر مطلقاً بتنفيذ أي مسعى سياسي لحل الصراع في البلاد، لأنه لا يريد لأحدٍ أن يقلّص من هيمنته على مقدرات الشعب السوري، أو أن يدعوه لتقديم تنازلات سياسية لصالح بناء دولة مواطنة حقيقية، وهذا يكشف عن عدم استيعابه المجرد للمتغيرات الدولية والإقليمية وحتى الداخلية.
مخدرات أسد والسوق الخليجي
الهمّ الخليجي حيال تدفق المخدرات إليهم، لم يقدهم إلى خيارٍ آخر غير التطبيع مع نظام أسد، ظنّاً منهم، أن التطبيع معه سيقود إلى علاقات تدفع نحو استقرار سوريا وحل الصراع فيها بموجب المبادرة العربية المشتقة من القرار الدولي المذكور.
النظام لا يوافق على أي مبادرة للحل تقلّص من هيمنته على السلطة في البلاد، فهو يظنّ أنه انتصر عسكرياً، ومن حقّه فرض حلّه السياسي، عبر البقاء في سدة الحكم، والسماح للمعارضة بشغل وزارتين أو ثلاث في حكومة هو من يقودها، وهذا أمر لا يمكن أن تقبله الفعاليات الثورية السورية أو مجموعة أصدقاء سوريا، لأنه لا يلبي مطالبها ومصالحها في آن واحد، فالكل يعرف أن النظام لم ينتصر عسكرياً لو انسحب عنه الدعم العسكري الإيراني بميليشياته، وكذلك لو انسحب عنه الدعم الروسي، وهما دعمان ليسا له بل لأجندتيهما الخاصة بهما.
عرب التطبيع اصطدموا بالعقوبات والحظر الأمريكي على نظام أسد، ولهذا لم يتمكنوا من دفع أموال لمساعدة النظام على تجاوز أزمته الاقتصادية الخانقة، وهو في ذات الوقت لم يستطع الإيفاء بتعهداته للقمة حيال تنفيذ المبادرة العربية، وحيال قبوله بنتائج قمة عمّان الخماسية، فكما ذكرنا هو خسر منذ زمن طويل قراره السيادي لصالح حليفيه الإيراني والروسي.
هذه الحقائق الدامغة، أيقن النظام أنه لن يستطيع اختراقها، وبالتالي، ومع تدهور قيمة الليرة السورية، وأثر هذا التدهور على حاضنته الأساسية، تبيّن له أن احتمال انتفاضة جوعٍ في انتظاره، فنسبة أكثر من تسعين بالمئة من السوريين الذين يعيشون في كنف تسلطه، باتوا على قناعة أن الفساد لا يقف عند أداء الحكومة فحسب، بل يمتد إلى كلّ الأجهزة الحاكمة بما فيها "القصر الرئاسي".
المقداد يبحث عن حل في إيران
زيارة فيصل المقداد إلى طهران تأتي للبحث عن حلٍ سحري، حلٍ يمنع فقدان السيطرة على الحكم الأسدي، هذا الحل لا تملكه إيران في هذه الآونة، لأنها هي الأخرى تخضع لعقوبات اقتصادية تخنقها، وهي غير واثقة من أن نظام الأسد سيفي بديونها السابقة، كما إنه غير قادرٍ على تفعيل الاتفاقات الاقتصادية بينها وبينه.
لقد حضر إبراهيم رئيسي رئيس إيران إلى دمشق قبل أشهر قليلة، ووقّع اتفاقات عديدة ذات مضمون اقتصادي، ولكن الجميع يعرف أن هذه الاتفاقات بقيت حبراً على ورق، فالنظام يتملّص من تعهداته لداعميه، وهذا يعني أن زيارة المقداد إلى طهران لن تُخرج (النظام الأسدي من البئر الواقع فيها).
الإيرانيون لا يختلفون بشأن مستقبل نظام الأسد، فهم يدركون أن حجم جرائمه المحلية ضد شعبه، وحجم جرائمه ضد دول المنطقة، لن يوفّرا له فرصة استدامة حكمه من جديد، ويعرفون أن عقوبات الولايات المتحدة والغرب بحقه ستخنقه وتميته، ولهذا فهم يبحثون عن بديل له يضمن مصالحهم واستثماراتهم، عندما يضطرون إلى الرحيل مع ميليشياتهم عن أرض سوريا.
رسالة للمطبعين
أما ما يتعلق بالمراهنين على تعديل سلوك نظام أسد عربياً، فهذا التعديل لا يمكن حدوثه، لأنه جزء من البنية السياسية والأخلاقية لنظام أسد، وهذا يدفع للقول، أليس الأجدر بهذه الدول والحكومات اللاهثة وراء التطبيع أن تحسب كلفة وقيمة نتائجه؟ أليس الأجدر بها أن تدعم بشفافية كفاح السوريين للخلاص من محنتهم مع نظام دمّر الحجر والبشر دون أن يرفّ له جفن؟
إذاً يمكننا الجزم، أن نظام الأسد لا مستقبل له بعد هذا الكمّ الهائل من الانتهاكات المتعلقة بجرائم حربٍ وأخرى ضد الإنسانية ارتكبها، وهذا يدفع للقول إن الصراع في سوريا سيمتد بعض الوقت، إلى حين إنضاج الظروف الداخلية في حاضنة النظام، التي بدأت تجاهر بجوعها، وتطلب تغيير أوضاعها وتحسين مستوى عيشها، وهذا كله لن يتم بغير رحيل هذا النظام عن الحكم في سوريا، واستعادة الأموال السورية المنهوبة، ومحاسبة مرتكبي الجرائم لدى النظام أو غيره من قوى متطرفة أهدرت دم وأموال السوريين.
التعليقات (1)