الكولينج فن دمشقي عريق تنقله مهجّرة إلى الشمال السوري وتعلمه لأطفاله (صور)

لم يتمكن المهجّرون إلى الشمال السوري من أرجاء سوريا، حمل أمتعتهم بعد أن منعتهم من ذلك ميليشيا أسد، ولكنهم حملوا معهم أفكارهم الإبداعية ونقلوها معهم إلى موطنهم الجديد.

من هؤلاء المهجرين السيدة وردة الياسمين كما أحبّت أن تسمي نفسها، والتي نزحت من مدينة دمشق حاملة معها زهر الياسمين إلى موطنها الجديد في مدينة عفرين شمال حلب، حيث تابعت عملها في فن الكولينج الذي نقلته معها، وقد عرّفته لنا بالقول:

هو فنٌّ يقوم على استخدام شرائط من الورق المقوّى، يتمّ لفّها وتشكيلها ولصقها معا لإنشاء تصميمات زخرفية وبطاقات تهنئة وصور منوعة لتزيين المكاتب وغرف الاستقبال، ونحن في الشام كما هو معروف نحب الورد والياسمين فبيوت الشام يملؤها الورد ويزيّنها عبق الياسمين، لذلك أكثر أعمالي تكون ضمن هذا المجال، وهناك تقنيات متقدمة لهذا الفن في بعض الدول مثل الجزائر وتركيا مثل إنشاء المنمنات ثلاثية الأبعاد.

هي تعلمت هذا الفن منذ الصغر على يد والدتها، وطورت مهاراتها في المدرسة وفي جمعية الأيتام في الشام حسب قولها، مشيرة إلى أن ما تقوم به هو عبارة عن لوحات فنية متناسقة يتم تنفيذها بخطوات مدروسة وأسلوب دقيق، كما إنها طوّرت مهاراتها في هذا الفن من بعض القنوات التلفزيونية الجزائرية، حيث إنهم يهتمون كثيراً بهذا الفن وعندهم مدرسات مختصات به، كما يعتبر هذا الفن نادراً في سوريا ويحتاج إلى كثير من الصبر والجهد".

وتابعت المهجّرة الدمشقية القول:

" وعندما وصلت المحرر عام ٢٠١٥ لم أستسلم للواقع وبحثت كثيراً عن أناس مهتمين بهذا الفن، وحاولت جاهدة نشره وتعليمه للصغار عن طريق نشر فيديوهات تدريبة لهذا الفن أو إقامة معارض يعرض فيها هذه المنتحات الإبداعية".

يذكر أن هذا الفن إبداع وبحر واسع من الأشكال لمن يتعمق به، وهو مفتوح أمام كل من لديه هواية بالأعمال اليدوية من الذكور والإناث، وله الكثير من الفوائد التي تنعكس على الأسرة والمجتمع، حيث يمكنه تخفيف نسبة البطالة ورفع مستوى المعيشة لكثير من الأُسر، كما إنه يساعد المرأة على العمل ضمن البيت وبمساعدة أطفالها.

وتتمنى وردة أن تجد من يهتم بهذا الفن من مؤسسات أو جمعيات ويُفتتح مراكز تدريب له تحتضن الأطفال منذ تعلمهم القراءة لأن التعلم في الصغر والإبداع أفضل، بالإضافة إلى تنظيم معارض دورية لما ينتج وبيعه وصرف المردود المادي على توسيع مراكز التدريب.

 أما الصعوبات التي تعترض عملها ضمن فن الكولينج بصعوبة توفر المواد، وذلك لعدم معرفة المستوردين بهذا الفن أو اهتمامهم به، إضافة إلى غلاء ثمنها.

الحرق على الخشب   

لم يكن فنّ الكولينج هو الفن الوحيد الذي أينع في الشمال المحرر، بل هناك جملة من الفنون والأفكار الإبداعية ظهرت مؤخراً في هذه المنطقة المضطربة وقريبة من الكولينج، منها فنّ الحرق على الخشب، والذي يرتبط ارتباطاً قوياً بالزيتون الذي يميز محافظة إدلب، من هؤلاء الرسامين وائل الخير النازح من ريف إدلب الجنوبي منذ العام ٢٠١٩.

والذي يرى أن فن الحرق على الخشب هو:

" فنٌّ فيه الكثير من الإبداع، ويحتاج دقة في العمل، حيث الخطأ فيه ممنوع لأن تصحيحه صعب للغاية، وهو يجمع بين جملة من الهوايات منها الرسم والخط العربي والزخرفة، كما إنه يمكن الاستغناء عن استعمال الألوان عن طريق تفاوت الضغط  أثناء عملية الحرق، وبذلك تتدرج ألوان الخشب المحروق". 

وقد امتاز الكثير من فناني بلادنا في هذا الفن لتعلقهم بشجرة الزيتون المنتشرة عندنا، ‏حالهم حال سكان هذه البلاد التي اشتبكت أغصانها بأرواحهم وامتدت عميقاً في تاريخهم، كما إن هذا النوع من الفنون يعطي للمشاهد إحساساً مختلفاً عن الفنون الأخرى لأنك تتعامل مع الأشجار وهي كائنات حية، وفيها من إبداع الخالق الكثير، لا سيما شجرة الزيتون فهي تمتاز عن غيرها من الأشجار بعقدها الواضحة والجميلة، حسب الخير.

وبعض أدوات العمل التي تدخل في تنفيذ هذه الأعمال غير متوفرة، وأهمّها جهاز الحرق ( الكاوي) هو غير متوفر بالمحرر وتأتي بدائل لكنها غير جيدة، إضافة إلى نقص توفر أوراق الصنفرة ( الحف)، ونقص في المواد الحافظة لوجه الخشب بعد الحرق عليه مثل اللّكر وزيوت الخشب،

ويُحتاج أيضاً إلى المناشير الكهربائية واليدوية بالإضافة إلى أجهزة كهربائية مثل المثقب والصاروخ من أجل الحفّ بشكل أسرع. 

أما أهم الصعوبات التي تعترض عمل هؤلاء الفنانين وفي مختلف المجالات الإبداعية هي تسويق المنتجات، إضافة إلى أنه ما زال حق الفن مهضوماً عندنا حسب رأي القائمين على هذه الأعمال، والمطلوب فقط القطع الفنية الموجودة في أكثر المحلات أو المكتبات هي القطع الصغيرة وهي مكتوبة بخطوط عادية ولم تأخذ حقها في العمل، ومعظم الطلبات أيضاً هي لقطع صغيرة فيها حروف أو عبارات غزلية أومعايدات، ذلك على حساب القطع الفنية التي تأخذ مجهوداً كبيراً وهي مظلومة أيضا من حيث الطلب.

أما عن أسباب تقاعس المنظمات عن تبني ودعم الأفكار الإبداعية كدعمها للأنشطة الترفيهية، أورينت نت نقلت السؤال إلى أحد العاملين في المنظمات الإنسانية الناشطة في الشمال السوري والذي فضّل عدم ذكر اسمه، مبرراً أن اهتمام المنظمات ينصب على تأمين المسكن لأهل الخيم والتخلص من أثار الزلزال وتأمين الإغاثة التي أغلقت دونها الأبواب وبعدها قد تلتفت المنظمات إلى ما سألت عنه.  

احتياجات العاملين في مجال المهن الإبداعية التي رصدناها خلال جولتنا تمحورت حول المطالبة بتدخل جهات عامة أو خاصة ترعى هواياتهم وتعوضهم جزءاً من تعبهم الذي غالباً ما يضيع بسبب عدم تقدير الناس لجهودهم، حيث ما زالت المنطقة تعاني من ويلات النزوح، وما زال معظم الناس يعتبرونها مجرد رسم أو كتابة على الخشب، الأَولى في نظرهم وضعه في المدافئ.